بقلم : رجب أبو سرية
بعد الاجتماعين الخاصين بكل من مجلس جامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، واللذين تم فيها رفض خطة ترامب لحلّ ملف الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي، التي يحلو للرئيس الأميركي وطاقم بيته الأبيض أن يصفاها بـ»صفقة القرن»، تجيء الجلسة الخاصة لمجلس الأمن بمثابة فصل الختام الدولي لتلك الخطة، وتسدل عليها ستارة الختام، ما يعني أن أحداً لن يكون معنياً بعد ذلك بطرح أي محاولة خاصة للبحث فيها أو التفاوض حولها، بهدف تطبيق بنودها، بل إن الاهتمام بها سيتوقف عند تلك الحدود، كما كان حال شقها الاقتصادي من قبل الذي جرى إعلانه في «ورشة المنامة» في وقت سابق من العام الماضي.
بالطبع لا أحد يتوقع أن يصدر مجلس الأمن قراراً برفض الخطة، كما فعلت الجامعة العربية أو المؤتمر الإسلامي، وذلك يعود إلى تمتع الولايات المتحدة بحق النقض/الفيتو في المجلس المذكور، لكن نتيجة التصويت ستكون مهمة جداً، حيث يتوقع أن يصوت معظم الأعضاء على رفض الخطة باعتبار أنها تتجاهل الشرعية الدولية، «وتحلل» ما سبق للمجلس نفسه وبامتناع الولايات المتحدة، في الأيام الأخيرة لولاية الرئيس السابق باراك أوباما، أن «حرمه» فيما يخص الاستيطان الاحتلالي الإسرائيلي في أراضي القدس والضفة الغربية المحتلتين، وأنها - أي الخطة - تقطع الطريق على حل الدولتين الذي تؤيده الغالبية الساحقة للدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، فضلاً عن المجتمع الدولي بأسره.
اجتماع المجلس حول هذا الأمر بحد ذاته أمر مهم، وتداول الأعضاء حول مشروع القرار وطبيعة أو نتيجة التصويت مهمة، من هذه الزاوية، أي من زاوية أنها تقوم بإحباط همة «زخم» الخطة، حيث تكون القيادة الفلسطينية قد حققت مرادها، بردّ الأذى حيث كانت الخطة تستهدف عزلها وإظهارها بمثابة الرافض لخطة السلام، أو أن تضعها أمام خيارين، كلاهما مر، الأول أن تقبل خطة التصفية، التي تضع حداً للكفاح الوطني وللحقوق الوطنية وتجعل من إقامة الدولة المستقلة أمراً مستحيلاً، أو أن ترفض وحدها، فتكون معزولة، بما يبرر أن يتم تنفيذ الخطة بسهولة أو حتى بالاعتماد على عرب/أعارب، بلحى وشوارب، أو حتى من دونهم لكن بما يسهل التنفيذ على حكومة التطرف الإسرائيلية.
والحقيقة أن «التكتيك» السياسي الذي اتبع من قبل القيادة الفلسطينية كان ذكياً ومحنكاً، فهو لم يطلق الصراخ والعويل، بل تصرف بهدوء وقام بالتركيز على أن الخطة تتجاهل الشرعية الدولية والاتفاقيات الموقعة بين الجانبين، وجرى إعدادها من وراء ظهر أحد الطرفين، فيما تمت مخاطبة الجامعة العربية على أساس أن الخطة تجاهلت المبادرة العربية، فيما كان التتابع نفسه طريقاً للنجاح في «احتواء» إعلان الخطة، وإبطال مفعولها، كما لو كانت قنبلة سياسية ألقيت، فقام الجانب الفلسطيني، بتفكيكها أو بنزع صاعق التفجير منها، حيث دفع موقف الجامعة إلى أن يكون طريق المؤتمر الإسلامي سهلاً، فيما ذهاب الرئيس محمود عباس إلى مجلس الأمن وفي جعبته الموقفان العربي والإسلامي، يعني أنه ذاهب وهو قوي، يسير على طريق معبّد بكل ثقة.
والحقيقة أنه إذا كانت الدول العربية منفردة تخشى معارضة السياسة الأميركية، وهي لم تقم برفض الخطة بشكل صريح كدول، فإن الدول الأعضاء في مجلس الأمن، خاصة الأعضاء الدائمين، هي دول أكثر استقلالية من الدول العربية، وأقدر على اتخاذ قرارها الخاص بما يتعارض مع سياسة واشنطن، لكن بالتدقيق فإنه يمكن القول، إذا كان موقفا الصين وروسيا واضحين وصريحين، بل رافضين للخطة، فإن ما يهم هنا الموقفان الفرنسي والبريطاني بالتحديد، حيث نتوقع أن تؤيد فرنسا مشروع القرار الذي سيعتبر الخطة مجحفة ولا تعزز فرص السلام، أو أن تمتنع عن التصويت، فيما على الأغلب سيكون موقف بريطانيا ما بين الامتناع ومعارضة مشروع القرار، رغم أن هناك ضغطاً من المعارضة البريطانية على حكومة المحافظين التي هي دائماً أقرب إلى المواقف الأميركية في معظم سياساتها الدولية.
لكن يبقى أن الموقف الفرنسي، ومن ثم الدولي، يمكن أن ينشأ عنه موقف إن لم يحبط الخطة تماماً، فإنه سيخلق خطاً موازياً لها، وهو أولاً أن السلام بحاجة إلى مفاوضات يجب ألا تقتصر على خطة ترامب أولاً. وثانياً ألا تنفرد الولايات المتحدة في رعايتها، وهذا هو جوهر الموقف الرسمي الفلسطيني، الذي بذلك يكون قد حقق درء المخاطر وصد الهجوم السياسي الأميركي/الإسرائيلي.بعد ذلك، لا بد من الاهتمام بمواجهة الهجوم الإسرائيلي الميداني من جهة، وذلك بتحقيق إنهاء الانقسام، وإسناد المقاومة الشعبية. ومن جهة ثانية، بمواجهة التكتيك الإسرائيلي القائم على الانفراد ببعض الدول العربية لمواصلة إحداث الاختراق على صعيد تطبيع العلاقات الثنائية، حيث هنا لا بد من إثارة هذا الأمر في القمة العربية المقبلة التي تنعقد عادة في شهر آذار من كل عام، باعتبار أن ما جرى ويجري من لقاءات سياسية بين بعض قادة الدول العربية وقادة إسرائيل، يعد خرقاً للشرعية العربية وخروجاً عن المبادرة العربية، وأن مواقف الدول العربية يجب أن تلتزم بمواقف وسياسات الجامعة، وغير ذلك يعد خروجاً عن الإجماع العربي. خاصة أنه ليس كل الأميركيين مع خطة ترامب، وليس كل الإسرائيليين مع نتنياهو، بل إن ذهاب الرئيس عباس إلى مجلس الأمن ومعه رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق أيهود أولمرت، بقدر ما يعتبر «ضربة معلم»، فإنه يظهر السلام ممكناً مع بعض الإسرائيليين، ومستحيلاً مع بعضهم، وهذا موقف لا بد من البناء عليه، والمراهنة على خروج نتنياهو واليمين الإسرائيلي من دائرة الحكم في إسرائيل، والمراهنة كذلك على خسارة دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة، حتى يمكن الخروج من النفق الذي جر نتنياهو الشرق الأوسط إليه أولاً، ومن ثم أكمله ترامب بجرّ العالم بأسره إلى حافة الهاوية.
تكون بذلك القيادة الفلسطينية قد قامت بمواجهة أسوأ كابوس عاشته المنطقة منذ عقود، ونيابة عن كل الغافلين عن الخطر الذي يمثله المتطرفون الجالسون على مقاعد الحكم في كل من إسرائيل والولايات المتحدة، ويكون الرئيس عباس قد استحق جائزة نوبل للسلام التي أغفلت دوره في اتفاقات أوسلو التي منحت لعرفات ورابين وبيريس في العام 1994.