أخر الأخبار

مرض مزمن آخر

الدار البيضاء اليوم  -

مرض مزمن آخر

بقلم - لمرابط مبارك

الذين رأوا النور وترعرعوا في درب السلطان مثلي، يعرفون جيدا تلك المدرسة الابتدائية المسماة قيد وجودها “كريط”. كانت لسنين تقف هناك أمام سوق “القريعة” الأسطوري ببنائها المهيب. وكانت تنضح حياة لعقود قبل أن تتحول إلى مأوى للعائلات المنكوبة في فيضانات البيضاء أواسط التسعينيات، الذين سيقضون في حجراتها ذات السقوف العالية ما تيسر من سنوات. ثم صارت أطلالا حزينة يصفر في أورقتها وممراتها الريح، ومطرحا للأزبال، قبل أن يستيقظ سكان الجوار قبل سنوات قليلة على أشغال هدمها وتحويلها إلى أثر بعد عين. هذا باختصار شديد مأساة مدرسة ابتدائية تم إعدامها تربويا، ثم ماديا. وهناك العديد والعديد من الحكايات المماثلة لبنايات تعليمية أخرى في جل المدن المغربية، لا تختلف الواحدة عن الأخرى سوى في تفاصيل بسيطة، بينما يشكو المغاربة، في البيضاء وغيرها، منذ سنوات عديدة من الاكتظاظ في المؤسسات التعليمية العمومية، حتى بات من الأماني المستحيلة العثور على قسم يضم أربعين تلميذا في القسم، رغم أن هذا الرقم يمثل ضعفي المعدل المتعارف عليه داخل دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (21 تلميذا في القسم)، أي الدول التي تعترف حقا بأهمية وحيوية التعليم، وتؤمن بأنه القلب الذي يضخ الدماء السليمة في كل شرايينها.

وكشف المجلس الأعلى للحسابات في المذكرة، التي وجهها هذا الأسبوع إلى وزارة التربية الوطنية، أرقاما مخيفة حقا تبين ما يعمق أمراض التعليم المغربي ويدفعه إلى حافة الشلل، هو سوء التدبير الخطير للقليل المتوفر. مثلا أظهرت المذكرة أن أكثر من ألف مؤسسة تعليمية تعاني من العطالة ولا يستبعد أن ينالها في نهاية المطاف ما حل بمدرسة “كريط”. فتتحول إلى تراب ولا يتبقى منها سوى شجرة مثل تلك النخلة اليتيمة الحزينة وسط ساحة هذه المؤسسة المأسوف عليها، أو بعض الذكريات البعيدة في صدور من ارتادوا مقاعدها ذات زمن بعيد أو قريب.

والقاعات التي تضمها تلك البنايات التعليمية المغلقة تعادل 1360 مؤسسة، بمعدل 12 حجرة في كل واحدة. وهذه الحجرات قادرة على استيعاب أكثر من 650 ألف تلميذ بمعدل 40 فردا في القسم!

ليس هذا فقط، فعلى عكس ما تقول الوزارة وشكواها الدائمة من الخصاص في الأساتذة (قضاة المجلس قالوا إن هذا الخصاص يقدر بـ16700 مدرس)، كشفت هذه الهيئة الرقابية أن هناك فائضا (نعم فائض!) يصل إلى 14 ألف مدرس بسبب سوء الانتشار.

قد يقول قائل إن هذه المدرسة العمومية، ورغم كل هذه الأعطاب مازالت صامدة والدليل أن أعلى المعدلات في الباكالوريا يحصل عليها دوما تلاميذ أو تلميذات التعليم العمومي. ولكن هذا مجرد وهم خادع، مثل ذلك السراب الذي يجعلنا نجري وراءه إلى أن ننهار تماما، بينما يواصل هو بريقه الهازئ والمستفز الذي يخفي عنا (أو يحاول) سوء التدبير، هذا المرض المزمن الذي ينخر التعليم المغربي وقطاعات أخرى كثيرة.

والحال أن سوء التدبير هذا، ليس قدرا إلهيا ينزل بدون سابق إنذار على المجتمع، بل يكون بالقطع ناتجا إما عن الجهل أو اللامبالاة أو غياب الإرادة السياسية. وهذه العناصر كلها – سواء أكانت منفردة أو مجتمعة- من شأنها أن تؤدي إلى انفجار المجتمع وتدميره بالكامل، كما حدث لمدرسة “كريط” المسكينة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مرض مزمن آخر مرض مزمن آخر



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 02:37 2017 الثلاثاء ,02 أيار / مايو

لامباسيد دوفيرن أبرز 10 مطاعم مميّزة في باريس

GMT 17:25 2017 الأربعاء ,07 حزيران / يونيو

مصنع "رونو" في طنجة يصدر أكثر من مليون سيارة

GMT 00:20 2018 السبت ,16 حزيران / يونيو

الديكور التركي صيحة فاخرة لمنزل حديث راقي

GMT 04:25 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

إطلالة مميَّزة لـ"كايا جربر" وبيلا حديد في نيويورك

GMT 11:50 2018 الخميس ,17 أيار / مايو

طفل يلقى حتفه في آبار الموت في إقليم فجيج

GMT 05:39 2018 الخميس ,22 آذار/ مارس

"جبل الطاولة" قمة مسطحة لمغامرة لاتنسى

GMT 02:45 2018 الخميس ,08 شباط / فبراير

عزت العلايلي يكشف عن أعماله الفنية المقبلة

GMT 07:54 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

باحثون صينيون يكتشفون مقبرة "ليو تشونج" شرق الصين

GMT 07:28 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

Hugo Bos تطلق عطرًا مستوحى من روح المرأة القوية

GMT 21:50 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

آسفي تحتضن نصف ماراثونها الدولي الأول الشهر المقبل

GMT 01:14 2017 الجمعة ,22 كانون الأول / ديسمبر

مهرجان تطوان يجهز للدورة ال24 وتعديل جديد في مكتبه الفني
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca