أيّهما أكثر أهمية: الإنسان أم الاقتصاد؟

الدار البيضاء اليوم  -

أيّهما أكثر أهمية الإنسان أم الاقتصاد

د. آمال موسى
د. آمال موسى

هناك جدل يدور اليوم حول أطروحتين متباينتين بخصوص مسألة ضرورة العودة للحجْر الصحي الشامل على أثر الموجة الثانية القوية لفيروس «كورونا».

ولمّا كان الموضوع يتصل بـ«كورونا» بما يعنيه من خوف ومرض وموت فإن هذا الجدل يسوده التوتر وتبادل الاتهامات، والحال أن مواجهة هذا الفيروس الخطير، تحتاج ككل التحديّات الكبرى إلى الهدوء ووحدة الصف والالتفاف حول الحد الأدنى من المتفق حوله.

في الموجة الأولى الصادمة التي حدثت في مارس (آذار) الماضي لم تتأخر الدول في اللجوء للحجر الصحي العام، ورفعت رهان الدفاع عن حياة الشعوب أولاً من جهة، ورفع سقف أساليب المواجهة الناجحة إلى الأقصى بفرض الحجر الصحي الشامل على التلاميذ والطلبة ومهن عدة من جهة ثانية.

ولعل رد الفعل المشار إليه يعود إلى محاولة تطويق الأزمة، خصوصاً أن كل الأنظمة الحاكمة راهناً في العالم، لم تعرف الأوبئة في العقود الأخيرة ولم تتهيأ له، الأمر الذي جعل الوباء يضر الدولة القوية والضعيفة ويسجل أهدافه الموجعة في البلدان الموصوفة بالمتقدمة والقويّة. أيضاً التركيز على الحرب ضد الوباء في الجولة الأولى قلص من أهمية ما بدأ يروج من شهر مايو (أيار) من أن هناك جولة ثانية للفيروس في الخريف وثالثة، وهو أمر يمكن تفهمه على اعتبار أن التكتيك الذي قامت به تقريباً أغلب دول العالم هو وضع كل الثقل في الجهد والتضحية في الجولة الأولى على أمل ألا تحصل الجولة الثانية للوباء، بل إنّ بلداً مثل تونس، تميز بمعالجة ناجحة للوباء تمثلت في تسجيل حالات قليلة وفي بعض أيام أبريل (نيسان) من دون أي حالة تذكر، ولكن اليوم في الجولة الثانية التي لم يُحسب لها حساب عندما تم أخذ قرار فتح الحدود في بداية الصائفة وعدم الصرامة مع التجمعات خاصة في احتفالات الأعراس... اليوم أصبح عدد المصابين في اليوم الواحد يتجاوز الألف بعد أن كان أقصى ما بلغته في الجولة الأولى هو خمسين إصابة.

الخطاب الرسمي للدول بشكل عام خلال الجولة الأولى للوباء دار تقريباً حول نفس الفكرة: إنقاذ الشعوب حتى لو كان الثمن تكلفة اقتصادية باهظة.

حالياً نحن في ذروة الموجة الثانية والخسائر البشرية لـ«كوفيد - 19» مفجعة وتبعث على الهلع، ولكن خطاب الدول رسمياً باستثناء البعض - إيطاليا مثلاً - عرف تغييراً نوعياً وهو الدفاع عن فكرة التعايش مع الفيروس وعدم العودة للحجر الصحي الشامل. الدولة بعد أن تحملت وزر الوباء في الجولة الأولى مررت الوزر للشعب وتحديداً اختارت الرهان على الوعي والامتثال للبروتوكول الصحي ومواصلة العيش والعمل والدراسة. بمعنى آخر فإن الاستراتيجية المعتمدة في الجولة الثانية هي التعايش مع الوباء وتجاوز سيناريو الحجر الشامل. وهنا نحن أمام أطروحة، ترفض التضحية بالاقتصاد كما حصل في الجولة الأولى من الحرب ضد الوباء. وفي الحقيقة هذا الخطاب تتبناه قطاعات من الشعب، من ذلك أن جمعيات الطفولة في العالم قامت بعمل تقارير ودراسات أثبتت سلبيات ومخاطر الحجر الصحي الشامل على الأطفال وتداعيات توقفهم عن الذهاب للمدرسة، حيث أظهروا بالأرقام والإحصاءات حوادث العنف التي حدثت في البيوت وكان ضحيتها الأطفال، وغير ذلك من الظواهر المقلقة.

في مقابل المدافعين عن فكرة التعايش مع فيروس «كورونا» والعمل وفتح أبواب المدارس للتحصيل العلمي وتحدي الأزمة بالحذر والصلابة والتمسك بدوران عجلة الاقتصاد ولو ببطء كي يعيش الشعب، نجد خطاباً آخر يرى أن الحل أمام تفاقم عدد الإصابات وتجاوزها لما كانت عليه في الجولة الأولى هو الحجر الصحي الشامل لمدة معينة حتى تنخفض الإصابات والحد من سرعة انتقال العدوى وانتشارها، خصوصاً أن تفاقم الأمر سيؤدي حتماً إلى اللجوء إلى الحجر الشامل ولكن بعد أن تتعاظم الخسائر.

ما نلاحظه هو أن فكرة التعايش منطقية باعتبار أن تكلفة توقف الاقتصاد باهظة ومضرة بقوت الشعوب. ولكن التعايش يكون طرحاً مقبولاً عندما تتوفر في الدولة البنية التحتية الصحية اللازمة القادرة على استيعاب الإصابات التي تتجاوز الألف وأكثر في اليوم الواحد. كما أن هذه الفكرة تكون أكثر معقولية وصواباً عندما تكون الدولة قادرة على تأمين التحاليل للجميع مجاناً أو بسعر رمزي يراعي ظروف مختلف الطبقات في الشعب.

ففي تونس مثلاً وضعت الدولة سعراً خاصاً بالتحليل للتأكد من الإصابة أو عدمها يبلغ 200 دينار أي قرابة الثمانين دولاراً أو أكثر بقليل. مع العلم أن سعر التحليل واقعياً وفي المصحات والمخابر قرابة ضعف ما حددته الدولة.

بيت القصيد من هذه التفاصيل التي تختلف من بلد إلى آخر أن تكلفة التعايش مع الفيروس تأتي على حساب المواطن، في حين أن الحجر الصحي الشامل لمدة معينة تدفع تكلفته الدولة والقطاع الخاص.

سؤالنا: من الأهم: الإنسان أم الاقتصاد؟

نعتقد أن لا شيء أكثر أهمية من الإنسان الذي هو صانع الاقتصاد ولا وجود للاقتصاد خارج وجود الإنسان والشعب.

لذلك فإن فكرة التعايش مع الوباء التي تستند إلى مبرر منطقي وهي لتأمين قوت الإنسان ليعيش وينفق، تحتاج إلى إعادة نظر حيث يمكن التعايش ولكن بمشاركة أكبر للدولة كي يستطيع المواطن تحمل تبعات التعايش وتهديداته ومخاطره الحقيقية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أيّهما أكثر أهمية الإنسان أم الاقتصاد أيّهما أكثر أهمية الإنسان أم الاقتصاد



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 12:18 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف لقاءً مهماً أو معاودة لقاء يترك أثراً لديك

GMT 19:14 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يبدأ الشهر بالتخلص من بعض الحساسيات والنعرات

GMT 11:40 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:11 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تجنب الخيبات والارتباك وحافظ على رباطة جأشك

GMT 19:18 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 17:59 2019 الثلاثاء ,23 تموز / يوليو

تستاء من عدم تجاوب شخص تصبو إليه

GMT 11:31 2019 الجمعة ,29 آذار/ مارس

منع جمهور الرجاء من رفع "تيفو" أمام الترجي

GMT 08:41 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة وصادمة في حادث قتل الطفلة "إخلاص" في ميضار

GMT 06:39 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"بيكوربونات الصودا" حل طبيعي للتخفيف من كابوس الشعر الدهني
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca