هل من سيناريو لحماية التسوية؟

الدار البيضاء اليوم  -

هل من سيناريو لحماية التسوية

بقلم : جورج شاهين

 أيّاً كانت النتائج التي ستفضي اليها ورشة الإتصالات، التي أحيتها عودة رئيس الحكومة سعد الحريري من الخارج، فإن كثيرين يعتقدون أن ليس هناك مَن هو قادر على الخروج من التسوية السياسية أو يهددها، وهي التي قادت العماد ميشال عون الى قصر بعبدا والحريري الى السراي الحكومي، وقدمت الهامش الواسع، الذي يتمتع به «حزب الله». وعليه هل من سيناريو لحمايتها؟ وما هي كلفته؟

يعترف أحد أبرز أطراف التسوية السياسية أنها ليست المرة الأولى، التي تهتزّ فيها منذ أن تحوّلت امراً واقعاً بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. فقد عَبَرت في السنتين الماضيتين أكثرَ من استحقاق ومطبّ، وتجاوزت عمليات الترميم، التي أُجري لها معظم المفاعيل السلبية، التي هدّدتها على رغم من أنّ بعضها أقفل على زغل، وبقي جمراً تحت الرماد.

وعليه، فإنّ ما يهدّد هذه التسوية اليوم من أحداث متسارعة لم يصل الى الأسس، التي بُنيت عليها. لكنّ ما أقلق رعاتها هو أنّ ما أصابها من عورات كان شاملاً وواسعاً على اكثر من مستوى. فباعتراف أحد أطرافها، أنها لم يسبق لها أن دخلت حقلاً واسعاً من الألغام، التي انفجرت مجموعة منها في وجوهها المالية والإقتصادية والإجتماعية والأمنية والإدارية والقضائية دفعة واحدة.

وعلى هذه الخلفيات يعترف أحد الإطفائيين، الذي عمل طوال الفترة الماضية لحماية هذه التسوية أنه فَقَد القدرة على تطويق ذيول الأحداث الأخيرة، فنمت المطبّات أمامه ولم تَطوِ أيّ منها سابقاتها. ويرفض كلّ وجوه الشبه بين ما حدث اليوم وبعض المحطات السابقة، معتبراً أن أخطرها كان عقب إعلان الحريري استقالته من الرياض، والتي كان يمكن أن تشكّل خطراً مباشراً أكبر ممّا قدر اليوم، والسبب في إبعاد وجوه الشبه يعود الى الرعاية الإقليمية والدولية، التي حظيت بها تلك الأزمة، وأدت بخطواتها المتسارعة الى وضع حدٍ لها قبل أن تتطور الأمور الى ما هو أسوأ.

ولذلك فإنّ ما تتعرض له التسوية اليوم كان وسيبقى خارج الرعاية الدولية، فكلّ ما جرى في الأمن والسياسة والقضاء والإدارة لم يشغل بالَ أيّ من رعاتها الدوليين والإقليميين، ولم يحتسب لها أيّ من ممثليهم في لبنان والخارج أيَّ أهمية. فممثلو المجتمع الدولي كانوا على إقتناع تامٍ أنّ «الجدل البيزنطي»، الذي رافق إقرار الموازنة في مجلس الوزراء والمناوشات بين فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي وبعض القضاء، لا يعدو كونه وجهاً من وجوه النزاع الداخلي بما يحمله من مزايدات محلية عبّر من خلالها البعض عن النية بتعزيز موقعه الداخلي، من دون أن تكون له أيّ مفاعيل تمسّ أو تهدّد ما تحقق الى الآن، من حماية للأمن والإستقرار وترسيخ الهدوء في لبنان، لإبقائه بعيداً من ساحات التوتر في المنطقة.

ولذلك بقيت كل المخارج المطروحة لتجاوز الأزمة من صنع محلي، ونجحت القيادات الأمنية والعسكرية في تطويق ذيول الأحداث المتتالية قبل حادثة طرابلس وبعدها، لمنع تكرار التجربة، التي شهدتها المدينة في مناطق أخرى من لبنان. والمقصود بذلك ما أجراه القادة الأمنيون من اتصالات داخلية نصحت المسؤولين بضرورة وقف الشحن المذهبي، الذي قاده وزراء ونواب تلميحاً وتصريحاً وإحياءً لملفات اعتقد البعض أنها طُويت سابقاً.

وعلى رغم من الإصرار على عدم الدخول في تفاصيل الإجراءات غير المرئيّة، التي اتخذتها القيادات العسكرية والأمنية، فقد تبادلت مراجع في نطاق ضيّق مضمون الرسائل، التي وجّهتها الى معظم السياسيين المعنيين بالتطورات الأخيرة والمؤثرين في مجراها. فكانت دعوة صريحة الى ضرورة التحرك لوضح حدٍ فوري للتدهور المحتمل في بعض المناطق الحساسة، وأظهرت المراقبة الدقيقة تململاً شعبياً ومحاولات للتحرك بنحو كان يمكن أن يؤدي الى توتر غير مرغوب به في أيّ وقت، فكيف في هذه المرحلة تحديداً، خصوصاً أنّ أبطال المواجهة ليسوا من خارج دائرة الحكم والحكومة المعنيين بتهدئة الوضع وليس إذكاء الفتنة.

ومن هذه الزاوية يمكن قراءة تحرُّك رئيس الجمهورية في اتجاه دار الفتوى لفكفكة فتيل الأزمة، التي تسبّبت بها تصريحات رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل في البقاع، والتي استجرت ردّات الفعل، التي كانت على وشك البروز على الأرض، قبل أن يستوعبها اللقاء، الذي جمع رؤساء الحكومات السابقين في دارة الرئيس تمام سلام، والذي اعتُبر تعويضاً عن غضب الشارع واستدراك الأسوأ. وتزامناً لا يتجاهل المراقبون أهمية نزول القيادات العسكرية على الأرض لتهدئة الخواطر ولجم ردات الفعل، التي كانت متوقعة. فجاءت جولات قائد الجيش العماد جوزف عون على المواقع العسكرية وبيوت الشهداء العسكريين، مناسبةً لتطويق ذيول تصريحات وزير الدفاع في طرابلس ومناطق حدودية، أحيت محطات سابقة طويت. وكان الهدف من كلّ ذلك التأكيد بلسان القادة العسكريين مباشرة أنّ الأمن خط أحمر، لا يمكن أيّ طرف مهما كان حجمه أن يهدّد الحدّ الأدنى ممّا هو مضمون. وما خنق ردات الفعل، التي كان يمكن أن يؤدي اليها اغتيال أحد المشايخ في شبعا، إلّا دليل على قدرة هذه القوى في لجم السياسيين وكل أشكال الحراك الشعبي والمذهبي، الذي كان يعد له البعض وإلزامهم بالضوابط، التي عليهم عدم تجاوزها.

وقياساً على حجم هذه المخاطر ثبت أنّ ما اكّده الحريري في مؤتمره الصحافي، قبل أن يلتقي رئيس الجمهورية كان من باب الخطوات الإستيعابية لمنع أيّ تحوّل خطير، أمنياً كان أم سياسياً على أن تحدّد اللقاءات المرتقبة ما يجب استكماله من خطوات لإعادة العجلة الى المؤسسات الدستورية في هدوء وانتظام منعاً لتكرار أيّ خلل.

وفي المحصِّلة فإنّ التسوية السياسية القائمة ما زالت حاجة للجميع توفر لكل منهم ما يريده من هامش للحركة، أيّاً كانت كلفتها على الجميع في انتظار جولة جديدة بين أهل الحل والربط. فالإستراتيجيات الكبرى مختلفة وما تعيشه البلاد اليوم لا يعدو كونه نوعاً من التعايش المفروض وسط عدم قدرة أيِّ طرفٍ على حسم الأمور لمصلحته، الى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، فـ «الجميع ينتظر الجميع وعلى كل المفترقات».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل من سيناريو لحماية التسوية هل من سيناريو لحماية التسوية



GMT 11:31 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

كتب جديدة للقارئ في معرض الشارقة الدولي

GMT 11:26 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

كتب أخرى للقارئ العربي

GMT 05:03 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

دسائس البلاط

GMT 05:01 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

اللبنانيون يأملون.. لكن بخوف وحذر!

GMT 05:00 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

ثورة في لبنان في عهد "حزب الله"

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 12:41 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس فتتأثر بمشاعر المحيطين بك

GMT 09:52 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

أمطار صيفية تعزل دواوير ضواحي تارودانت

GMT 07:59 2018 الأحد ,15 تموز / يوليو

"بورش" تحتفل بالذكرى الـ70 لسيارتها الأولى

GMT 16:15 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

سامح حسين يكشف عن الأفيش الأول لـ"الرجل الأخطر"

GMT 08:36 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

النفط ينخفض مع تهديد الصين برسوم جمركية على الخام

GMT 05:34 2018 الإثنين ,11 حزيران / يونيو

تعرف على أبرز علامات ظهور "ليلة القدر"

GMT 23:49 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

الليمون الحل النهائي للقضاء على "قشرة الشعر"

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca