صواريخ مطار بغداد... والتراجع الإيراني

الدار البيضاء اليوم  -

صواريخ مطار بغداد والتراجع الإيراني

خير الله خير الله
بقلم : خيرالله خيرالله

يعطي الهجوم الذي استهدف مطار بغداد بالصواريخ فكرة عن حال التراجع التي تواجه المشروع التوسّعي الإيراني في غير مكان. ليس لدى "الجمهوريّة الاسلاميّة" ما تردّ به على التراجع الذي تعرّض له مشروعها غير التصعيد. تصعّد ايران في كلّ مكان تمتلك فيه ميليشيات مذهبيّة تابعة لها. تتراجع في كلّ مكان باستثناء لبنان حيث لم تعد في حاجة الى تصعيد لفرض هيمنتها. لا يزال لبنان راضخا للاحتلال الإيراني الكامل والشامل. لا مقاومة فيه، الى اشعار آخر، لهذا الاحتلال الذي يقوم على تدمير البلد وافقار شعبه وتهجيره. يضاف الى ذلك، في طبيعة الحال، عزل لبنان عربيّا ودوليّا، خصوصا في مجال قطع علاقته بدول الخليج العربي كلّها.

يمكن الحديث عن نجاح إيراني، ليس بعده نجاح، في تدمير لبنان في ظلّ تواطؤ الثنائي الرئاسي الذي يشكلّه ميشال عون وصهره جبران باسيل مع "حزب الله". ليس الحزب الحاكم في لبنان سوى لواء في "الحرس الثوري" الايراني الذي بات يحتكر السلطة في "الجمهوريّة الاسلاميّة" الايرانيّة.

من المفترض الّا يمنع التغوّل الإيراني في لبنان، وهو تغوّل يعبّر عنه في كلّ مناسبة الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله، من الاعتراف بالواقع. يتمثّل هذا الواقع في انّ ايران تواجه هذه الايّام في انحاء مختلفة من المنطقة نكسات لم يكن متوقعا تعرّضها لها في ضوء الاستثمارات الضخمة في ميادين مختلفة، وهي استثمارات قامت بها، إن في العراق او في سوريا او في اليمن.

ما يؤكّد وجود مقاومة عراقيّة حقيقيّة لـ"الجمهوريّة الاسلاميّة" الايرانية تعطيل ايران الحياة السياسية في البلد الجار منذ اعلان نتائج الانتخابات العراقيّة التي أجريت في تشرين الاوّل – الماضي. شكّل اجراء الانتخابات في موعدها نجاحا كبيرا لحكومة مصطفى الكاظمي وللشخص نفسه.

خسرت الأحزاب الموالية لإيران الانتخابات العراقيّة. حلّ حزب مقتدى الصدر، الباحث عن دور عراقي مستقل عن الدور الإيراني، في الطليعة. لم تترك "الجمهوريّة الاسلاميّة" وسيلة الّا واعتمدتها من اجل وضع العقبات في وجه تطور الحياة السياسيّة العراقية على نحو طبيعي. تفعل ذلك عن طريق منع تشكيل حكومة جديدة يدعمها مقتدى الصدر، على ان تمثّل هذه الحكومة الاكثريّة في مجلس النواب. بالنسبة الى ايران، ليست نتائج الانتخابات مهمّة. المهمّ ما تريده هي في العراق الذي كان بمثابة خاتم في اصبعها عندما كان قاسم سليماني قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري" لا يزال حيّا. كان قاسم سليماني، الذي اغتيل في الثالث من كانون الثاني – يناير 2020 قادرا على فرض رأيه في العراق. كان يستطيع فرض كلّ التسويات بما يناسب اجندته. كان يعرف العراق عن ظهر قلب. كان يعرف خصوصا كلّ الشخصيات العراقيّة ونقاط ضعفها وكيف الضغط على كلّ منها.

ليس ما يشير الى انّ خليفة سليماني، علي قآني، يمتلك مواهب سلفه. لا يعرف العراق بتفاصيله الدقيقة ولا يتقن العربيّة. لكنّ الاهمّ من ذلك كلّه ان ايران نفسها تغيّرت ولم تعد تمتلك تلك القدرة على تنفيذ سياسات كبيرة في المنطقة استنادا الى اجندة خاصة بها. ما تغيّر يتجاوز اغتيال الاميركيين لقاسم سليماني. يعود ما تغيّر، قبل ايّ شيء آخر، الى الفشل الداخلي الإيراني، وهو فشل اقتصادي عمّقته العقوبات الاميركيّة التي كانت ذات تأثير كبير على "الجمهوريّة الاسلاميّة"، شاء اركان النظام فيها ام ابوا...  

تتقدّم الحياة السياسيّة في العراق تقدّم السلحفاة. أمكن انتخاب رئيس لمجلس النواب بصعوبة بعد جلسة سادتها الفوضى لمجلس النواب الجديد. ليس مستبعدا ان تشهد جلسة انتخاب رئيس للجمهوريّة (كردي) تجاذبات بين الحزبين الكرديين الكبيرين. ثمّة احتمال ان يدفع شخص لائق ومحترم مثل برهم صالح ثمن الانحياز الكامل لزعيم الاتحاد الوطني الديموقراطي بافل جلال طالباني الى ايران. يبدو واضحا انّ بافل يسعى الى تكريس الانقسام الكردي – الكردي بما يخدم المصلحة الايرانيّة.

ليست الصواريخ التي اطلقتها ميليشيا عراقيّة تابعة لإيران في اتجاه مطار بغداد سوى تتمة لمحاولة اغتيال مصطفى الكاظمي في تشرين الثاني – نوفمبر الماضي بواسطة طائرات مسيّرة تحمل متفجرات استهدفت منزله. بالنسبة الى ايران، لم يبق لها في العراق سوى الميليشيات المذهبيّة التابعة لها كي تثبت انّها لا تزال موجودة. ترفض "الجمهوريّة الاسلاميّة" الاعتراف بانّها فقدت هيبتها في العراق مثلما فقدت هيبتها في اليمن في ضوء الهزائم الأخيرة التي لحقت بالحوثيين في محافظة شبوة وفي مأرب الآن. تبيّن مع مرور الوقت ومع دخول قوات العمالقة، التي هي في اكثريتها جنوبيّة، على خط المواجهة مع الحوثيين ان هؤلاء ليسوا في منأى عن هزيمة نهائيّة وذلك مهما جندوا أطفالا وغسلوا عقولهم بشعارات من نوع "الموت لاميركا، الموت لاسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام". الأكيد انّه لن يفيد الحوثيين واسيادهم في ايران الرد على هزائم شبوة ومأرب بعدوان على أبوظبي. مثل هذا العدوان ليس اكثر من دليل على عجز عن متابعة المواجهة في ارض المعركة في اليمن وليس خارجه.

في النهاية، لو كان في استطاعة ايران تسويق شيء آخر غير نشر البؤس والدمار والتخلّف، وهذا ما اكتشفه العراقيون، لكانت استطاعت ان تفعل شيئا لنظام بشّار الأسد الاقلّوي الذي يعاني من ازمة اقتصاديّة لم تشهد سوريا مثيلا لها في تاريخها الحديث. الوضع في دمشق أسوأ مما كان عليه عندما كان الثوّار يطوقون العاصمة في العامين 2012 و2013. وقتذاك، اضطر الأسد الابن الى قصف شعبه بالسلاح الكيميائي قبل ان يلجأ الى روسيا كي يبقى مقيما في دمشق بحماية ايرانيّة...

يبقى سؤال أخير. هل تدرك إدارة جو بايدن حقيقة الوضع الداخلي في ايران، ام ستلجأ الى انقاذ النظام الإيراني من الورطة التي أوقع نفسه فيها؟ تبدو الأسابيع القليلة المقبلة حاسمة بالنسبة الى معرفة هل ستهب الإدارة في واشنطن الى نجدة النظام الإيراني من منطلق جهلها بطبيعة هذا النظام ومقدار الأذى الذي الحقه بدول المنطقة واستقرارها، خصوصا بحلفاء الولايات المتحدة!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صواريخ مطار بغداد والتراجع الإيراني صواريخ مطار بغداد والتراجع الإيراني



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 19:15 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 16:52 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الإصابة تحرم الأهلي من رامي ربيعة في مباراة الإسماعيلي

GMT 23:44 2017 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

شمال الأطلنطي يحسم بطولة كأس الجامعات القطرية للرجال

GMT 15:27 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

التصميم المميز للزجاجة والروح الأنثوي سر الفخامة

GMT 08:49 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

أليساندرو سارتوري يسرق الأنظار إلى "زينيا" بابتكاراته

GMT 12:55 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

جزيرة منمبا في زنجبار تتمتع بمناظر طبيعية نادرة ورومانسية

GMT 04:30 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الإبلاغ عن العنف الجنسي يعصف بحياة السيدات في الهند

GMT 02:35 2017 الجمعة ,05 أيار / مايو

سيارة فيراري "275 غب" 1966 معروضة للبيع

GMT 05:29 2016 الأربعاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الصين تفتتح أفخم فندق سبع نجوم بتكلفة 515 مليون دولار

GMT 02:01 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

5 خطوات مميّزة للحصول على درجة علمية عبر الإنترنت
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca