سعد الحريري ورفض الأمر الواقع

الدار البيضاء اليوم  -

سعد الحريري ورفض الأمر الواقع

بقلم : خيرالله خيرالله

كان لا بدّ لسعد الحريري رئيس مجلس الوزراء في لبنان من وضع الأمور في نصابها وتأكيد أن ثمّة حدودا للسماجة من جهة، وللتمادي في اعتبار لبنان مستعمرة إيرانية من جهة أخرى. ليس كلام وزير الخارجية ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل عن “عمالة سعودية في لبنان” سوى سماجة، في أحسن الأحوال وفي حال افتراض حسن النيّة لديه.

هل الهدف من هذا النوع من الكلام الإساءة إلى المملكة العربية السعودية التي باشر مواطنوها في العودة إلى لبنان من أجل السياحة وإن كانت هذه العودة ما زالت خجولة إلى حدّ ما… أمّ أن الهدف إطلاق كلام شعبوي يثير الغرائز البدائية لدى بعض المسيحيين الذين لا يريدون تعلّم شيء من تجارب الماضي القريب، ومن الأسباب التي أدت إلى وصولهم إلى وصلوا إليه. أي إلى وضع يعتقدون فيه أن في استطاعتهم تحصيل حقوقهم من المسلمين بفضل سلاح “حزب الله”!

الأهمّ بكثير من “زلات لسان” جبران باسيل، على حد تعبير الحريري، يبقى موقع لبنان. هل لبنان بلد عربي أم جرم يدور في الفلك الإيراني؟ هنا كان رئيس مجلس الوزراء واضحا عندما أكّد أنّ لبنان بلد عربي، وأنّ ذلك وارد في الدستور، بل في السطر الأول فيه، وأنّه حضر القمتين العربية والإسلامية في مكّة ووافق على القرارات الصادرة عن القمتين والتي تدين إيران “باسم لبنان”، مشددا على أن “علاقاتنا العربية غير خاضعة لمزاج البعض”. ليس سرّا أن هذا الكلام موجّه إلى الأمين العام لـ”حزب الله”، حسن نصرالله، الذي اعترض على الموقف اللبناني في القمتين العربية والإسلامية معتبرا أن الحريري لا يمثّل لبنان. كيف لا يمثل رئيس مجلس الوزراء اللبناني لبنان عندما يكون في القمتين على رأس الوفد اللبناني؟ هل يمثل لبنان رئيس حزب ليس سوى ميليشيا مذهبية تشكّل لواء في “الحرس الثوري” الإيراني؟

كان ما قاله سعد الحريري في مؤتمره الصحافي تعبيرا عن رغبة في رفض الأمر الواقع الذي يسعى “حزب الله” إلى فرضه على البلد بطريقة أو بأخرى، بسلاحه غير الشرعي أوّلا وأخيرا. كان لا بدّ من وضع اللبنانيين أمام مسؤولياتهم في هذا الظرف بالذات حيث لا مجال للاستخفاف بخطورة الوضعين الاقتصادي والإقليمي. لم يسبق للبنانيين في عزّ الحروب التي مروا بها أن فقدوا الأمل في مستقبل أفضل. يعود فقدان الأمل إلى الاقتصاد الذي يتدهور بسرعة كبيرة. الأمل الوحيد في الحصول على مساعدات هو نتائج مؤتمر “سيدر” الذي انعقد في باريس في نيسان – أبريل 2018.

لا تعني كلمة “سيدر” سوى شراكة بين القطاعين العام والخاص من أجل استنهاض الاقتصاد. هذا ليس ممكنا من دون إصلاحات حقيقية بعيدا عن أيّ نوع من الفساد. لا يمكن تنفيذ كلّ هذه المهمات من دون وجود سلطة سياسية لبنانية ذات هدف واحد، وذات رؤية واضحة بالنسبة إلى المستقبل. المؤسف أنّ كلّ المؤسسات المعنية بمساعدة لبنان في واشنطن، وغير واشنطن، تشكو حاليا من غياب القرار اللبناني الواحد.

 تتحدّث هذه المؤسسات عن جزر لبنانية، أي عن مراكز عدّة للقرار وعن رؤى على تناقض في ما بينها داخل بلد واحد. حتّى فرنسا التي تريد بالفعل مساعدة لبنان والتي كانت وراء انعقاد مؤتمر “سيدر” تطرح تساؤلات في شأن قدرة البلد على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، والتي تشكل شرطا لتمكينه من الحصول على مساعدات في مجالات معيّنة من بينها الكهرباء.

كلّما مرّ يوم، يتبيّن أكثر لماذا اغتيل رفيق الحريري في العام 2005. يتبيّن أن الرجل اغتيل لأنّه كان يمثل الأمل بالنسبة إلى لبنان واللبنانيين. يكفي المرور في أي شارع كان للتأكد من أن هذا الأمل بات مفقودا. لا وجود لأيّ رغبة في إعادة أي شارع إلى شارع طبيعي فيه رصيف طبيعي. تبدو بيروت مهددة أكثر من أيّ وقت بأن تتحول إلى مدينة منكوبة، بعدما بدأت فوضى السير والأرصفة ببلاطها المقتلع تتسلل إلى وسط المدينة التي أعاد رفيق الحريري الحياة إليها.

مفهومة الرغبة في الانتقام من رفيق الحريري ومن فكرة الإنماء والإعمار وإعادة لبنان إلى موقعه على خريطة الشرق الأوسط. فعقدة رفيق الحريري تلازم كثيرين من الذين يرفضون الاعتراف بأنّ مشروعه شكّل المحاولة الوحيدة لإنقاذ لبنان منذ العام 1975. ما ليس مفهوما هو ذلك الإصرار لدى بعض المسيحيين على استعداء العالم العربي وأهل الخليج على وجه التحديد. هذا ما دفع سعد الحريري إلى القول: “لا يجب أن نضع الدول العربية والسعودية في موقع الخصومة مع لبنان. آن لنا أن نفهم أنّ مصالح البلد قبل مصالحنا الخاصة والسياسية، وأن الولاء للبنان يتقدّم على الولاء لأي محور”.

كان المؤتمر الصحافي لسعد الحريري في مكانه، خصوصا أنّه جاء في وقت بلغ الغضب السنّي ذروته. كان مفيدا التذكير بطرابلس حيث ارتكب “داعشي” جريمة في حق قوى الأمن والجيش. كان مفيدا التذكير بمن أدخل الإرهابيين إلى طرابلس. معروف تماما من اخترع “فتح الإسلام” في العام 2007 وكيف أن زعيم هذا التنظيم، ويدعى شاكر العبسي، خرج فجأة من السجون السورية وظهر في مخيّم نهر البارد الذي لا يبعد كثيرا عن طرابلس، المدينة المعروفة تاريخيا باعتدالها وبالعيش المشترك فيها.

ما قد يكون ضروريا هو وضع المؤتمر الصحافي لسعد الحريري في إطار أوسع، هو الإطار الإقليمي. هناك في الوقت الحاضر إشارات تدلّ على أن إيران تعاني فعلا من العقوبات الأميركية. بدأت هذه العقوبات تعطي مفعولها بدليل اعتدائها الأخير على مطار أبها السعودي عن طريق أداتها الحوثية.

يترافق ذلك مع قرب انعقاد الاجتماع الروسي – الأميركي – الإسرائيلي. تكمن أهمّية هذا الاجتماع في أنّه سيناقش الوجود الإيراني في سوريا. هذا الوجود الذي يستهدف تغيير التركيبة الديموغرافية لسوريا، فضلا عن تأكيد أن إيران صارت لاعبا إقليميا موجودا أيضا على البحر المتوسط وعلى تماس مع إسرائيل.

وضع المؤتمر الصحافي الذي عقده سعد الحريري شخصا مثل جبران باسيل في مكانه الصحيح والحقيقي. نجح إلى حد كبير في تأكيد أنّ لبنان ليس “حزب الله”، وأنّ في البلد من لا يزال يقاوم المحاولة الإيرانية لفرض وصاية جديدة عليه. لكنّ المؤتمر الصحافي كان أيضا دعوة إلى التعقل والابتعاد عن أيّ تهوّر.

 يأتي ذلك في وقت يفترض ألّا يمر الكلام الصادر عن جيمس جيفري، المسؤول الأميركي عن الملفّ السوري، مرور الكرام. ففي تصريح حديث له قال جيفري إن من بين الأهداف الأميركية خروج إيران من سوريا ولبنان. للمرّة الأولى، هناك مثل هذه الإشارة الأميركية إلى لبنان الذي يبدو أنّ عليه التنبه إلى وضعه الداخلي أكثر من أيّ وقت.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سعد الحريري ورفض الأمر الواقع سعد الحريري ورفض الأمر الواقع



GMT 11:31 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

كتب جديدة للقارئ في معرض الشارقة الدولي

GMT 11:26 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

كتب أخرى للقارئ العربي

GMT 05:03 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

دسائس البلاط

GMT 05:01 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

اللبنانيون يأملون.. لكن بخوف وحذر!

GMT 05:00 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

ثورة في لبنان في عهد "حزب الله"

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 17:59 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء محبطة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 02:12 2018 السبت ,07 تموز / يوليو

قطار ينهي حياة شيخ ثمانيني في سيدي العايدي

GMT 10:19 2018 الثلاثاء ,17 إبريل / نيسان

"خلطات فيتامين سي" لشعر جذاب بلا مشاكل

GMT 13:54 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

نصائح مهمة لتجنب الأخطاء عند غسل الشعر

GMT 13:08 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

اختتام فعاليات "ملتقى الشبحة الشبابي الأول " في أملج

GMT 16:52 2015 الثلاثاء ,14 تموز / يوليو

كمبوديا تستخدم الجرذان في البحث عن الألغام

GMT 04:44 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميم مجمع مباني "سيوون سانغا" في عاصمة كوريا الجنوبية

GMT 06:28 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

خبير إتيكيت يقدم نصائحه لرحله ممتعة إلى عالم ديزني

GMT 12:22 2016 الأربعاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل 7 على الأقل في قصف جوي ومدفعي على حي الفردوس في حلب

GMT 04:48 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمير الوليد بن طلال يؤكد بيع أسهمه في "فوكس 21"

GMT 22:13 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

منتخب غانا يهزم نظيره المصري في بطولة الهوكي للسيدات
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca