المال مقابل حياد الكربون

الدار البيضاء اليوم  -

المال مقابل حياد الكربون

آمال موسى
بقلم - آمال موسى

يمثل فصل الصيف مناسبة مهمة إضافية لتناول مسألة تغييرات المناخ، إذ إنه الفصل الذي ندرك خلاله أكثر فأكثر ظاهرة ارتفاع درجات الحرارة بشكل يختلف عن فصول الصيف الماضية قبل سنوات. لكل منا ذاكرته وصباه الذي يمكّنه من ملاحظة الفارق، خصوصاً أن ارتفاع الحرارة هو الذي تسبب بدوره في جملة من تغييرات المناخ، كالجفاف وندرة الماء، وهي تغييرات تبلغ درجة الكارثة البيئية.
نعتقد أن الحديث عن تغييرات المناخ يجب أن يكون حديثاً قاراً ومتواصلاً في اللقاءات العلمية وفي وسائل الإعلام، لأن الأمر يتصل بحياة الإنسان ويتعلق بالأخطار على غرار تعميق هشاشة الفقراء وتهديد الحياة بسبب الحرائق والفيضانات والزلازل.
طبعاً التعريف البسيط لما اصطلح على تسميته تغييرات المناخ يحمل المسؤولية ويلقي التهمة أو الجريمة على عاتق الإنسان، باعتبار أن أنشطته هي المتسببة في تغييرات المناخ المهلكة للحياة والمضرة لها.
في مقابل ذلك، فإن الطرح الجدي اليوم لهذه المشكلة لا يغفل مسألة تمويل الأنشطة التي ستحد من تغييرات المناخ. فالقضية مالية جداً. لذلك شغلت قضية تعبئة الموارد المالية مؤتمرات المناخ العالمية مما يعكس الإيمان بأنه لا بد من الإنفاق ومساعدة دول العالم على مقاومة التغييرات لأن أي تقصير سيكون ضحيته كل العالم، والمناخ لا يعترف بالتقسيم الجغرافي للدول.
يتعلق التمويل المناخي بالموارد المالية التي يتعين إنفاقها على مجموعة من الأنشطة التي ستُسهم في إبطاء تغير المناخ وستساعد العالم على بلوغ هدفها المتمثل في الحدّ من ظاهرة الاحتباس الحراري.
ولتحقيق هذا الهدف، يحتاج العالم إلى خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري إلى مستوى الصفر عملياً بحلول عام 2050. وتشمل المبادرات التي يجب تمويلها للوصول إلى الصافي الصفري، تلك التي تقلّص من انبعاثات الغازات الدفيئة، بالإضافة إلى تلك التي تعزز أو تحمي الحلول الطبيعية والتي تلتقط تلك الغازات، مثل الغابات والمحيطات.
يهدف التمويل المناخي أيضاً إلى بناء مُقوّمات صمود السكان الأكثر تضرراً من تغير المناخ وإلى مساعدتهم على التكيف مع الظروف المناخية المتغيرة، وهي تدابير ستساعد بدورها على الحدّ من الاحتباس الحراري.
إنّ العالم ما فتئ يواجه ثلاث حتميات في التعامل مع أزمة المناخ؛ أولاً الوصول إلى حياد الكربون (صفر انبعاثات لغازات الاحتباس الحراري) خلال الثلاثين سنة المقبلة. ثانياً ملاءمة التمويل الدولي لاتفاق باريس، الذي يعتبر خطة العالم للعمل المناخي. ثالثاً تحقيق تقدم كبير في التكيف مع التغير المناخي لحماية العالم، وخاصة الفئات الاجتماعية في وضعية الهشاشة والبلدان الأكثر تضرراً من آثار التغير المناخي.
وفي الحقيقة، فإن العمل المناخي يتطلب استثمارات مالية كبرى، كما هو الحال في تكنولوجيات النجاعة الطاقية والطاقات المتجددة وفي البنى التحتية القادرة على الصمود أمام تأثيرات تغير المناخ. والجدير بالذكر أنّ التقاعس عن العمل المناخي هو أكثر تكلفة من الاستثمار في تركيز مقومات الصمود.
لكن المشكل يتمثل في العديد من الدول النامية التي تفتقر إلى الموارد والتكنولوجيا لتحقيق هذه الأهداف. لهذا السبب اتفقت المجموعة الدولية على أن تتكفل الدول الصّناعية التي تحظى بالأسبقية التكنولوجية وتوفر الموارد من معارف وأموال وخبرات وقدرات على البحث العلمي والتجديد التكنولوجي، بالإيفاء بتعهداتها عن طريق تمويل العمل المناخي في البلدان النامية، ولا سيما الأكثر فقراً وضعفاً، وتعزيز التعاون الدولي للتصدي لتغير المناخ. وكما نعلم فإن البلدان الأكثر فقراً والفئات الأكثر خصاصة في ازدياد، خاصة مع تداعيات جائحة «كوفيد - 19».
وفي هذا الإطار، التزمت البلدان المتقدِّمة منذ سنة 2009 برصد 100 مليار دولار سنوياً بهدف تمويل مكافحة تغيُّر المناخ لصالح البلدان النامية حتى سنة 2020.
ولكن من يتابع واقع برامج الحد من تغييرات المناخ في العالم اليوم يلحظ فارقاً كبيراً بين الخطاب الدولي وواقع تعبئة الموارد المالية للبلدان المحتاجة إلى التمويل لتطبق سياسة الاقتصاد الأخضر، أي أن الجهود التي بذلتها البلدان المتقدمة، لم تبلغ المستوى المطلوب في تعبئة الأموال من أجل التصدي للتغييرات المناخية في البلدان النامية، إذ لم يتعدّ مستوى التمويل في مجال المناخ من طرف البلدان المتقدمة في سنة 2019 مبلغ 79.6 مليار دولار.
ويتساءل المهتمون بقضايا المناخ عن مدى الالتزام بالمبالغ التي نصت عليها الوثيقة النهائية لمؤتمر أديس أبابا حول تمويل التنمية الذي انعقد سنة 2015 في إطار الإعداد لقمة نيويورك حول خطة التنمية المستدامة 2030 والتي أقرّها اتفاق باريس للمناخ عام 2015.
إنّ تمويل المناخ يترجم عزم الحكومات على الوصول إلى صفر انبعاثات بفضل سياسات وخطط وأهداف بأطر زمنية محدّدة بما يضمن الشفافية ويعزّز ثقة قطاع الأعمال لدفع حركة الاستثمار في حياد الكربون.
الفكرة الجديرة بالترويج لها والدفاع عنها هي أن المال الذي لا ننفقه اليوم من أجل محاربة تغييرات المناخ والصمود أمامها سندفع أضعاف أضعافه غداً مالاً وأرواحاً وأوجاعاً.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المال مقابل حياد الكربون المال مقابل حياد الكربون



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 04:11 2016 الخميس ,20 تشرين الأول / أكتوبر

تقنية جديدة تظهر النصِّ المخفي في المخطوطات القديمة

GMT 13:52 2016 الأحد ,20 آذار/ مارس

كريم طبيعي مزيل لرائحة العرق

GMT 08:47 2016 الإثنين ,11 كانون الثاني / يناير

البامية للوقاية من الأمراض المستعصية والاكتئاب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca