حكومة أم حلبة ملاكمة لبنانية؟

الدار البيضاء اليوم  -

حكومة أم حلبة ملاكمة لبنانية

بقلم - راجح الخوري

فور الإعلان عن الاتفاق على التشكيلة الحكومية الجديدة، التي تم التوصّل إليها في لبنان بعد سبعة أشهر ونيّف من المراوحة في تعقيدات الحصص والأحجام، وصلت الرسالة الأميركية سريعاً إلى بيروت ساخنة وواضحة، لا للقول: «واشنطن حريصة على أن تعمل الحكومة اللبنانية الجديدة معها، فيما يتعلق بالمجالات ذات الاهتمام المشترك»؛ بل لتؤكد أن «القلق يزداد من نفوذ (حزب الله) في لبنان».

على خط موازٍ، كان مجلس الأمن يعقد جلسة لبحث شكوى إسرائيل حول الأنفاق التي قالت إن «حزب الله» شقها في الجنوب، والتي وصفتها الأمم المتحدة بأنها «هجومية عابرة للحدود، وأنها تشكل انتهاكاً للقرار الدولي 1701»، بينما قالت نيكي هيلي، إن «حزب الله» يشكل تهديداً للبنان وإسرائيل وأمن المنطقة، مؤكدة دعم واشنطن للجيش اللبناني كقوة شرعية وحيدة.

هذا الإعلان الأميركي المستعجل، لم يكن مستغرباً لا في الأوساط السياسية اللبنانية ولا في التحليلات التي نشرتها الصحف، وخصوصاً أنه كان من الواضح تماماً بعد الإعلان عن التفاهم على تسوية تنهي الفراغ الحكومي، أن «حزب الله» تمكن من فرض شروطه عبر تعطيل التفاهم على الحكومة، ليخرج رابحاً على أربع جبهات: 

الأولى أنه تعمّد وسط تصاعد العقوبات الأميركية على طهران والتي تطوله، أن يقول للداخل والخارج: «الأمر لي»، فكما سبق أن وقع لبنان في فراغ رئاسي استمر عامين ونصف العام بسبب هذا التعطيل، وقع اليوم في عقدة تشكيل الحكومة لمدة سبعة أشهر، وأثبت أنه العقدة والحلّ!

الثانية أنه تعمّد كسر كلمة الرئيس سعد الحريري، بفرض توزير ممثل عن نواب سُنة «الثامن من آذار»، الذين جمعهم تحت عنوان «اللقاء التشاوري» في اللحظة الأخيرة قبيل إعلان الحكومة، ممتنعاً عن إعطاء أسماء مرشحيه للوزارة ما لم يتمثلوا في الحكومة!

الثالثة أنه حال دون حصول الرئيس عون و«التيار الوطني الحر» على الثلث المعطل داخل الحكومة، من منطلق حسابات ضمنية، تتخوّف من أن يبادر العهد إلى إثارة ما سبق أن تحدث عنه، أي الدعوة إلى وضع الاستراتيجية الدفاعية، التي يفترض أن تدعو إلى حصر السلاح في يد الدولة.

أما الرابعة فهي أنه فرض معادلة جديدة في توازنات السلطة، أي أنه لم يكن ممكناً تشكيل حكومة عبر تعاون الثنائية الرئاسية السنية المارونية؛ بل عبر موافقة ثلاثية تضم الشيعة، مفروضة بحكم الأمر الواقع وفائض السلاح، وهذا يشكّل تهميشاً مؤذياً لروح الدستور اللبناني وقواعده في تشكيل الحكومات؛ لأن التسوية التي اتبعت في صفقة الحكومة، تعاملت مع الرئيس المكلّف سعد الحريري كطرف في اللعبة، لا كحكم يقود عملية التشكيل بالتعاون مع رئيس الجمهورية، كما ينص الدستور!

في أي حال، كان لبنان «على بعد أمتار من الحكومة» كما قال الحريري في لندن قبل أيام، وصار الآن مع حكومة جديدة؛ لكن الأهم هو السؤال: هل باتت الطريق الآن سالكة أمام الدولة اللبنانية وسلطاتها، التي تراوح في الخلافات والتعطيل؟ وهل نحن أمام حكومة متآلفة كما يتمنى الرئيس نبيه بري؟
من الصعب القول إن عجلات الدولة المتوقفة انطلقت، فهناك الآن بعد التفاهم على أسماء الوزراء، عقدة البيان الوزاري وتحديد مضمونه ومندرجاته، التي يفترض أن ترسم خريطة طريق عمل السلطة التنفيذية اللبنانية، على جبهات السياسة والاقتصاد والأمن ومحاربة الفساد، التي اشترطتها الدول المانحة في «مؤتمر سيدر» لحصول لبنان على المساعدات والقروض.

للبيان الوزاري ذكريات مُرّة، ففي سبتمبر (أيلول) من عام 2008 غرقت حكومة فؤاد السنيورة ستة أشهر في نقاش مرير، حول النص الذي يجب اعتماده في الإشارة إلى دور «حزب الله» وعلاقته بالدولة، وتركز الخلاف حينها على اقتراح النائب الراحل نسيب لحود القائل: «إن المقاومة في كنف الدولة»، وهو ما رفضه «حزب الله» بدعم سوري إيراني، واستمر الخلاف وتصاعدت سياسة التعطيل، إلى أن انتهى الأمر إلى إدراج صيغة «الجيش والشعب والمقاومة»، في البيان الوزاري، وربما يكون هذا الآن موضع جدال لسببين: 

أولاً؛ لأن موضوع الأنفاق على الحدود، الذي تثيره إسرائيل اليوم أمام مجلس الأمن، أعاد تسليط الضوء على القرار 1701، الذي يدعو إلى حصرية السلاح في يد الدولة اللبنانية، ويأتي هذا في وقت تتصاعد فيه العقوبات المفروضة على إيران ووكلائها في المنطقة، ومنهم «حزب الله»، والقرار المذكور يحدد مهمة «اليونيفيل» بالتأكيد على القيام بمنع وصول السلاح عبر المعابر البرية والجوية والبحرية، بينما تثير تل أبيب الآن مع واشنطن وموسكو وباريس موضوع استخدام إيران مطار بيروت، لإرسال السلاح إلى «حزب الله».

ثانياً؛ لأن القرار الأممي رقم 2433 الذي صدر في أغسطس (آب)، وجدد لقوات «اليونيفيل»، دعا إلى بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها، وإلى مناقشة الاستراتيجية الدفاعية، على النحو الذي حدده الرئيس عون في 12 مارس (آذار) الماضي، أمام سفراء مجموعة الدول الداعمة للبنان، واعداً يومها بأنه سيشكّل هيئة حوار وطني تباشر العمل على وضع هذه الاستراتيجية بعد تشكيل الحكومة.

فهل يمكن مع كل هذا العودة إلى إدراج نص ثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة» في البيان الوزاري، في وقت تدعو فيه الأمم المتحدة لبنان إلى تحمل مسؤولياته على الحدود، وإلى تدمير الأنفاق، بينما يشكو هو من الخروقات والتعديات الإسرائيلية لأجوائه ومياهه؟

والعقدة الثانية في الشأن السياسي، هي: هل يلتزم لبنان فعلاً سياسة النأي بالنفس التي لم يتم احترامها قط، والتي أدت إلى تقهقر في علاقات لبنان مع الدول الخليجية بعد حملات وإساءات «حزب الله»، وخصوصاً أن هذا يأتي في وقت تتصاعد فيه العقوبات الغربية - الأميركية على طهران وأذرعها العسكرية في المنطقة؟

وماذا ستفعل الحكومة الجديدة حيال موضوع اللاجئين السوريين، التي يميل عون و«حزب الله» إلى التنسيق مباشرة مع النظام السوري لمحاولة حلّها، خلافاً للموقف العربي، ولإصرار المجتمع الدولي على تقديم الحل السياسي في سوريا عليها، وهو الموقف الذي يؤيده الرئيس الحريري وفريق واسع في الحكومة؟
لن أتوقف الآن أمام المسؤوليات الاقتصادية الصعبة، وربما المستحيلة التي تواجه الحكومة، وقد وصلت قبل عشرة أيام فقط إلى قول نبيه بري إن الوضع الاقتصادي أخطر من خطير، ولا عند يأس الهيئات الاقتصادية، التي دعت في ظل تصاعد أزمة التشكيل إلى تحضير ورقة نعي للوضع الاقتصادي في البلاد، ربما لأن الأهم هو طرح السؤال الأساس: كيف ستقوم الحكومة الجديدة بالاستجابة للشروط التي تعهدت بها أمام «مؤتمر سيدر» للحصول على المساعدات والقروض، وخصوصاً عندما يحلّ لبنان في المرتبة الثالثة من البلدان الأكثر فساداً في العالم؟

لماذا هذا السؤال؟

لسبب بسيط وبديهي جداً، وهو أن الحكومة التي ولدت قيصرياً من رحم مجموعة من الخلافات والصراعات، من الصعب أن تتحوّل فريق عمل متعاوناً متفاهماً ومتآلفاً، ينتج استراتيجية دفاعية ينتظرها اللبنانيون ودول العالم، وتضع السلاح في يد الدولة وحدها، ومن الصعب أيضاً أن تستجيب للتحديات الاقتصادية الخانقة، وتبدأ في محاربة الفساد الذي يتغذى من الانقسام السياسي المعطوف على الطائفية والمذهبية!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حكومة أم حلبة ملاكمة لبنانية حكومة أم حلبة ملاكمة لبنانية



GMT 11:31 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

كتب جديدة للقارئ في معرض الشارقة الدولي

GMT 11:26 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

كتب أخرى للقارئ العربي

GMT 05:03 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

دسائس البلاط

GMT 05:01 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

اللبنانيون يأملون.. لكن بخوف وحذر!

GMT 05:00 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

ثورة في لبنان في عهد "حزب الله"

GMT 19:53 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 08:23 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:03 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 18:00 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تشعر بالانسجام مع نفسك ومع محيطك المهني

GMT 15:27 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

توقيف فتاة كانت بصحبة شاب على متن سيارة في أغادير

GMT 03:00 2017 الإثنين ,02 كانون الثاني / يناير

أنطوان واتو يجسّد قيم السعادة في لوحاته الفنيّة

GMT 18:55 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تمرّ بيوم من الأحداث المهمة التي تضطرك إلى الصبر

GMT 20:15 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

افتتاح المهرجان الدولي لمسرح الطفل في رومانيا

GMT 12:01 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

وجهات منازل رائعة استوحي منها ما يناسبك

GMT 09:29 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

أفكار مختلفة لترتيب حقيبة سفركِ لشهر العسل

GMT 08:44 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منظمة "ميس أميركا" ترفع الحد الأقصى لسنّ المتسابقات

GMT 09:08 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

أفضل الطرق لتنسيق تنورة الميدي مع ملابسك في الشتاء

GMT 14:11 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

جمعية خيرية تنظيم حملة للتبرع بالدم في تاوريرت

GMT 09:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيقاف وسيط في تجارة الممنوعات بالقصر الكبير

GMT 04:03 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

صدور كتاب تربوي جديد للدكتور جميل حمداوي

GMT 13:41 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ليلى أحمد زاهر تهنئ هبة مجدي بخطوبتها
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca