هل دخلت روسيا حقاً المستنقع الأوكراني؟!

الدار البيضاء اليوم  -

هل دخلت روسيا حقاً المستنقع الأوكراني

راجح الخوري
بقلم - راجح الخوري

عندما حشد القيصر الروسي 250 ألفاً من عديد جيشه على الحدود الأوكرانية، ونقلت الأقمار الصناعية صورة حشد الدبابات والمدرعات الممتد على مسافة 60 كيلومتراً، بدا فعلاً أن الرئيس بوتين مقتنع بأن العملية مجرد نزهة ستنتهي سريعاً بالسيطرة على أوكرانيا، ولهذا وصفها دائماً بأنها «عملية محددة»، مشدداً على أن الروس والأوكرانيين شعب واحد في بلدين!
اليوم يكاد يمر شهر على بدء الاجتياح، وهو ما لم يكن في حساب الرئيس الروسي، الذي خطط عمليته وفق اتجاهين؛ الأول إرسال 400 من عناصر مرتزقة «فاغنر» من ليبيا وسوريا بمن فيهم عناصر من الشيشان إلى القرم، وتسلل مجموعة منهم إلى كييف مهمتها اغتيال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مع أعضاء حكومته، كما زعم اوليكسي دانيلوف، سكرتير مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني، ثانياً بدء الهجوم العسكري، لكن الأوكرانيين عرفوا بخطة وصول عناصر الشيشان إلى كييف فطاردوهم وصفّوهم بعد ثلاث عمليات فاشلة استهدفت زيلينسكي.
بعد بدء الهجوم في 24 الشهر الماضي، اعترف عدد من الجنود الروس الذين وقعوا في الأسر بأنه قيل لهم أنها عملية خمسة إلى سبعة أيام، لكن الأمور تؤكد الآن بعد مضي شهر أن هذه الحسابات كانت خاطئة، وأن الجيش الروسي في أوكرانيا يتعثر في مستنقعات ركام المدن التي يمضي في قصفها وتدميرها على ما يجري تحديداً في ماريوبول التي صارت تشبه لينينغراد.
مؤشرات التعثّر الروسي في أوكرانيا ظهرت باكراً، فبعد أسبوع عقد بوتين اجتماعاً مع مجلس الأمن القومي لبحث العملية، وكان مفاجئاً إعلانه أنه سيتم السماح للمتطوعين الراغبين في القتال دعماً للروس الذهاب إلى أوكرانيا، وفُهم في البداية أن هدف قبول هؤلاء، هو زجهم في القتال داخل المدن لتخفيف وقوع القتلى في الجيش الروسي، رغم أن زعيم الشيشان رمضان قديروف، كان قد أكد أنه يقاتل إلى جانب الروس، وقبل أيام قيل أن روسيا أعدت قوائم بعشرات آلاف المقاتلين من سوريا سجلوا أسماءهم للذهاب إلى أوكرانيا، وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان يوم الثلاثاء الماضي: «في بلد يتراوح فيه راتب الجندي السوري 15 و35 دولاراً، وعدت موسكو المجندين براتب يعادل 1100 دولار»، ومن الواضح أن مهمة هؤلاء قتال الشوارع تخفيفاً لنسبة الإصابات في صفوف الجيش الروسي، الذي يعلن منذ أربعة أسابيع أنه على بُعد 25 كيلومتراً من كييف ولم يتقدم خطوة إلى الأمام، مكتفياً بالقصف المدفعي على المدينة.
الأسبوع الماضي، قالت صحيفة «نيويورك تايمز» إن روسيا طلبت مساعدات عسكرية واقتصادية من الصين لمساعدتها في الحرب والالتفاف على العقوبات الغربية، لكن أهم المؤشرات على أن حسابات القيصر تتعثر، ما ذكرته الأنباء في 12 الجاري من أنه دلالة على غضب الرئيس الروسي المتزايد حيال تعثر عملية الاجتياح، نفّذ عملية تطهير داخلية للجنرالات العسكريين وأفراد المخابرات وأجهزة الأمن ووضع بعضهم في الإقامة الجبرية.
في هذا السياق، أشارت صحيفة «التايمز» البريطانية إلى أنه تم القبض على سيرغي بيسيدا رئيس فرع المخابرات الخارجية في جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، وكذلك على نائبه أناتولي بوليوخ، وأكد هذا الأمر ناشط روسي يدعى فلاديمير أوسيشكين، وقالت «التايمز» إن القبض عليهما يؤكد غضب بوتين المتزايد تجاه أجهزة المخابرات، التي يعتقد أنها قدمت معلومات كاذبة بشأن الوضع في أوكرانيا، ذلك أن بيسيدا هو المسؤول عن جمع المعلومات عن أوكرانيا، وإضافة إلى هذا قال تحليل أجراه «مركز أبحاث دراسة الحرب» في واشنطن إن بوتين أقال ثمانية من كبار قادة الجيش بحجة فشلهم خلال المعارك، وذكرت وسائل إعلام روسية مستقلة أنه تم أيضاً اعتقال أفراد من جهاز الأمن الفيدرالي، وهو الجهة المسؤولة عن إبلاغ الرئيس بوتين بحقائق الوضع السياسي في أوكرانيا، وأنه ربما كان يتصور أن الحرب هناك ستكون مجرد عملية عسكرية بسيطة، ولهذا قيل للجنود الروس أنها مهمة خمسة أيام إلى أسبوع، وفي هذا السياق يقول اندريه سولداتوف، رئيس تحرير موقع «اغنتورا» الاستقصائي الذي يراقب جهاز الأمن الفيدرالي، إن «المشكلة هي أنه من الخطر للغاية على الرؤساء أن يخبروا بوتين بما لا يريد سماعه، وليس من المستغرب أن معلوماتهم التي جمعوها كانت في الواقع جيدة للغاية، لكنهم قدروا أنها لن ترضي القيصر!
وكما حصل في مسألة تلويح بوتين في خطابه الذي سبق الاجتياح بوضع سلاحه النووي في حال تأهب، وهو ما دفع الكرملين بعد أيام إلى التراجع عن هذا التهديد الخطير، يحصل في موضوع المفاوضات بين وفدي روسيا وأوكرانيا، فمنذ البداية كان زيلينسكي يطالب باجتماع بينه وبين بوتين، وقال له ذات يوم «لماذا لا نجتمع؟ أنا لا أعضّ»، لكن الوفد الروسي تمسك بمواقفه ومطالبه بالاعتراف بروسية القرم ونزع سلاح أوكرانيا، وبعد الجولة الرابعة ها هي موسكو تبدي قبولاً مبدئياً بإجراء لقاء بين الرئيسين بوتين وزيلينسكي، وسط توقعات متزايدة بالتوصل إلى حل وسط، ولم يستبعد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف هذا التطور بعد إحراز تقدم جدي برز في المجالين العسكري والإنساني، وبدوره أعرب زيلينسكي، قبل أيام، عن ارتياحه إلى مستوى التقدم، قائلاً إن المفاوضات انتقلت من لغة الإنذارات إلى المسائل التي يمكن التوصل إلى تفاهمات حولها. يوم الخميس الماضي، أعلنت وزارة الدفاع البريطانية في إحاطتها اليومية أن العمليات الروسية متوقفة على كل الجبهات، بعدما أحرزت تقدماً بسيطاً متكبدة خسائر كبيرة، وأن المقاومة الأوكرانية ما زالت قوية وأن معظم المدن الكبرى تحت سيطرتها، في الوقت عينه أفادت تقارير صادرة عن الاستخبارات الأميركية بمقتل سبعة آلاف جندي روسي في الميدان الأوكراني خلال عشرين يوماً، وتقول «نيويورك تايمز» إن هذا الرقم يفوق الخسائر الأميركية على مدى سنوات في العراق وأفغانستان، كما خسر الروس ثلاثة من كبار جنرالاتهم.
عملياً حتى لو كانت هذه الأرقام صحيحة أو مبالغاً فيها، اتهم بوتين الغرب في خطابه الأخير بمحاولة تقسيم روسيا، عبر إثارة صراع أهلي، متحدثاً عن «الطابور الخامس والخونة داخل روسيا»، وأن الشعب الروسي سيكون قادراً على تمييز الوطنيين الحقيقيين عن الحثالة والخونة، وحتى لو كان هذا صحيحاً، فليس الحل مثلاً أن يقول الرئيس الأميركي جو بايدن عن الرئيس الروسي إنه «مجرم حرب»، بل الحل الآن إيجاد مخرج يساعد القيصر على ابتلاع تعثّر حساباته في أوكرانيا للحيلولة دون اندفاعه إلى ما هو أخطر من الاجتياح!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل دخلت روسيا حقاً المستنقع الأوكراني هل دخلت روسيا حقاً المستنقع الأوكراني



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 17:59 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء محبطة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 02:12 2018 السبت ,07 تموز / يوليو

قطار ينهي حياة شيخ ثمانيني في سيدي العايدي

GMT 10:19 2018 الثلاثاء ,17 إبريل / نيسان

"خلطات فيتامين سي" لشعر جذاب بلا مشاكل

GMT 13:54 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

نصائح مهمة لتجنب الأخطاء عند غسل الشعر

GMT 13:08 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

اختتام فعاليات "ملتقى الشبحة الشبابي الأول " في أملج

GMT 16:52 2015 الثلاثاء ,14 تموز / يوليو

كمبوديا تستخدم الجرذان في البحث عن الألغام

GMT 04:44 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميم مجمع مباني "سيوون سانغا" في عاصمة كوريا الجنوبية

GMT 06:28 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

خبير إتيكيت يقدم نصائحه لرحله ممتعة إلى عالم ديزني

GMT 12:22 2016 الأربعاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل 7 على الأقل في قصف جوي ومدفعي على حي الفردوس في حلب

GMT 04:48 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمير الوليد بن طلال يؤكد بيع أسهمه في "فوكس 21"

GMT 22:13 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

منتخب غانا يهزم نظيره المصري في بطولة الهوكي للسيدات
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca