الانتخابات شيء والسلاح والحقائق المطلقة شيء آخر

الدار البيضاء اليوم  -

الانتخابات شيء والسلاح والحقائق المطلقة شيء آخر

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

كثيراً ما انشغل الفكر السياسيّ بالسؤال: هل ينبغي أن يُتاح العمل الديمقراطيّ لطرف غير ديمقراطيّ؟
ما يواجه بلداناً كالعراق ولبنان اليوم أشدّ فداحة: هل ينبغي أن يُتاح العمل الديمقراطيّ لطرف يحمل سلاحاً ويستطيع بالقوّة أن يفرض قراره؟
لنقل، بدايةً، إنّ كلمة «ينبغي» هنا قليلة المعنى، لأنّ وجود السلاح هو الذي يحدّد ما الذي «ينبغي» أو «لا ينبغي». مَن يرعون العمليّة الديمقراطيّة ويتقيّدون بقواعدها لا يملكون حيال ذلك ما يفعلونه.
في أكتوبر (تشرين الأوّل) الماضي، وكما نعلم جميعاً، أجريت انتخابات في العراق جاءت نتيجتها في غير صالح القوى المسلّحة الموالية لإيران. أعمال الشغب الواسع انتشرت انتشار العراضات المسلّحة احتجاجاً على نتائج الانتخابات التي اتّهمها الراسبون فيها بالتزوير. بعدذاك صدر حكم المفوضيّة العليا المستقلّة للانتخابات التي درست الطعون المقدّمة إليها. النتائج لم تتغيّر إلاّ قليلاً جدّاً.
هكذا انتقل الراسبون إلى استهداف بعض الكتل النيابيّة التي فازت، أي «تقدّم» و«عزم» و«الحزب الديمقراطيّ الكردستانيّ»: قنبلة يدويّة على مقرّ الحزب الأخير وقنبلتان على مصرفين في بغداد يملكهما كرد. قنابل أخرى على مقارّ «تقدّم» و«عزم» في العاصمة وعبوة ناسفة على منزل ومكتب النائب عبد الكريم عبطان المنتمي إلى «تقدّم».
هذا حتّى الآن. الآتي قد يكون أعظم.
اللبنانيّون الذين قد (؟) يُجرون انتخاباتهم في مايو (أيّار) المقبل، لديهم ما يتذكّرونه وهم يسمعون أخبار العراق: الاغتيالات التي استهدفت نوّاب تكتّل 14 آذار، بعد اغتيال رفيق الحريري في 2005، وذلك لإنقاص أكثريّتهم النيابيّة.
حسن النوايا بـ «الأخوة» في الوطنين اللبنانيّ والعراقيّ لا يمنع من القول إنّهم قليلو الاحترام للعمليّة الديمقراطيّة التي يشاركون فيها، وللبرلمان الذي يتمثّلون فيه.
وجهة نظرهم، هنا، بسيطة: حين نخسر الانتخابات لا نعمل بموجب نتائجها، بل نحتجّ عليها بالقوّة التي نملكها فنقوّض شرعيّتها، أمّا حين نربحها فنجعل التفويض الانتخابيّ الذي نحظى به مطلقاً، لا يحدّه حدّ.
بالطبع فإنّ «حزب الله» اللبنانيّ و«الحشد الشعبيّ» في العراق ليسا مَن أسّس هذه المدرسة، وإن أصبحا من أنجب خرّيجيها. فكما هو معروف يقوم النظام الإيرانيّ، وهو مصدر الاستلهام المباشر للطرفين، على نظام غريب في احتياله على الديمقراطيّة: الوليّ الفقيه غير منتخب، علماً أنّه الشخص الأقوى في النظام: إنّه قائد الجيش والقوى الأمنيّة، وهو مَن يعيّن رئيس السلطة القضائيّة، ونصفَ أعضاء مجلس صيانة الدستور، وخطباءَ المساجد، ورؤساءَ أجهزة الإعلام وشبكاته، كما تشكّل مؤسّساته الرعويّة، التي تبلغ ميزانيّتها عدّة بلايين من الدولارات، جزءاً مرموقاً من الاقتصاد الإيرانيّ.
لكنْ، في المقابل، فإنّ رئيس الجمهوريّة والبرلمان منتخبان. أمّا كيف يكون الانتخاب، فقصّة أخرى: في انتخابات 2009 اعتُقل الفائزون الذين هم من أهل النظام نفسه (مير حسين موسوي ومهدي كرّوبي) إنّما متميّزون قليلاً، وفي انتخابات 2020 لم يُسمح لأكثر من 7000 مرشّح «إصلاحيّ» و«معتدل» بالترشّح. هكذا حقّق المحافظون انتصارات باهرة لم يكن ممكناً ألاّ يحقّقوها.
لكنْ ربّما صحّ القول إنّ التوتاليتاريّات الأوروبيّة، بقادتها ومثقّفيها، ومن مقدّمات مختلفة، هي التي أسّست لاحتقار الديمقراطيّة والبرلمان: هتلر، الذي وصل إلى السلطة في 1933 عبر الانتخابات، عملاً بمبدئه «تدمير الديمقراطيّة بسلاح الديمقراطيّة»، اعتبر أنّ الديمقراطيّة هي «الممرّ الأبله والقذر للبلشفيّة».
وبدوره رأى الزعيم الفاشيّ الإيطاليّ موسوليني أنّ «الشعب لا يعرف ماذا يريد. إنّه لا يعرف ما هو الأفضل له (...) الديمقراطيّة جميلة في النظريّة لكنّها جنون في الممارسة»، فيما الصراع بين الفاشيّة والديمقراطيّة «لا يسمح بتسويات، فإمّا نحن أو هم».
في 1924 نال الحزب الفاشيّ الإيطاليّ وحلفاؤه الأكثريّة في انتخابات عرفت الكثير من التهويل والتعدّيات. لكنّ هذه الانتخابات، التي كانت رافعته إلى السلطة، كانت آخر انتخابات تُجرى حتّى 1946 بعد تحرير إيطاليا. الوسيلة المفضّلة عند موسوليني كانت الانقلاب الذي نفّذه الفاشيّون في 1922 وسمّوه «المسيرة إلى روما». بعد عام واحد كانت محاولة هتلر الانقلابيّة في ميونيخ التي كان مصيرها الفشل، على عكس سابقتها الإيطاليّة. هتلر انتهى سجيناً بعد تلك المغامرة.
قبلهما، كان الزعيم البلشفيّ الروسيّ لينين، المُتيّم بـ «ديكتاتوريّة البروليتاريا»، جزم بأنّ «الديمقراطيّة دولة تُقرّ بإخضاع الأقلّيّة للأغلبيّة، أي أنّها منظّمة للاستخدام المنهجيّ للعنف من قبل طبقة ضدّ طبقة». وكان من أوائل الأفعال التي أقدم عليها بُعيد استيلائه على السلطة حلّ الجمعيّة التأسيسيّة التي كان أشدّ المتحمّسين لإنشائها. وحتّى اليوم لا يزال اللينينيّون كلّما نطقوا شهّروا بالألمانيّ إدوارد برنستين لأنّه قال بإمكان إحداث التغيير عبر البرلمان والانتخابات.
فعند التوتاليتاريّين، قد تكون الانتخابات مفيدة كفرصة لتعبئة المؤيّدين، وللتحريض على الخصوم، ولامتلاك منابر أوسع نطاقاً تتيحها المناسبة، ولأغراض أخرى كثيرة ما عدا كونها وسيلة للتغيير.
فهي نشاط مدنيّ وسياسيّ، وهم عسكريّو العقليّة يرون في العنف طريقهم إلى السلطة، وهي مناسبة لاكتشاف الحقيقة بمعناها النسبيّ، وهم يعرفون الحقّ مسبقاً وفي معزل عن رأي الناس، وهي تعريفاً تقرّ بالآخر والمختلف شريكاً في هذه اللعبة، وهم يتحكّمون بها للاستئثار بالسلطة وتصنيف الآخر عدوّاً، وهي تفترض أنّ السياسة تنبثق منها، وهم يعتبرون أنّ المعركة السياسيّة الفعليّة، وهي بالأحرى حربيّة، تقيم في مكان آخر.
وفي لبنان والعراق، خيضت انتخابات وقد تخاض أخرى مع قوى حربيّة كهذه، قوى تقول إنّها ديمقراطيّة ولا تحتقر شيئاً كما تحتقر الديمقراطيّة. وربّما كان مفهوماً التظاهر بأنّنا نصدّق. المهمّ أن لا نصدّق.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الانتخابات شيء والسلاح والحقائق المطلقة شيء آخر الانتخابات شيء والسلاح والحقائق المطلقة شيء آخر



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 19:15 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 16:52 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الإصابة تحرم الأهلي من رامي ربيعة في مباراة الإسماعيلي

GMT 23:44 2017 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

شمال الأطلنطي يحسم بطولة كأس الجامعات القطرية للرجال

GMT 15:27 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

التصميم المميز للزجاجة والروح الأنثوي سر الفخامة

GMT 08:49 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

أليساندرو سارتوري يسرق الأنظار إلى "زينيا" بابتكاراته

GMT 12:55 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

جزيرة منمبا في زنجبار تتمتع بمناظر طبيعية نادرة ورومانسية

GMT 04:30 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الإبلاغ عن العنف الجنسي يعصف بحياة السيدات في الهند

GMT 02:35 2017 الجمعة ,05 أيار / مايو

سيارة فيراري "275 غب" 1966 معروضة للبيع

GMT 05:29 2016 الأربعاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الصين تفتتح أفخم فندق سبع نجوم بتكلفة 515 مليون دولار

GMT 02:01 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

5 خطوات مميّزة للحصول على درجة علمية عبر الإنترنت
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca