سورية.. مرحلة كسر العظم

الدار البيضاء اليوم  -

سورية مرحلة كسر العظم

هاني عوكل
بقلم : هاني عوكل

على الرغم من أنها خسرت في بحر الأسبوعين الماضيين 13 جندياً، إلا أن تركيا تدفع بالمزيد من قواتها في شمال إدلب وتعزز من وجودها هناك لمنع أي تقدم من قبل الجيش السوري للسيطرة الكاملة على هذه المحافظة التي تقلب موازين النزاع وتشكل مقدمة نهاية النزاع السوري.هذه التعزيزات تتزامن مع تصريحات تهدد الجيش السوري بالرد عليه أينما كان، وهي تصريحات صادرة من رأس الهرم، رئيس الدولة رجب طيب أردوغان الذي أزعجته كثيراً خسارة عدد من جنوده، في الوقت الذي يدرك فيه المخاطر المترتبة على توسيع حدود النزاع.

يتساءل الكثيرون عن أبعاد الوجود التركي في سورية وما الهدف منه، خصوصاً وأن دولة قوية مثل روسيا تدعم الحكومة السورية في كل فعل تقوم به، وتشارك مع جيشها في إدلب لاستعادتها بالكامل؟ ثمة أكثر من جواب عن السؤال أعلاه، إذ يلحظ أن تركيا مستميتة للعب دور إقليمي في المنطقة.طوال السنوات الماضية ركزت تركيا على تمكين وضعها الداخلي والتحصن خلف التنمية والتطور، وفعلت الكثير للصعود إلى مراتب الدول الصاعدة من حيث القوتين السياسية والاقتصادية، وإقليمياً كان لها دور محدود بين جيرانها سورية والعراق وكذلك العلاقة العدائية مع الجارة اليونان حول قبرص تحديداً.

غير أن هذا الدور بدأ يتنامى مع التطلعات الأردوغانية لإعادة الهيبة إلى تركيا العثمانية، ومن السهل ملاحظة الدور الذي تقوم به في المنطقة، حيث إنها بالتأكيد تتنافس مع كل من إيران وإسرائيل للتأثير على الشرق الأوسط، وآخر هذا النوع من الممارسات التدخل في الشأن الليبي.سورية واحدة من أهم الدول التي تطمع تركيا لأن يكون لها حصة فيها، ولذلك لا يريد أردوغان أن يخرج مهزوماً من هناك، لأنه حينذاك سيفقد بريقه الذي يفقده حالياً نتيجة سياسات خاطئة من قبل حكومته وحزب العدالة، وأكبر دليل على ذلك خسارته بلدية مدينة إسطنبول التي تعتبر الأهم على الإطلاق على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والجغرافية والديمغرافية.

إذاً الرجل متمسك بمشروع يقضي إلى اعتبار شمال سورية حديقة خلفية لتركيا، ويشمل ذلك بطبيعة الحال أهم ما يطمح الرئيس التركي لإنجازه، وهو إفراغ الخزان الديمغرافي الكردي من هناك وإبعاد خطر الأكراد عن الحدود السورية- التركية، وكذلك إفراغ الخزان الديمغرافي السوري من تركيا بتوطينهم في شمال سورية.كذلك يبدو أن استئساد أردوغان في إدلب من باب أن أنقرة إذا لانت في هذا الموضوع فإنها قد تخسر "عينها" في سورية، أي أنها ستفقد بالتأكيد حليفتها المعارضة التي تطمح أن يكون لها دور قوي ومهم في مستقبل سورية بعد أن تضع الحرب أوزارها، ولذلك تقاتل تركيا في إدلب من أجل الدفاع عن مصالحها بالدرجة الأولى.

مع ذلك فإن أي مواجهة بين الطرفين التركي والسوري هي محسوبة بالمسطرة والقلم، ومن الصعب أن تتفاقم الأمور إلى مستويات الحرب الشاملة والمفتوحة، لأنه لو حدث ذلك حينذاك أكبر خاسر في هذه المعادلة ستكون تركيا، لاعتبارات كثيرة أولها أن روسيا لن تقف مكتوفة اليدين في هذا الموضوع.كذلك لا يهم الجيش السوري أي خسارة أو كلف يتحملها، ففي حسابات النزاع هو عانى الكثير وكاد يفقد السيطرة على البلاد قبل عدة سنوات، ولولا نجدة موسكو لكان من الممكن أن يودّع الحكم مرغماً عنه، ولذلك قد تبدو هذه المعركة بالنسبة له معركة حياة أو موت، خصوصاً وأنه يرى في الوجود التركي احتلالاً وواجب الدفاع عن شرعيته.

بالنسبة لأردوغان فإن خسارته في إدلب ستعني هزة قوية له أمام معارضيه في الداخل التركي وكذلك لمشروعه بـ"أتركة" سورية، ويلحظ حالياً أن سياسته هناك متركزة على رد الفعل، بمعنى أن القوات التركية تحديداً لن تبدأ هجوماً في شمال إدلب، ويقتصر دورها على الرد على أي هجوم من قبل الجيش السوري.ما يحدث هو أن أنقرة تحارب في سورية بفصائل المعارضة في إدلب، ولذلك فإن المهلة الزمنية التي حددتها حتى أواخر الشهر الجاري والتي تقضي بانسحاب الجيش السوري من مساحة جغرافية تتجاوز نقاط المراقبة التركية، هي مجرد تخويفات وعلى الأغلب أن تركيا لن تحرك جيشها لضرب الجيش السوري.

القصد من ذلك أن أنقرة قد تزود المعارضة السورية بأسلحة ثقيلة ومؤثرة، كما حصل في حادثة إسقاط طائرة مروحية تابعة للجيش السوري بصاروخ أرض جو قبل عدة أيام، بهدف الضغط عليه للتراجع إلى وسط وجنوب إدلب والتوقف عن فكرة السيطرة على كامل المحافظة.ما يحدث في إدلب بالضبط أشبه بـ"كعكة" تريد أنقرة الحصول على قطعة منها في أحسن الأحوال بالمرابطة هناك ووقف القتال وتثبيت هدنة دائمة ودعم تنظيمات المعارضة السورية وكذلك وقف تدفق الخزان البشري السوري إليها، وفي أصعب الأحوال الحصول على ثمن من مغادرة إدلب.بالرغم من الخلاف بين تركيا وروسيا في شمال سورية، إلا أن حبل الود لم ينقطع والأخذ والرد لم يتوقف، وهناك محادثات بينهما لحل هذه المعضلة، ويجوز القول إن الكرة في الملعب التركي ويتوقف عليه إلى أي مدى يمكنه المساومة وحفظ ماء وجهه في "بيت السوري".

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سورية مرحلة كسر العظم سورية مرحلة كسر العظم



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 12:14 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالإرهاق وكل ما تفعله سيكون تحت الأضواء

GMT 23:49 2014 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

العاهل المغربي يتجوّل بسيارته في مراكش

GMT 18:16 2017 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

محلات VELVET تقدم مجموعتها الجديدة الخريفية المميزة

GMT 14:49 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

شركات الحلوى تنتدب علماء لإنقاذ الشوكولاتة قبل 2050

GMT 12:47 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على أهم المعالم السياحية لمدينة "نامور" في بلجيكا

GMT 17:09 2017 الجمعة ,01 كانون الأول / ديسمبر

باحثون ألمان يستخلصون مادة من الفطر للقضاء على السل

GMT 16:21 2016 السبت ,06 شباط / فبراير

فريق فيلم "الهرم الرابع" يزور مستشفى بهية

GMT 13:44 2015 الأحد ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

اسيتون طبيعي اصنعية في منزلك

GMT 13:57 2016 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

العثور على جثة خادمة في مسبح فيلا في مدينة فاس

GMT 12:37 2014 الجمعة ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

انتحار مراهق يرمي نفسه من السطح لأسباب نفسية

GMT 09:12 2017 السبت ,02 أيلول / سبتمبر

الحريات الفردية من منظور القانون الجنائي

GMT 01:29 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

سيرغيو كنافيرو يخطط لتنفيذ أول عملية زرع رأس إنسان
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca