هذا ما بلغته «الدبلوماســـية العسكرية» الروسية

الدار البيضاء اليوم  -

هذا ما بلغته «الدبلوماســـية العسكرية» الروسية

بقلم : جورج شاهين

 تستقطب موسكو في هذه الأيام نشاطاتٍ سياسيةٍ ودبلوماسية، بعضها معلن، بغية تقييم التطورات التي تلت محطات أساسية شهدتها المنطقة التي عادت اليها بكامل عتادها الحربي والدبلوماسي لتنتصرَ لفريق على آخر ولترفعَ أرقامَ مبيعات أسلحتها. فما دلالة ذلك؟ وهل هو بهدف تنويع مصادر الأسلحة أم من أجل حفظ الإستقرار وضمانه؟

منذ 30 أيلول عام 2015 عندما سجّلت في الأجواء السورية أولى طلعات طائرات السوخوي الروسية المتعددة الإختصاصات للهجوم الأرضي أو الإعتراضية أوالقاذفات المتوسطة المدعومة بشبكة من الدفاعات الجوية والأرضية ومجموعة من طائرات الدعم المروحية وشبكة الـ (S400) إيذاناً بالتدخّل لمصلحة النظام، انطلقت اولى الخطوات العسكرية الروسية الكبيرة سعياً الى قلب الموازين في الأزمة السورية التي كانت قد دخلت سنتها الرابعة بانهيار أجزاء كبيرة من مناطق الدولة امام مدّ المعارضين الذين زرعوا ارجلهم قبل شهر في رأس السمرا في مياه المتوسط على بوابة الحدود التركية - السورية البحرية الشمالية.

لم تهدف العملية الروسية الى إنقاذ النظام فحسب، بل كانت اولى الخطوات المقرَّرة لعودة روسيا الى قلب منطقة الشرق الأوسط بعد عقود من الغربة التي زادتها «البريسترويكا» الروسية التي دعت الى التحرّر والعودة الى روسيا الإتحادية بعد انهيار مجموعة دول الإتحاد السوفياتي.

فرغم كل التوقعات الغربية باستبعاد التورط الروسي العسكري في سوريا ربطاً بما يسمّونه هزالة الإقتصادي الروسي والصعوبات الداخلية التي تواجهها موسكو وحجم العقوبات التي فرضت عليها، أثبت الروس حضورهم في سوريا والمنطقة، وانتقل «القيصر» الروسي من موقع المتفرّج الى موقع موزّع الأدوار والسيناريوهات، ثم منسّقاً اوّل بين مختلف دول المنطقة ماسكا بالعصا من وسطها بين الحلفاء والأعداء.

بهذا المنطق يحدّث الدبلوماسيون والسياسيون الروس زوارهم في موسكو، فلا يتردّدون في التباهي بما تحقّق في سوريا منذ أن نجحوا في تغيير موازين القوى رأساً على عقب. فيسترسلون بالحديث عن الولايات المتحدة الأميركية في اكثر من محطة، وهو ما يعكسونه عند الحديث عن مصير دول الحلف الدولي ضد الإرهاب الذي جمع قياساً على مضمون بيان جدة في 11 ايلول عام 2014 اكثر من 40 دولة على مسرح العمليات العسكرية، لكن ما لبثت أن غادرت بريطانيا الأجواء السورية ومعها فرنسا، وأخلت معظم دول الخليج العربي ولا سيما الإمارات العربية المتحدة والسعودية ومعهما قطر مسرح العمليات، وأبقت مؤسساتها الإجتماعية التي تُعنى بالنازحين داخل سوريا وخارجها.

ولا يتوقف الروس عند هذه المحطات فيتحدثون عن حجم التعاون العسكري بين موسكو ودول المنطقة، وإن باشروا العدّ يتوقفون امام حجم الإتفاقيات العسكرية التي أُبرمت بينهم وبين المملكة العربية السعودية وعلى اكثر من مستوى. فهم عقدوا العزم على بناء مفاعلات نووية فيها ووسّعوا التعاون في اسواق النفط والغاز والصناعات البتروكيماوية.

وعندما يتحدثون عن تركيا يعتبرون انّ إحدى قدمي الرئيس التركي رجب الطيب اردوغان وشيئاً من عقله وقلبه، صارت في موسكو بشكل يتفوّق على ما بقي له في الحلف الأطلسي وواشنطن. فـ «صفقة العصر» بالنسبة اليهم تجلّت بتسليم انقرة أوّلَ شحنة من منظومة الصواريخ الدفاعية المضادة للطائرات اس- 400 الروسية في 12 تموز الماضي، رغم التهديدات المتكرّرة التي وجّهتها واشنطن لعدم إتمام تلك الصفقة.

وهي التي سبق أن منحت تركيا مهلة الى 31 تموز الماضي للاختيار بين هذه المنظومة الروسية أو المقاتلات الأميركية المتطوّرة من نوع (F- 35) التي كانت تنوي شراءها، فكان ردّ فعلها بإبعاد الطيارين الأتراك الى بلادهم.

عند هذه المعطيات يتوقف زوار العاصمة الروسية في الأيام القليلة الماضية ليتابعوا قراءتهم في الدور الروسي المتوقع في المنطقة. فيرون أنه سيكون في ازدياد وتوسّع على المستوى الدبلوماسي والعسكري والتعاون الاقتصادي كما شؤون الطاقة.

مع تعاظم دور ما يُسمى «الدبلوماسية العسكرية». فهي في تنامٍ واضح خاصة مع قناعة الدول العربية بالدور الروسي في المنطقة وتطوّر التفكيرعند بعضها، وخاصة الخليجية منها، بأهمية «تنويع» مصادر التسلّح لديها لتشمل الأسلحة الروسية الى جانب ترسانتها الكبيرة والضخمة من العتاد الأميركي والغربي الإستراتيجي والتكتي. ليس من اجل تعزيز قدراتها العسكرية فحسب انما من اجل حفظ الاستقرار في المنطقة وعدم حصر المهمة بالأميركيين والدول الغربية فقط.

والى هذه العلامات التي تتحدث عن نموّ وتعاظم الوجود الروسي وتأثيراته في المنطقة يرصد الزوّار حجمَ التراجع الأميركي الذي يبدو أنه لم يعد مهتمّاً إلّا باحتواء ايران، ودعم الأكراد والحفاظ على امن إسرائيل واستقرارها. لذلك لا يبدو أنّ أحداً يريد حرباً في الخليج ولا في الشرق الأوسط، ويشيرون الى أنّ تضخيم الحديث عن الاستعدادات للحرب في المنطقة مبالغ فيه او أنه على الأقل للضغط في مجالات المفاوضات السرّية الجارية. فلا إيران قادرة أو تريد حرباً أو تسعى لضرب إسرائيل، ولا إسرائيل ستُفعّل مخططاتها لضرب إيران على الاقل في المدى المنظور، ولا الولايات المتحدة مستعدة لمثل هذه المخاطرة.

وبناءً على ما تقدّم فإنّ ما يعني لبنان من كل هذه القراءة أنه لا يبدو أنّ هناك أيّ بوادر جدّية لعودة اللاجئين إلى سوريا. فالمبادرة الروسية في «الكوما» في ظلّ الوضع الاقتصادي الصعب في الداخل السوري وغياب أيّ اهتمام دولي أو عربي لإعادة الإعمار، أقلّه في الوقت الراهن وفي ظلّ غياب حلٍّ سياسيّ جدّي في سوريا. 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هذا ما بلغته «الدبلوماســـية العسكرية» الروسية هذا ما بلغته «الدبلوماســـية العسكرية» الروسية



GMT 11:31 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

كتب جديدة للقارئ في معرض الشارقة الدولي

GMT 11:26 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

كتب أخرى للقارئ العربي

GMT 05:03 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

دسائس البلاط

GMT 05:01 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

اللبنانيون يأملون.. لكن بخوف وحذر!

GMT 05:00 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

ثورة في لبنان في عهد "حزب الله"

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 17:59 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء محبطة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 02:12 2018 السبت ,07 تموز / يوليو

قطار ينهي حياة شيخ ثمانيني في سيدي العايدي

GMT 10:19 2018 الثلاثاء ,17 إبريل / نيسان

"خلطات فيتامين سي" لشعر جذاب بلا مشاكل

GMT 13:54 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

نصائح مهمة لتجنب الأخطاء عند غسل الشعر

GMT 13:08 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

اختتام فعاليات "ملتقى الشبحة الشبابي الأول " في أملج

GMT 16:52 2015 الثلاثاء ,14 تموز / يوليو

كمبوديا تستخدم الجرذان في البحث عن الألغام

GMT 04:44 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميم مجمع مباني "سيوون سانغا" في عاصمة كوريا الجنوبية

GMT 06:28 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

خبير إتيكيت يقدم نصائحه لرحله ممتعة إلى عالم ديزني

GMT 12:22 2016 الأربعاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل 7 على الأقل في قصف جوي ومدفعي على حي الفردوس في حلب

GMT 04:48 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمير الوليد بن طلال يؤكد بيع أسهمه في "فوكس 21"

GMT 22:13 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

منتخب غانا يهزم نظيره المصري في بطولة الهوكي للسيدات
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca