تطبيقُ القرارِ 1559 بنُسختِه الإيرانيّة

الدار البيضاء اليوم  -

تطبيقُ القرارِ 1559 بنُسختِه الإيرانيّة

بقلم : سجعان قزي


الحريري كُــلِّف وحزبُ الله يؤلِّف .

الحماسةُ التي أبداها فريقُ حزبِ الله لتسميةِ سعد الحريري فاقَت تلك التي أبداها الفريقُ الصامِدُ في 14 آذار. 

منذ التسويةِ الرئاسيّةِ، وبخاصّةٍ بعدَ عودتِه من إقامتِه الشّاقةِ في السعوديّة، بات الفريقُ الأوّلُ يَـحسُب الحريري من "أهلِ البيت" ويَحتضِنُه. 

بينما، لو وَجدَ الفريقُ الآخَرُ بديلاً عنه لَما سمّاهُ لأنّه يَعتبرُه صارَ من "الخوارج". وإذا كان الفريقان على حقٍّ، فمنطِقُ الحريري مختلِفٌ عنهما، فهو يراهنُ على خلقِ حالةٍ وطنيّةٍ تتخطّى 8 و 14 آذار داخليًّا، وإيرانَ والسعوديّةَ خارجيًّا. 

لكنَّ تمنّياتِ الحريري في مكانٍ وحساباتِ المحورِ السوريِّ/الإيرانيّ في مكانٍ آخَر: الحريري يُفكّر بمنطقِ التسويةِ والمصالحةِ والمصالح، والآخَرون يفكِّرون بمنطقِ الاستراتيجيّةِ والانتصارِ والاحتواءِ. يريدون "تَـقْريشَ" إنجازاتِـهم العسكريّةِ في السياسة. 

وإذا كانت التسويةُ الرئاسيّةُ الغالِبةُ، والحكومةُ الحاليّةُ المخَيِّبةُ، وقانونُ الانتخاباتِ الهجينُ، وشعبيّـتُه السنيّةُ المتراجِعةُ، واضطرابُ علاقاتِه بحلفائِه، غيرَ كافيةٍ جميعُها لإقناعِ الحريري بذلك، فلا يبدو أنْ ستُوقِظَه نتائجُ الانتخاباتِ النيابيّةِ، وتزكيةُ الرئيسِ بريّ ونائبِه، وإعلانُ حزبِ الله المسبَقُ شكلَ الحكومةِ وبرنامجَها وعددَ وزرائِها وتوزيعَ حقائبِها الأساسيّةِ. 

يَرغَب حزبُ الله بتطبيقِ قواعدَ قانونِ النسبيّةِ النيابيِّ على تشكيلِ الحكومةِ، فيُعتمَدُ الصوتُ التفضيليُّ والحاصِلُ والكُسور ليتَمثّلَ بالمباشَرِ وبغيرِ المباشَر شيعيًّا ووطنيًّا.

من هنا السؤالُ المحوريّ: هل يكون تأليفُ الحكومةِ استكمالًا لإطباقِ المحورِ السوريِّ/الإيرانيّ على الدولةِ اللبنانيّة، إم يكون مُنطَلقًا لوقفِ هذا المسارِ الذي بدأ منذ خضوعِ غالِبيّةِ 14 آذار لشروطِ حزبِ الله في التسويةِ الرئاسيّة؟ 

وبالتالي: هل تُوقِفُ هذه القِوى سياسةَ المهادَنةِ لغاياتٍ مصلحيّةٍ، وتتصدّى لمشروعِ نقلِ لبنانَ من موقِعهِ الطبيعيِّ والتاريخيِّ إلى مواقعَ أخرى ومواقفَ تَنقُضُ مبرِّرَ وجودِه الحرِّ والديمقراطيِّ والميثاقيِّ في هذا الشرق؟

هذا السؤالُ لا يستدرجُ جوابًا، بل سؤالًا آخَر: هل المحورُ السعوديُّ/الأميركيّ يريد لبنانَ جُزءًا تنفيذيًّا من "استراتيجيّةِ الهجومِ" الجديدةِ في المِنطقةِ التي أعلنَها ترامب (الانسحابُ من الاتفاقِ النووي) وفَصَّلها وزيرُ خارجيّتِه بومبيو (الشروطُ الاثنا عشْرة)، أم لا يزال يُفضِّل "توفيرَ" لبنان ريثما تَنضَجُ ظروفُ المواجهةِ فيقطُفُ ثمارَ نجاحِها ـــ إذا نَجحت ـــ عِوض أن يحصُدَ تداعياتِ مخاضِها؟ 

في حالِ زُجَّ لبنانُ في الاستراتيجيّةِ الأميركيّةِ، مسيرةُ تأليفِ الحكومةِ تطولُ ويرافِقها تشنجٌ داخليٌّ. وفي حالِ بقاءِ لبنانَ في المنحَى الإيرانيّ، تُختصر مدّةُ التأليفِ وتَعقُبها أخطارٌ خارجيّةٌ مضاعَفةٌ، وقد بدأت طلائِعُها تلوح، ومعها أحكامُ المحكمةِ اللبنانية.
ثباتُ الرئيسِ الحريري بعدَ الانتخاباتِ في بيئةِ 8 أذار يَشي بأنَّ السعوديّةَ وأميركا وروسيا، بضغطٍ فرنسيٍّ، قَبِلَت بعدمِ زَجِّ لبنانَ الآنَ في الصراعِ المتجدِّدِ وبإبقائِه بعيدًا نسبيًّا عن خطِّ المواجهة، خصوصًا أنَّ تغييرَ موازينِ القِوى في الـمِنطقةِ سيَحصُل من دونِ "جميلة" لبنان، وأنَّ معالجةَ وضعِ حزبِ الله لن تَتمَّ من خلالِ تأزيمِ الوضعِ اللبنانيِّ لأنَّ حلَّه خارجيٌّ. لكنَّ هذا الضوءَ الأخضرَ مُكبَّلٌ بشروطٍ عدّةٍ، من بينِها: ضرورةُ وجودِ توازنٍ سياسيٍّ، لا طائفيٍّ فقط، في الحكومةِ الجديدةِ لتكونَ المعارضةُ ممكنةً مِن الداخل.

الاتكالُ على الدولِ الكبيرةِ مسألةٌ فيها نظَر، فهي تَهتمُّ بالخطوطِ العريضةِ لا بالتفاصيل: يَهُمُّها الرئيسُ لا الرئاسةُ، الانتخاباتُ لا قانونُ الانتخاباتِ، الحكومةُ لا شكلُها، الاستقرارُ لا الاستقلالُ، الأمنُ لا السلامُ، والاتفاقُ لا المبادئ. 

ما أنْ يُنجَزَ استحقاقٌ حتى يَتهافتَ السفراءُ على التهنئة.

 وتزدادُ هذه اللامبالاةُ الدوليّةُ حين تَفقِدُ الدولُ الكبيرةُ ثقتَها بالقادةِ اللبنانيّين ولا تجدُ بينَهم قادرًا على مواكبةِ التحوّلاتِ التاريخيّةِ وملاقاتِـها إلى منتصَفِ الطريقِ كما حَصل سنتَي 1982 و 2005.

واللافتُ، أنَّ حِرصَ الغربِ على تحييدِ لبنانَ يُناسِبُ إيرانَ هذه المرّة. فالاستقرارُ الذي هو ظاهريًّا لمصلحةِ الأمنِ اللبنانيّ، هو عمليًّا لمصلحةِ أمنِ حزبِ الله ومشروعِه السياسيّ. في ظِلّه يَستكمِلُ حزبُ الله سيطرتَه سلميَّا وديمقراطيًّا ودستوريًّا على الشرعيةِ ومفاصلِ الدولةِ اللبنانيّةِ ومؤسّساتِـها ويجعلُ من لبنانَ منارةَ إيران في المتوسّط. 

لقد أصبح الاستقرارُ اللبنانيُّ، بالشكلِ المطبَّق، مُرادِفًا لتآكلِ الكِيانِ اللبنانيِّ وصيغتِه واستقلالِه. باسمِه تجري عمليةُ خطفِ لبنانَ وتغييرِ سجلِّ نفوسِه وصَكِّ مُلكيّتِه. وأيًّا يَكن مضمونُ البيانِ الوزاريّ، في حالِ تألّفت الحكومةُ، الاستقرارُ اللبنانيُ يسودُ على حسابِ كلِّ القراراتِ الدوليّة التي صَدرت بين سنتَي 2004 و 2006، أي من القرارِ 1559 إلى القرار 1701.

والأخطرُ من ذلك، أنّه فيما تعيشُ مِنطقةُ الشرقِ الأوسطِ أجواءً مشابهةً للبنان بعد صدورِ القرارِ الدوليِّ 1559 سنةَ 2004 (أي مرحلةَ ما قبلَ التغيير)، يُطبّقُ لبنانُ اليومَ هذا القرارَ بالمقلوبِ بنُسختِه الإيرانيّة (أي ما قبلَ الانسحابِ السوريّ)، كما طَبّق سنةَ 1990 اتفاقَ الطائف، التي رَعته السعوديّةُ، بنُسختِه السوريّة. وكانَ ما كان...
من يُغيّر هذا المنحى مرّةً أخرى؟ من هي القِوى الباقيةُ بعدُ والقادرةُ على وقفِه؟ في النتيجةِ توجدُ أكثريّةٌ وأقليّةٌ برلمانيّتان وموالاةٌ ومعارضَة. 

فإذا لم تنجح محاولةُ تأليفِ حكومةٍ جامعةٍ (بشروطِ الأكثريّة)، المعارضةُ، وهي أقليّةٌ، غيرُ قادرةٍ على قلبِ الطاولةِ بالوسائلِ الديمقراطيّةِ والامكاناتِ الداخليّة. وبالتالي، إنَّ تعديلَ موازينِ القوى مستحيلٌ من خلالِ التطوّرات اللبنانيّة، لاسيّما في ظلِّ التمَوضعِ الحاليّ لتيارِ المستقبل. المعارضةُ البرلمانيةُ، بوجِهها الوطنيِّ، تَقتصرُ على بعضِ القوى المسيحيّةِ دونَ حليفٍ وازنٍ لدى الطوائف الأخرى لتكونَ معارضتُها فاعلةً وميثاقيّة. 

نَجحت المعارضةُ السلميّةُ لـــ 14 آذار في مطلعِ القرن الحالي، لأنّها كانت وطنيّةً وميثاقيّة (مسيحيّون ومسلمون ودروز)، فيما استعانَت قِوى 8 آذار بالسلاحِ (حربُ 2006، عصيانُ ساحةِ رياض الصلح سنةَ 2007، اجتياحُ غربيِّ بيروت في 7 أيار سنةَ 2008) لتغطيةِ فِقدانِ المكوّنين السُنيِّ والدرزيِّ الوازنين في مكوّناتِها. فعلاً، السلاحُ زينةُ الرجال... أو المعارضة، أحيانًا.

 لذلك، يبقى الرهانُ على رئيسِ الجمهوريّة، ناظمِ المؤسساتِ الدستوريّةِ، ليحميَ التوازنَ اللبنانيَّ في تأليفِ الحكومة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تطبيقُ القرارِ 1559 بنُسختِه الإيرانيّة تطبيقُ القرارِ 1559 بنُسختِه الإيرانيّة



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 17:59 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء محبطة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 02:12 2018 السبت ,07 تموز / يوليو

قطار ينهي حياة شيخ ثمانيني في سيدي العايدي

GMT 10:19 2018 الثلاثاء ,17 إبريل / نيسان

"خلطات فيتامين سي" لشعر جذاب بلا مشاكل

GMT 13:54 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

نصائح مهمة لتجنب الأخطاء عند غسل الشعر

GMT 13:08 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

اختتام فعاليات "ملتقى الشبحة الشبابي الأول " في أملج

GMT 16:52 2015 الثلاثاء ,14 تموز / يوليو

كمبوديا تستخدم الجرذان في البحث عن الألغام

GMT 04:44 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميم مجمع مباني "سيوون سانغا" في عاصمة كوريا الجنوبية

GMT 06:28 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

خبير إتيكيت يقدم نصائحه لرحله ممتعة إلى عالم ديزني

GMT 12:22 2016 الأربعاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل 7 على الأقل في قصف جوي ومدفعي على حي الفردوس في حلب

GMT 04:48 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمير الوليد بن طلال يؤكد بيع أسهمه في "فوكس 21"

GMT 22:13 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

منتخب غانا يهزم نظيره المصري في بطولة الهوكي للسيدات
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca