مخاطر موكب انتصار بوتين

الدار البيضاء اليوم  -

مخاطر موكب انتصار بوتين

أمير طاهري
بقلم : أمير طاهري

ماذا تفعل عندما تدعو لموكب النصر من دون نصر تحتفل به؟
هذا هو السؤال الذي يواجهه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الوقت الذي يستعد فيه فصيله السياسي لإطلاق عرض ضخم في الشارع في موسكو مع النسور القيصرية ذات الحلقات التي تحمل شعار فولوديا.
والإجابة أن بوتين من المرجح أن يواصل الاستعراض يوم 9 مايو (أيار) ويبتكر لنفسه نصراً يحتفل به. حتى إن رئيس الوزراء المجري فيكتور أوروبان، النصير القديم لبوتين، يزعم أن الرئيس فلاديمير سوف يعلن النصر في حربه ضد أوكرانيا بالتناغم مع تكتيكات التلاعب والتراجع للوراء للتحضير للخطوتين التاليتين إلى الأمام.
سنعرف قريباً ما إذا كان تنبؤ أوروبان ليس سوى تفكير مبني على التمني. وبدلاً عن الإشارة إلى نهاية الأعمال العدائية، قد يعلن بوتين توسيع نطاق الحرب التي خرجت عن سيطرته.
لكن هناك أمراً واحداً واضحاً؛ استخدم بوتين الانتصارات الجزئية أو غير الحقيقية من قبل للتمويه على الانسحابات التكتيكية. وقد فعل ذلك سنة 2008 بعد غزو جورجيا، وضم أوسيتيا الجنوبية، وأبخازيا، ثم كرر هذا التكتيك سنة 2014 بعد اجتياح أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم.
لكن هذه المرة، قد يجد بوتين تكتيكه القائم على التراجع أكثر إشكالاً عن ذي قبل. عندما اجتاح أوكرانيا مرة أخرى ارتكب خطأين كبيرين؛ أولاً حدد لنفسه هدف اجتياح أوكرانيا وإعادة تشكيلها بأسرها كدولة تابعة، إن لم تكن مجرد إقليم تابع لروسيا الأم. ثانياً، روّج لاجتياحه باعتباره ضرورة دفاعية في مواجهة «المتآمرين» الغربيين الذين يحاولون تقسيم روسيا إلى عدة دويلات صغيرة.
أسفر الاجتياح عن تصعيد غير متوقع للروابط السياسية والعسكرية المتهاوية بين القوى الغربية، وأثار شهيتهم لتغيير النظام في موسكو، الأمر الذي كان الكثير، وربما أغلبهم، يتجنبون الحديث عنه قبل أن يشرع بوتين في قصف كييف بصواريخه.
وبالتالي، إن أعلن بوتين انتصاره، إيذاناً بانتهاء الأعمال العسكرية، على الأقل في الوقت الراهن، فليس هناك من تأكيد بأن القوى الغربية سوف تتخلى ببساطة عن أهدافها الحربية المعلنة، وربما المتناقضة، أحياناً. دعا الرئيس الأميركي جو بايدن علناً إلى إنهاء سيطرة بوتين على روسيا. وتقول وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس إن الهدف الغربي هو إضعاف روسيا حتى لا تستطيع اجتياح بلد آخر مجدداً. ويقول وزير المالية والاقتصاد الفرنسي برونو لومير إن الهدف من الحرب «إضعاف الاقتصاد الروسي». ويتحدث مسؤولون كبار آخرون عن تقديم بوتين وزمرته المقربة إلى العدالة بتهمة الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، وجرائم ضد الإنسانية. وطلبت الحكومة البريطانية بالفعل من إحدى اللجان البدء في العمل على تنفيذ هذا المخطط.
قبل بضعة أشهر فقط، كان الحديث في العواصم الغربية عن وقف محتمل لإطلاق النار، تعقبه مفاوضات لوضع حد فوري للأعمال العدائية كأولوية. ولكن هذه الأولوية تلاشت الآن لتتحول إلى ضباب دبلوماسي مع تنافس زعماء الغرب فيما بينهم على تزويد أوكرانيا بمزيد من الأسلحة وفرض مزيد من العقوبات على روسيا، المنافسة التي من المحتم أن تزيد من أمد الحرب بدلاً من تقصيرها.
المشكلة أنه رغم أن تغيير النظام في موسكو يبدو وكأنه الهدف النهائي لدى زعماء الغرب، فإن أياً من هذه الحكومات لم تحدد استراتيجية ذات مصداقية لتحقيق هذه الغاية... وقد يكون هذا راجعاً إلى الرغبة في استخدام الغموض الدبلوماسي كسلاح سياسي ضد بوتين. لكن تأثيره الجانبي قد يكون إطالة أمد الحرب التي لا يمكنها أن تحقق نصراً ثابتاً لأي من الجانبين.
أشار خطاب رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى البرلمان الأوكراني مؤخراً إلى ارتباك مقلق في دوائر صنع السياسات الغربية التي يبدو أنها عاجزة عن التعامل مع الحاجة إلى إنهاء الحرب وضرورة تغيير النظام في موسكو كقضيتين منفصلتين، على الرغم من ارتباطهما الواضح.
حرمان بوتين من الخروج من الحفرة التي حفرها بنفسه، ربما يطيل أمد الحرب والمأساة الإنسانية التي خلقتها. وسواء شئنا أم أبينا، فإن بوتين لا يزال قادراً على استخدام عدم نجاح خططه في أوكرانيا كدعامة في سرديات النصر الوهمي، ومن ثم إطالة أمد مكوثه في السلطة.
مع ذلك، وبالتركيز على الحاجة إلى إنهاء الحرب في أسرع وقت ممكن، حتى لو كان ذلك قد ينقذ وجه بوتين، فإن ذلك سيتركه مع آلة عسكرية منهكة، واقتصاد وطني شبه مشلول، وكبرياء ذاتية ذات انتفاخ منقوص. وهذا لا يعني تخلي الرجال عن تغيير النظام كهدف استراتيجي. من الواضح أن روسيا، من دون إغلاق باب بوتين، لن تتمكن من العودة إلى الأسرة الدولية للأمم بوصفها عضواً طبيعياً يلتزم على الأقل ببعض القواعد... وفي الوقت نفسه ليس إذلال روسيا أو سحقها.
لقد شهدنا معضلات مماثلة من قبل؛ إذ طوال تسعينات القرن الماضي، زعم بعض المحللين الغربيين أن العراق في ظل حكم صدام حسين كان يشكل تهديداً دائماً للأمن الإقليمي حتى السلام العالمي، وأن تغيير النظام في بغداد يجب أن يُعامل كأولوية. لكن بمجرد أن أشعل صدام حرب الكويت أصبحت الأولوية هي إنهاء الحرب والاحتلال العراقي. ثم هبط تغيير النظام إلى مرتبة أدنى لكن لم ينسه أحد، بل لقد تحقق ذلك بعد أن خسر صدام حسين - بسبب إدارته العنفوانية للبؤس باعتباره أسلوباً للحياة - قسماً كبيراً من ناخبيه في الداخل. وعندما حان الوقت لتغيير النظام، حتى الحرس الرئاسي التابع له ذهب بلا رجعة.
في يوغوسلافيا السابقة أيضاً، أرجئ تغيير النظام كأولوية لصالح إنهاء الحرب الصربية ضد البوسنة والهرسك وكوسوفو. وبسطت إدارة كلينتون السجادة الحمراء أمام سلوبودان ميلوسيفيتش، المعروف بجزار بلغراد، حتى إنها عرضت عليه نوعاً من الانتصار على طبق دبلوماسي في دايتون. لكن في نهاية المطاف، كان من الواضح للجميع أنه لا يمكن إنهاء الحروب في البلقان من دون إرسال ميلوسيفيتش وشركائه إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.
مثل صدام حسين وميلوسيفيتش، يحلم بوتين بإحاطة روسيا ببلدان ذات أنظمة تشبه نظامه الحاكم، متجاهلاً حقيقة، مفادها أن الواقع كان يتطور في الاتجاه المعاكس مع روسيا أو العراق أو صربيا، وينتهي بها الحال إلى التشابه بين المجال الجيوسياسي الثقافي حيث يحدد مصائرهم القدر أو مجريات التاريخ. فقد اجتاح بوتين أوكرانيا للحيلولة دون تحولها إلى دولة أوروبية، من دون أن يدرك أن روسيا ذاتها سوف تضطر في نهاية المطاف إلى دفن أحلامها السلافية وتبني استراتيجية «التغريب» التي يدعمها شركاء غير محتملين في حلم مثل بطرس الأكبر، وألكسندر هيرزن، وتورغينيف، وبيلينسكي.
وعليه، فإذا كان استعراض بوتين قد يشكل مقدمة للسلام، فلا أحد، حتى فولوديمير زيلينسكي، الذي وصفه القيصر بوتين نفسه بأنه «بهلوان»، إن لم يكن مهرجاً، يستطيع محاولة إفساد متعته الموهومة.
ويثير الفضول المرء أن يرى ما إذا كان «حرف زد»، رمز انتصار بوتين، سوف يظهر في موكب النصر أم أن القيصر بوتين سوف يتذكر عبارة شكسبير المشاغبة: «حرف زد الأخير الذي لا معنى له»!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مخاطر موكب انتصار بوتين مخاطر موكب انتصار بوتين



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 19:53 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 08:23 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:03 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 18:00 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تشعر بالانسجام مع نفسك ومع محيطك المهني

GMT 15:27 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

توقيف فتاة كانت بصحبة شاب على متن سيارة في أغادير

GMT 03:00 2017 الإثنين ,02 كانون الثاني / يناير

أنطوان واتو يجسّد قيم السعادة في لوحاته الفنيّة

GMT 18:55 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تمرّ بيوم من الأحداث المهمة التي تضطرك إلى الصبر

GMT 20:15 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

افتتاح المهرجان الدولي لمسرح الطفل في رومانيا

GMT 12:01 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

وجهات منازل رائعة استوحي منها ما يناسبك

GMT 09:29 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

أفكار مختلفة لترتيب حقيبة سفركِ لشهر العسل

GMT 08:44 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منظمة "ميس أميركا" ترفع الحد الأقصى لسنّ المتسابقات

GMT 09:08 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

أفضل الطرق لتنسيق تنورة الميدي مع ملابسك في الشتاء

GMT 14:11 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

جمعية خيرية تنظيم حملة للتبرع بالدم في تاوريرت

GMT 09:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيقاف وسيط في تجارة الممنوعات بالقصر الكبير

GMT 04:03 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

صدور كتاب تربوي جديد للدكتور جميل حمداوي

GMT 13:41 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ليلى أحمد زاهر تهنئ هبة مجدي بخطوبتها
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca