أي تداعيات لـ«كوفيد ـ 19» على سباق البيت الأبيض؟

الدار البيضاء اليوم  -

أي تداعيات لـ«كوفيد ـ 19» على سباق البيت الأبيض

إياد أبو شقرا
إياد أبو شقرا

مفهوم جداً أنْ تكونَ جائحة «كوفيد-19» في قلب الجدل السياسي بالعالم اليوم. والحال أنَّها فعلت قبل أنْ يصيبَ الفيروس الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال الأسابيع الأخيرة من حملة إعادة انتخابه

ودعنا، من استثنائية أن يصاب بالفيروس «رأس هرم السلطة» في أقوى قوة عالمية، فتهزّ إصابته التحضيرات المُعدّة و«السيناريوهات» المحتملة للانتخابات الأميركية، وكل الحسابات الدولية المتصلة بها... إذ إن ما نحن بصدده أكبر وأعمق أثراً.

لقد كنا منذ اتضاح الأبعاد الخطيرة لوباء «كوفيد-19»، والجائحة التي تسبب فيها، أمام حرب سياسية اقتصادية عالمية، تداخلت فيها المصالح القومية، وتصفية حسابات النفوذ، وتعميق الاصطفافات، وركوب مد الشعبوية، ومحاولة الموازنة بين أولويتي المحافظة على الصحة العامة وإنقاذ الاقتصاد.

منذ يناير (كانون الثاني) الماضي، بعدما خرج الفيروس من «القمقم» الصيني ليغدو «مارداً» مخيفاً، حدث فرز كبير على مستوى العالم بأسره، بدأ في أوروبا... حيث أثقلت الجائحة المباغتة الإمكانيات الصحية لدول تعد من الدول الغنية، مثل إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وبريطانيا. ثم تفاقم في الولايات المتحدة، حيث استفاد من التنوع البيئي والديمغرافي والاقتصادي، وحتى العقائدي، فضرب أول ما ضرب الأحياء السكانية في وسط المدن الشمالية الكبرى، كنيويورك وديترويت وشيكاغو وبوسطن وسياتل، ومعظمها من المعاقل الانتخابية لمحدودي الدخل والأقليات العرقية، في حين بقيت الأرياف والضواحي البيضاء بعيدة نسبياً عن الأسوأ.

وحتى بعدما اتّسع نطاق الجائحة المتمددة عالمياً، ظهرت أصوات في أعلى مراكز السلطة للتقليل من شأنها، ورفض إجراءات العزل والإغلاق، بحجة إنقاذ الاقتصاد من الانهيار. وبينما كان الفرز بسيطاً نسبياً بين اليمين المحافظ من جهة والليبراليين واليسار المعتدل من جهة ثانية في دول كبريطانيا والبرازيل وإيطاليا وإسبانيا، فإنه اتخذ أشكالاً أكثر تعقيداً في الولايات المتحدة، لسببين مباشرين: الأول، أن هذه السنة سنة انتخابية استثنائية في تحدياتها وخياراتها الراديكالية غير المسبوقة. والثاني، «حساسية» التركيبة الاتحادية (الفيدرالية) للبلاد في السنة الانتخابية، ما انعكس تناقضاً مباشراً بين «سلطة المركز» اليمينية في البيت الأبيض والقيادات الديمقراطية الليبرالية (تحديداً حكام الولايات) في بعض الولايات الأكثر سكاناً، والأقسى معاناة مع الجائحة، مثل نيويورك وميشيغان وإيلينوي وكاليفورنيا وواشنطن.

في إيطاليا، كانت البؤرة الأخطر في الشمال، تحديداً في مدن كبرغامو وميلانو. وفي فرنسا وإسبانيا، كانت المعاناة الأكبر في المدن الكبرى، كباريس ومدريد وبرشلونة. وفي بريطانيا، لفترة ما، كانت العاصمة لندن وضواحيها، مع بؤرة في محيط أقصى شمال شرقي إنجلترا، المناطق الأكثر تضرراً. ومن ثم، بالنظر لكون الشمال الإيطالي والمدن الفرنسية والإسبانية والبريطانية الكبرى العصب الاقتصادي والمالي الأساسي في تلك الدول، ظهرت المعاناة الاقتصادية بسرعة، وبالأخص مع قرارات الإغلاق التي اتخذتها حكومات الدول الأربع مكرهة، لا سيما الحكومة البريطانية المحافظة... بعد إصابة ولي العهد الأمير تشارلز، وبعده رئيس الحكومة بوريس جونسون، بالفيروس.

وفي هذه الأثناء، كانت الولايات المتحدة منهمكة باستقطابها الانتخابي الحاد، بمواكبة الانعكاس السلبي الفظيع على الأسواق، من صناعة السياحة إلى تجارة التجزئة والصناعة، مروراً بالنقل الجوي والخدمات العامة، بما فيها التعليم والقطاع الصحي.

أكثر من هذا، لعب الجانبان الجمهوري والديمقراطي على «الوترين» المطلبيين لشارعيهما السياسيين بضراوة تعكس عمق الفرز الآيديولوجي بينهما، إذ ركّز الجمهوريون على إنقاذ الاقتصاد، ولو على حساب تحمّل أرقام عالية للإصابات والوفيات من الفيروس، في حين عد الديمقراطيون أن الفصل مستحيل بين صحة المواطن والعافية الاقتصادية للبلاد، ومن ثم لا بد من اتخاذ إجراءات موجعة اقتصادياً من أجل احتواء جائحة لا علاج لها ولا لقاح ضدها في الأفق القريب.

وسط هذا الانقسام الواضح بين المقاربتين والأهداف، بدأ التصعيد من على المنابر. وبعدما كان الرئيس ترمب قد استخف مراراً، وعلانية، بخطر الفيروس، فإنه اضطر لتغيير «تكتيكه» الإنكاري باتجاه لوم الخارج على الجائحة، في ضوء تزايد الإصابات وتسللها إلى المعاقل الانتخابية للجمهوريين في الأرياف والضواحي الموسرة وولايات الجنوب المحافظ. وحقاً، أطلق ترمب على الفيروس اسم «الفيروس الصيني» بحجة أنه انطلق من مدينة ووهان الصينية، وأن الصين أسهمت بتفاقم الجائحة عالمياً بتسترها المتعمد عليه. ثم وسّع «دائرة بيكار» التهم، فهاجم منظمة الصحة العالمية، واتهمها صراحة بالتقصير والتواطؤ مع السلطات الصينية، وقرر قطع المساعدات عنها.

ثم إن ترمب حمل تحديه إلى ما هو أبعد، لا سيما بعد شفاء «حليفيه» اليمينيين رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والرئيس البرازيلي جاير بولسونارو من الفيروس، فأخذ يستخف بالفيروس، ويعقد تجمعات انتخابية من دون ارتداء الكمامات الواقية. وبينما كان ترمب يهاجم بعنف حكام الولايات الذين أصدروا أوامر عزل وإغلاق، كان مناصروه من الإنجيليين المحافظين يسخرون من الكمامة، وغيرها من الإجراءات الاحترازية، بل ويرفع بعض غلاة اليمينيين السلاح الفردي في مظاهراتهم الرافضة لأوامر العزل والإغلاق.
في هذه الأثناء، وجد الديمقراطيون أنفسهم بين «نارين»: الاهتمام صحياً وخدماتياً بشارعهم الانتخابي الأقل ثراءً والأشد معاناة... وفي المقابل، السعي لوقف تمدّد شعبية ترمب في هذا الشارع الذي كان قد نجح بكسب قسم منه في الانتخابات الأخيرة عام 2016، ما كفل له الفوز بالرئاسة. وهذا الأمر ظهرت نُذُره عندما سارت مطالبات في كثير من الأحياء الشعبية في مدن كبرى، مطالبة بالإعانات وإنقاذها من الإفلاس، سرعان ما انحرف بعضها إلى صدامات اتخذت شكل مواجهات عنصرية مع الشرطة. وفي حساب المراقبين، لو قيض لمثل هذه المواجهات أن تتفاقم أكثر لانقلب تأثيرها السياسي إلى ضده، وأعطت اليمين الجمهوري فرصة لاستغلال الغضب... وتحويله إلى خوف عند البيض من عنف أسود.

إصابة ترمب بالفيروس ستُربك -بلا شك- حملته الرئاسية، بصرف النظر عن استفادته من «التعاطف» الشعبي أم لا. ثم إن لترمب، بجانب التحديين الصحي والانتخابي، خططه لإحكام قبضته على المحكمة العليا عبر تثبيت تعيين القاضية المحافظة آيمي كوني باريت. ومع مرض الرئيس، وإصابة بعض الشيوخ الجمهوريين، ثمة مَن يتساءل عن إمكانية التثبيت قبل انتخابات مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الرئاسية والتشريعية.

ما حدث مفصل مهم، وتداعياته قد تكون أبعد مما كان المراقبون والمحللون يتصوّرون.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أي تداعيات لـ«كوفيد ـ 19» على سباق البيت الأبيض أي تداعيات لـ«كوفيد ـ 19» على سباق البيت الأبيض



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 19:53 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 08:23 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:03 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 18:00 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تشعر بالانسجام مع نفسك ومع محيطك المهني

GMT 15:27 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

توقيف فتاة كانت بصحبة شاب على متن سيارة في أغادير

GMT 03:00 2017 الإثنين ,02 كانون الثاني / يناير

أنطوان واتو يجسّد قيم السعادة في لوحاته الفنيّة

GMT 18:55 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تمرّ بيوم من الأحداث المهمة التي تضطرك إلى الصبر

GMT 20:15 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

افتتاح المهرجان الدولي لمسرح الطفل في رومانيا

GMT 12:01 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

وجهات منازل رائعة استوحي منها ما يناسبك

GMT 09:29 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

أفكار مختلفة لترتيب حقيبة سفركِ لشهر العسل

GMT 08:44 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منظمة "ميس أميركا" ترفع الحد الأقصى لسنّ المتسابقات

GMT 09:08 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

أفضل الطرق لتنسيق تنورة الميدي مع ملابسك في الشتاء

GMT 14:11 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

جمعية خيرية تنظيم حملة للتبرع بالدم في تاوريرت

GMT 09:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيقاف وسيط في تجارة الممنوعات بالقصر الكبير
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca