بقلم : صلاح هنية
يُجمع العالم أجمع على اعتبار يوم 15/3 من كل عام يوماً للمستهلك يحتفي به العالم حسبما اتفق، وتقود هذه المسألة جمعيات المستهلك العالمية، بحيث لا تجعل الاحتفالات مجرد احتفالات وتمضي، بل تسعى لمأسسة هذه المناسبة لتجعلها سلوكاً يومياً، مثبتاً قانونياً، مصاناً في كل مناحي الحياة في كل الدول، بينما يعيش حوالى مليار شخص في فقر مدقع، غير قادرين على الوصول إلى الحد الأدنى اللازم لنوعية حياة لائقة.هذا العام اختار العالم كموضوع ليوم المستهلك مسألة (المستهلك المستدام) مربوطاً بأهداف التنمية المستدامة 2030. ويعرف الاستهلاك المستدام بأنه: «اﻻﺳﺗﻬﻼك اﻟذي ﯾﻠبي اﺣﺗﯾﺎﺟﺎت اﻷﺟﯾﺎل اﻟﺣﺎﺿرة دون اﻟﻣﺳﺎس ﺑﻘدرة اﻷﺟﯾﺎل ﻓﻲ اﻟﻣﺳﺗﻘﺑل ﻋﻠﻰ ﺗﻠﺑﯾﺔ اﺣﺗﯾﺎﺟﺎﺗﻬم» الأمر الذي يتطلب تغير النمط الاستهلاكي لتخفيف الضغط على ﻣﻌدﻻت اﺳﺗﻧزاف اﻟﻣوارد اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ واﻟﻣﯾﺎﻩ واﻟطﺎﻗﺔ، اﻟﺗﻠوث واﻟﻧﻔﺎﯾﺎت اﻟﻧﺎﺗﺟﺔ عن ﻋﻣﻠﯾﺎت اﻻﺳﺗﻬﻼك، ﻛﻠﻬﺎ ﻣؤﺷرات ﺗﺟﻌل فلسطين ﺗواجه تحديات ﻛﺑﯾرةً متعلقة ﺑﺿرورة ﺣﻣﺎﯾﺔ اﻟﺑﯾﺋﺔ وﺗﻘﻠﯾص اﺳﺗﻧزاف اﻟﻣوارد اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ.
ويتطلب الأمر أسواقاً مستدامة يكون جوهرها (سوق قادر على العمل بشكل مستمر، يلبي الاحتياجات الاقتصادية والبيئية، والاجتماعية اليوم، دون المساس بحق الأجيال القادمة في استخدام السوق لتلبية احتياجاتهم الخاصة).
وهذا يتطلب وضع تعريف بالاستهلاك المستدام والسوق المستدام والمستهلك المستدام، يتناسب مع خصوصية فلسطين الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وأنماط الاستهلاك وضرورة دراستها، ومعرفة العوامل المؤثرة بها، وكيف نحمي المستهلك الفلسطيني، وكيف نحمي البيئة من المستهلك الذي بات جزءاً من ثقافة المستهلك في العالم الذي يريد شراء المزيد ثم الشراء، كما اثبتت دراسات دولية أعدتها مراكز متخصصة أن 57% من المستفتين في العالم عبر استفتاء أعدته مجموعة (ايكيا) عبر مركز مسوحات متخصص يرغبون بالمزيد من الشراء للسلع غير المعمرة، وبالنسبة لجيل الالفية في ذات الاستفتاء بلغت 73% نسبة الراغبين بالشراء.
يعتبر يوم المستهلك في العالم عموماً وفي فلسطين خاصة مناسبة للتوصية بحقوق المستهلك المقرة عالمياً والتي تتضمن الأمان، حق الاختيار، حق المعرفة والتثقيف، حقه ان يستمع له وينخرط في جمعيات حماية المستهلك للدفاع عنه، حق إشباع احتياجاته الأساسية، حق التعويض، وهناك ضغوط منذ خمسة أعوام لتضمينه حق مقاطعة السلع التي يرتفع سعرها.
فلسطينياً ...
لن نحتفل هذا العام بالشكل التقليدي للاحتفال والتجمع وإلقاء الخطابات أو عقد ورشات عمل أو مسيرات كشفية وفنية وورش عمل بسبب طوارئ الكورونا. ولكن هذا لن يمنعنا من التوعية ونشر المعرفة والضغط والتأثير، خصوصاً في ظل تنامي سلوكيات سلبية في زمن الكورونا (رفع أسعار بعض السلع، استخدام مبررات لتبرير عدم توفر بعض السلع مثل المعقمات والكمامات) الاندفاع نحو الشراء بكميات في ظل سيطرة الهلع دون مبرر ودون أي مؤشر على نفاد السلع، وهذا قاد الى تراجع جودة بعض السلع في السوق بسبب الاستعجال وتلبية الطلب.
وفي الأزمات كافة تبرز بوضوح تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي إذا لم يكن الاحتواء. فبدلاً من أن نكون جاهزين بالمواد الخام عبر الاستيراد المباشر لتلبية احتياجات السوق بمنتجات لازمة، تذكرنا في اللحظة الأخيرة ان نبتاعها من المستورد الإسرائيلي الذي يتحكم بنا ويقدم سوقه علينا بالأساس، ونولد ضغطاً على الحكومة التي تتحمل مسؤولية مشهوداً لها على مستوى المنطقة في وباء الكورونا، أن تبحث عن حلول لمواد خام هي مسؤولية القطاع الخاص أساساً الذي بات يلقي إشكالياته على عاتق الحكومة والمستهلك.
دور جمعيات حماية المستهلك الفلسطيني
الجمعيات هي جزء من المنظومة العالمية في الحفاظ على حقوق المستهلك والتوعية بها والضغط من أجلها، وليس مضموناً أن هناك من يستمع لهذه المنظومة، ولكن الحكومة الحالية نسبياً تمتلك حساسية لتلك الحقوق ولدور تلك الجمعيات، رغم انها لم تضع ميزانية خاصة لها ضمن بنود موازنة السلطة، ولم تتابع ملف تحديث قانون حماية المستهلك لتحديثه أسوةً بالجهد المبذول لمتابعة قانون الشركات مثلاً وليس حصراً.
ومن باب النقد الذاتي وليس جلد الذات فإن عدداً من الجمعيات في المحافظات يحتاج إلى تفعيل وتطوير الأداء لتظل منظومة حماية المستهلك متكاملة في جميع المحافظات من رفح حتى جنين، ونشر التوعية والانخراط بفعاليات بقية مؤسسات المؤسسات الأهلية والفعاليات الحكومية التي يقودها المحافظون.
ولعل وباء كورونا شكل مثالاً لأهمية دور جمعيات حماية المستهلك الفلسطيني من حيث ضبط الأسعار ونشر الطمأنينة وتوعية المستهلك، وهو المواطن بفئاته كافة، ودورها في التوعية في المحافظات التي باتت محجورة، وهذا الأهم.