رجل السنة

الدار البيضاء اليوم  -

رجل السنة

رشيد نيني

برحيل المستشار مزيان بلفقيه والمستشار مصطفى الساهل، واليوم زليخة نصري، يكون الديوان الملكي قد فقد ثلاثة من أخلص موظفيه.
وثلاثتهم ظلوا في مهامهم إلى وصول أجلهم، حتى أن زليخة نصري أسلمت الروح وهي تشتغل في مكتبها.
شخصيا لم ألتق بالمستشارة الراحلة، لكنني لن أنسى عندما كنت في السجن، وأسرت لصديقة حقوقية مشتركة قائلة في حقي «عزيز عليا هداك الراجل، ولكن ما بيدي ما ندير ليه».
قليلون يعرفون أن هذه المرأة الصلبة كان أول من اقترحها على القصر صهر الملك الحسن الثاني الوجدي أحمد عصمان، بعدما لوحظ عملها كعضوة في جمعية «أنجاد المغرب الشرقي».
زليخة نصري، التي تنحدر من عائلة معروفة بانخراطها في الحركة الوطنية بالمغرب الشرقي، لها أخت وحيدة وأخوان، ولم تتزوج قط، ما جعل شقيقتها تضع طفلتين لها تحت تربية مستشارة الملك، وصديقتها المقربة هي أمينة بنخضرا، التي لم تتزوج بدورها قط وقررت منح كل وقتها لعملها في مجال رجالي بامتياز هو مجال الطاقة.
لقد كانت المرأة المستشارة الوحيدة بين الرجال المحيطين بالملك، وقد أبانت عن صرامة كبيرة في تنظيم زيارات الملك وتدشيناته، حتى أن الولاة والعمال كانت تصيب بعضهم حالة عسر الهضم بمجرد سماع خبر قدومها نحو أقاليمهم.
لقد أظهرت الوقائع أن النساء في مركز المسؤولية يتفانين أكثر من الرجال ويظهرن قدرة كبيرة على الوفاء.
على الأقل النساء لسن مرتشيات بالقدر الذي عليه بعض الرجال، ويتمتعن بحس المسؤولية ولديهن رغبة دفينة في النجاح وتحقيق ذواتهن. الرجال في السياسة ميالون إلى الكذب والنفاق والانتهازية، وعندما يصبح أحدهم وزيرا فأول شيء يقوم به هو تغيير رقم هاتفه، دون أن ينسى طبعا تغيير زوجته.
وأكثر من وزير عندنا غير زوجته خلال فترة وجوده بالحكومات المتعاقبة، أما الذين غيروا معاطفهم فبلا عدد. قد يقول لي أحدكم إن تغيير المنازل راحة، لكن أن يغير الواحد منا زوجته التي ضحت بشبابها ومالها من أجله وتذوقت معه الحلو والمر بأخرى لم تتذوق معه سوى أطباق الكافيار في المطاعم الراقية، فهذا تصرف يكشف عن احتقار دفين للمرأة.
وتبقى النساء في نظر الكثيرين هن الحاكمات الحقيقيات اللواتي يحركن رجالهن من خلف الستار. وكم من سياسي كبير، في السن طبعا، لا يحرك إصبعه الصغير دون إذن مسبق من زوجته الشابة. وأحمد عصمان يعرف هذا أكثر من غيره.
وفي كثير من البيوت المغربية تبقى المرأة هي مولات الدار الحقيقية. إليها تعود كل القرارات، من لون الستائر إلى شكل العرائس التي سيتزوجها أبناؤها، مرورا بالإشراف المباشر على شؤون «البزطام».
وكم من زوج لا تترك له زوجته من راتبه آخر الشهر سوى ثمن السجائر والقهوة، وإذا كان «مبليا» بالقمار تترك له ثمن سباق كلاب واحد أو سباقين. وهذا من مصلحة بعض الرجال، لأنهم بمجرد ما يتسلمون رواتبهم حتى يذهبوا بها مباشرة إلى البارات ومحلات «الكينو» و«اللوطو» و«طوطو فوت» ليخسروها في الشرب والمراهنة على «الطوكارات» والمباريات.
لعل رئيس الحكومة الذي يفتخر بشعبيته وسط المرأة المغربية، يجهل أن حكومته هي الأقل شعبية في نظر النساء بين كل الحكومات التي مرت. وللتأكد من ذلك يكفي أن يعيد بنكيران الاطلاع على أشرطة الوقفات الاحتجاجية ضد ارتفاع الأسعار التي عرفتها أغلب مدن المملكة.
وسيلاحظ أن أغلب المحتجين هن نساء يحملن علب الحليب ويلوحن بقناني الزيت الفارغة ويرفعن فوق رؤوسهن أرغفة الخبز اليابسة.
فالمرأة المغربية هي المتضررة الأولى من ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية. وأغلب البيوت المغربية تعتبر فيها المرأة هي الآمرة بالصرف. فهي التي تنزل إلى الأسواق وهي التي تفاوض في الأثمان لكي تحافظ على التوازنات المالية للعائلة. وكل عائلة مغربية فيها مزوار «على قد الحال» يتدبر ميزانية الشهر ويحاول جهد المستطاع أن يصل إلى نهايته بأقل الديون الممكنة.
الحمد لله أننا لسنا البلاد الوحيدة التي لا تحتل فيها النساء نسبة كبيرة من مراكز المسؤولية. فبريطانيا بجلالة قدرها اعترفت بأن عشرة بالمائة من النساء فقط لديهن وظائف سلطوية، في الوقت الذي يحتكر الرجال الإنجليز بقية المناصب.
الدراسة في ما أذكر أنجزتها لجنة أطلقت على نفسها لجنة «الفرص المتساوية» وسمتها «الجنس والسلطة… من يدير بريطانيا»، لتخلص في نهاية المطاف إلى أن النساء البريطانيات، ورغم المواهب التي يتوفرن عليها، ما زلن بعيدات عن مراكز القرار.
وحتى في المجتمعات المتحضرة غالبا ما يجد الرجال صعوبة في العمل تحت إشراف امرأة، رغم ما يكتنف هذا العمل من متعة أحيانا لا نجدها في العمل تحت إمرة رجال أجلاف يحولون حياة مستخدميهم إلى جحيم يومي.
ولقد أثبتت التجارب أن المرأة عندما تتحمل مسؤولية تصنع المستحيل لكي تكون في المستوى وأكثر، مدفوعة برغبة فطرية ودفينة في إثبات الذات وخلق جو من الثقة والأمان عند الجهات التي عينتها في هذه المسؤولية.
ولعل أهم شيء ننسى دائما تسجيله للمرأة المغربية التي تتحمل المسؤولية عندنا، هو عدم تسجيل اسم أي امرأة ضمن لوائح المختلسين والمرتشين، حيث توجد فقط أسماء الرجال، أو أنصاف الرجال على الأرجح.
والمرأة، بالإضافة إلى تمتعها بحس المسؤولية لديها أيضا فضيلة ضبط المواعد. ونحن هنا نتحدث عن المرأة في موقع المسؤولية، لأن المرأة في موقع الحب سيئة جدا في مواعدها. تضرب لعشيقها موعدا على الساعة الرابعة مساء لتصل متأخرة بساعتين، ودائما تجد الأعذار الملائمة لتلقي بها إلى «المشلوط» الذي يكون قد احترق من فرط الانتظار.
والنساء، خصوصا الجميلات منهن، والمقصود بالجمال هنا طبعا جمال الروح، يلجأن إلى التأخر في الوصول في الموعد كطريقة ذكية لاختبار الرجل وقدرته على الصبر والتحمل. هذا إذا أتين للموعد أصلا.
ومن بين أوجه الظلم البارزة في حق المرأة تخصيص أغلفة المجلات والصفحات الأولى لكبريات الجرائد للحديث عن رجل السنة. وكأن الحدث لا بد أن يكون مذكرا أو لا يكون. مع العلم أن كل كوارث العام قد يكون تسبب فيها الرجل وليس المرأة، أما النساء فيأتي دورهن غالبا بعد الحرب عندما تحتاجهم الأمة لولادة جيل جديد وتكثير النسل وتربية من تبقى من الناجين وتعهد المعطوبين بالرعاية.
وأعتقد أن على المجلات التي تمنح نهاية كل عام لقب رجل السنة لشخصية طبعت الأحداث، أن تفكر جديا في منح هذا اللقب للمستشارة الراحلة زليخة نصري، أسوة بما كانت قد صنعته مجلة «تيلي راما» الفرنسية عندما خرقت قاعدة رجل السنة ذات عدد واختارت أن تخصص غلافها للمعارضة الإيرانية شيرين عبادي، معتبرة إياها رجل العام.
وشيرين عبادي ليست فقط رجلا وإنما رجلا ونصف، لأنها تملك جرأة التعبير عن مواقفها وآرائها داخل إيران وخارجها. وشخصيا ما أثارني في تصريحات شيرين هو قولها إنها لا تفكر في مغادرة وطنها بسبب آرائها الصريحة لأن الإنسان بنظرها لا يخوض الحرب إلا على أرض المعركة.
ولعل هذه المحامية الجريئة التي تلبس الحجاب داخل إيران احتراما لقوانين بلدها، وتنزعه فور مغادرتها لترابها الوطني احتراما لأفكارها الشخصية، تعطينا صورة أخرى عن ذلك المثقف المعارض الذي يناضل من أجل مبادئه داخل وطنه دون أن ينتظر الحصول على بطاقة الإقامة والجنسية في أوربا، ثم تنطلق عقدة لسانه ويشرع في انتقاد الأوضاع داخل الوطن الذي فر منه مثل أي جرذ يقفز من السفينة قبل أن تغرق.
المستشارة الراحلة زليخة نصري تنحدر من طينة النساء اللواتي شغلن مهمات ذكورية ونجحت في أدائها برجولة نادرة.
وهكذا فالحديث عن المرأة ينتهي بنا إلى الحديث عن الرجل، وقد صدق من قال إن المرأة هي مستقبل الرجل، وحتى قائل هذه الحكمة يجب أن تتابعه الجمعيات النسائية بتهمة عدم المساواة بين الجنسين، لأنه يتحدث فقط عن مستقبل الرجل وينسى الحديث عن مستقبل المرأة، مثلما يجب أن يتابعوا صاحب تلك الحكمة التي تقول إن وراء كل رجل عظيم امرأة… كيف يعني وراءه، ولماذا ليس أمامه مثلا؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رجل السنة رجل السنة



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 11:50 2021 الثلاثاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 11:56 2021 الثلاثاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 13:15 2020 السبت ,16 أيار / مايو

بريشة : هارون

GMT 22:06 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

كيفية التعامل مع الضرب والعض عند الطفل؟

GMT 00:54 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

"المغرب اليوم"يكشف تفاصيل أزمة محمد رشاد ومي حلمي كاملة

GMT 20:23 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مسرحية "ولاد البلد" تعرض في جامعة بني سويف

GMT 22:59 2017 الخميس ,12 تشرين الأول / أكتوبر

إتيكيت تزيين الطاولة للمزيد لتلبية رغبات ضيوفك

GMT 16:49 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

العراق يستلم من إيطاليا تمثال "الثور المجنح" بعد ترميمه رسميًا

GMT 08:07 2017 الأربعاء ,16 آب / أغسطس

شبكات التواصل بين السلبي والإيجابي

GMT 02:07 2017 الأربعاء ,10 أيار / مايو

كواليس عودة " عالم سمسم" على الشاشة في رمضان
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca