أطفال لكنَّهم مهاجرون

الدار البيضاء اليوم  -

أطفال لكنَّهم مهاجرون

آمال موسى
بقلم - آمال موسى

يكتسي الحديث عن الطفولة أهمية مخصوصة وحساسيّة بالغة. فالطفولة تظل رغم كل شيء رمز البدايات والبراءة والهشاشة الطبيعية والمرآة التي نبحث في ثناياها عن الطفل الذي فينا، وما إذا ما زال يرفل فينا أم أنه غادرنا واختفى.
الطفولة باقة من الرموز تستنهض فينا الضمير والإنسانية وأصل الأشياء.
في هذا السياق، فإنه إذا ما عجزنا عن قياس الواقع، وإذا ما سادت الحيرة القدرة على توصيف السلوك والمواقف والأفعال، فإنه يكفي أن نعاين واقع الطفولة في العالم أو تأثير ما يجري من أحداث في الأطفال، حتى نعرف مصداقية التقدم البشري أو استمرارية صراع الإنسانية العنيف.
وفي الحقيقة فإنَّ الضحايا رقم واحد في العالم اليوم هم الأطفال: ضحايا الحروب والتوترات. وأينما يكون التوتر يكون الطفل الموجود في ذلك الفضاء ضحية. ويعلم الجميع انعكاسات الطلاق على الأطفال، وآثار الفقر على الأطفال وكيف يدفع الأطفال فواتير التوزيع الظالم للثروات في بلدان كثيرة، فإن الأطفال هم من يدفع تكلفة الحروب والصراعات بين البلدان، حيث تهدم البيوت وتهاجر العائلات، ويفقد الطفل عائلته وتتقاذفه الأمواج، وهناك من يموت وهناك من يأخذه الموج إلى أرض ليست أرضه، وشعب ليس شعبه.
والمشكلة أن هذه المأساة لا تشمل عدد أصابع اليد، بل إن ملايين الأطفال يئنون من هول الهجرة القسرية، حيث يشهد عدد الأطفال المهاجرين في العالم تضاعفاً مستمرّاً، بلغ بموجبه وفق آخر إحصائيات منظمة «اليونيسيف» لسنة 2020، 63 مليون طفل. ومن أهم مظاهر هذه الهشاشة استغلالهم في كل أشكال العمل غير النظامي سواء في المجال الفلاحي أو الصناعي أو الخدماتي إلى جانب العمل داخل المنازل، في ظل غياب تامّ لأدنى الشروط الضامنة لكرامتهم ولحقوقهم المادية والمعنوية، ولا نبالغ إذا ما قلنا إن ما يتعرَّض له الأطفال الوحيدون المهاجرون في مختلف أنحاء العالم، لا يختلف في شيء عن الاتجار بالأطفال، حيث كل مظاهر الاستغلال بأشكاله المختلفة ثابتة ومؤكدة.
وقد شهدت بلدان كثيرة في السنوات الأخيرة تدفق موجات من المهاجرين الذين بلغوا سن الرشّد والأطفال، ويمثل المغرب العربي إحدى أهم المناطق التي تعرف هذه الظاهرة، حيث نعثر على أطفال فاقدين للوثائق الرسمية المحدّدة لهوياتهم أو أعمارهم أو بلدانهم الأصلية، أو لمستوياتهم التعليمية، ما يعقّد ظروف إقامتهم، ويجعلهم يعيشون مهما كان البلد الذي يجدون أنفسهم فيه، على هامش في وضعيات صعبة للغاية. وتحدد المنظمات الدولية للهجرة الجنسيات الأكثر عرضة لهجرة الأطفال اليوم، حيث إنَّ الغالب على الجنسيات الأكثر تواتراً في صفوف الأطفال، هي تلك المتأتية من دول مالي وغينيا وسيراليون ونيجيريا وكوت ديفوار وتشاد والكاميرون.
ولعل النقطة التي تزيد من عمق المأساة، هو أننا لا نتحدث فقط عن هجرة أطفال في رفقة العائلة، بل إن المشكل الأكبر يكمن في صنف جديد أصبح أكثرَ ظهوراً، وهو هجرة أطفال وحيدين مع كل ما يرمز له هذا التوصيف من وجع، ومن دمار يدفع الطفل ثمنه وحدة واغتراباً متعدد المعاني.
طبعاً بلدان كثيرة قد تبنّت في 10 ديسمبر (كانون الأول) 2018 الميثاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظّمة والنّظاميّة والمعروف بـ«مؤتمر مراكش»، الذي ضبط الأهداف والالتزامات وضمّ عدداً من الإجراءات والتدابير الوقائية للحدّ من العوامل الدافعة للهجرة ومكافحة الاتّجار بالبشر، وحسن إدارة الحدود والقضاء على جميع أشكال التمييز، وتعزيز الخطاب العام المستند إلى الأدلة، من أجل التأثير في التصوّرات العامة عن الهجرة، باتّخاذ أفضل الممارسات والإجراءات والحلول لتسهيل الهجرة النظامية، وتيسير العودة الآمنة والكريمة والتّعاون لتحقيقيها... ولكن رغم التبني المعلن والممضَى عليه، فإن واقع الأطفال المهاجرين بشكل عام ما زال يعرف مشكلات كثيرة.
وللتذكير فإن الميثاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظّمة والنّظاميّة، دعا إلى العمل على بلوغ الأهداف المرسومة التي نصّت عليها الوثيقة التّفاهمية والبرنامج المرسوم للحدّ من هشاشة الأطفال المهاجرين المصحوبين وغير المصحوبين، والرّفع من جودة الخدمات الموجّهة لهم، ودعم العمل التّشاركي لفائدتهم بما يُمكّنُ من تحديد مسارات الوافدين وهويّة الأطفال ويحميهم من المخاطر التي تعترضهم أثناء مسار الهجرة، ويضمن لهم الحقّ في التغذية والصّحّة والتّعليم والحماية من كلّ أشكال الاستغلال.
لا تفوتنا الإشارة إلى أنَّ معالجة مشكلات الأطفال المهاجرين تشترط إلى جانب عناية الدول وتطوير التشريعات والالتزام بمضامين الاتفاقية الدولية حول الطفولة، وكذلك التجسيد التلقائي لمبدأ المصلحة الفضلى للطفل... كل هذا يستوجب أموالاً طائلة لتأمين التعهد.
بمعنى آخر فإنَّ الجهات المتسببة في الحروب وتدفع بالتوتر نحو حدوثها، مطلوب منها من باب تحمل المسؤولية تمويل المجهودات التي ستبذل من أجل معالجة أوضع أطفال قست عليهم الحروب ورمت بهم في مصائر مجهولة. ونظن أن نبرة المنظمات الدولية التي أخذت على عاتقها مهمة الدفاع عن أكثر الفئات هشاشة في العالم اليوم، يجب أن تكون عالية وأن تطالب المسؤولين عن هشاشة الأطفال المهاجرين الوحيدين بالحق في الإفلات من تدمير كامل لطفولتهم.
إن قضية الأطفال المهاجرين تمثل الجزء الأكثر قتامة في ملف المهاجرين غير النظاميين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أطفال لكنَّهم مهاجرون أطفال لكنَّهم مهاجرون



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 19:14 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يبدأ الشهر بالتخلص من بعض الحساسيات والنعرات

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:11 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

تستاء من عدم تجاوب شخص تصبو إليه

GMT 11:31 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

منع جمهور الرجاء من رفع "تيفو" أمام الترجي

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة وصادمة في حادث قتل الطفلة "إخلاص" في ميضار

GMT 06:39 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بيكوربونات الصودا" حل طبيعي للتخفيف من كابوس الشعر الدهني

GMT 00:42 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

تعرف على أبرز صفات "أهل النار"

GMT 15:58 2018 الأحد ,08 إبريل / نيسان

"القرفة" لشعر صحي بلا مشاكل ولعلاج الصلع

GMT 11:49 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

توقيف صاحب ملهى ليلي معروف لإهانته رجل أمن

GMT 11:52 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

"زيت الخردل" لشعر صحي ناعم بلا مشاكل
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca