طواحين الهواء وحرب العربية: دون كيشوتات اللغة !

الدار البيضاء اليوم  -

طواحين الهواء وحرب العربية دون كيشوتات اللغة

المختار الغزيوي

تروقني الحرب التي يخوضها عدد من الأصدقاء من أجل اللغة العربية. تروقني وتهمني لأنني عاشق لهاته اللغة، وأغترف من معينها دوما وباستمرار لتجويد ما أقترفه من مخطوطات، أجدها دوما وأبدا دون مستوى هاته اللغة العظيمة، التي ولدنا فوجدنا أنفسنا نتلقى تعليمنا بها منذ سنتنا الخامسة، بعد أن وجدنا أنفسنا في وقت سابق نتلقى تعليمنا الحياتي الأول بلغتنا الأم الدارجة المعربة أو الأمازيغية أو الفرنسية أو العبرانية حسب المنطقة والمكان الذي ولدنا فيه والأسر التي أتت بنا إلى هذا المغرب المتعدد الواحد
شيء واحد يغيظني في الحرب التي أراها عادلة ومشروعة، ولابد من قوله للتعبير عن حب هؤلاء الأصدقاء للغتهم العربية، هي الطريقة الاندفاعية التي يتم خوض هاته “الحرب بها”.
اندفاع يقوم على أساس أن هناك لوبيات عدة، ومراكز نفوذ كثيرة تعمل ليل نهار على محاربة العربية، وتشتغل في السر والعلن من أجل ضربها والحد من أثرها بل وقتلها وإقناع الكل أنها لغة ميتة لم يعد لها أي داع في زمننا اليوم.
اندفاع يتوسل بوسائل بعيدة تماما عن جماليات هاته اللغة الرائعة، وعن الدفاع الأدبي واللغوي والحضاري عنه، ويمكن أن تسمع في إطاره الشيء ونقيضه من اتهام أوساط رسمية بأنها تشن هاته الحرب على اللغة، مرورا باتهام التلفزيون ومسلسلاته وسلسلاته وبرامج أطفاله، وصولا إلى اتهام وسائل الإعلام كلها وأي شخص تحدث حرفا آخر غير العربية في مكتوب أو في تدخل عابر أو حتى في الشارع
معذرة، لكن يجب علينا قولها بأكبر قدر من الصراحة: العربية أرحب بكثير من صدر عدد من الضيقين الذين يقولون إنهم يدافعون عنها.
والعربية لغة عدد كبير منا التي لم تعد منذ مدة غير هينة لغة العلم، ولا لغة التداول الأولى في العالم، وأضحت حصرا على المتكلمين بها ممن امتلكوا حظ تعلمها وفك شيفرة خطوطها. وهي إذ تعد اللغة الأجمل بالنسبة لمن يبرع فيها ويقدر خفاياها وجمالياتها، إلا أنها بالنسبة للبعيد عنها وبالنسبة للأمي أو غير الدارس لها من بين من يتكلمون اللغة الدارجة أو أي لغة محلية أخرى، شيء غامض غير مفهوم يثير استعماله العكس من المراد منه أي دعم الفهم النهائي.
نقاش اللغة هذا نقاش هام للغاية، وقد سبق له أن أثار نقعا كبيرا في البلد أقفله كبير القوم الهرم عبد الله العروي بحواره التاريخي مع “الأحداث المغربية” وأعاد وضعه في السياق الصحيح. لكن هذا النقاش وجبت مقاربته من الباب الأكثر جلبا للفائدة أي البحث لأنفسنا عن لغة نتعلم بها ماينفعنا اليوم، وهذا الذي ينفعنا اليوم يوجد في لغة واحدة تفرض نفسها بكل قوة هي اللغة الإنجليزية وبعدها الإسبانية في انتظار تحولنا جميعا أو تحول القادمين بعدنا إلى الصينية.
وحتى الفرنسية التي يفاخر بعضنا بالحديث والرطن بها، هي لغة لم تعد لها تلك القيمة ولا تلك المرتبة التي كانت وهي سائرة بدورها للتحول إلى لغة نخبوية يتحدثها أهلها ويتحدث المحبون لآدابها وثقافتها وفنونها التي لا تدرك إلا بإتقانها
وهاته المعركة اللغوية التي تبدو للعديدين من بيننا “معركة وجود”، ويعلقون عليها آمال البقاء إلى يوم الدين منافحين عن لغتنا العربية، وإن لم تطلب المسكينة منهم ذلك، وإن كان عدد من بينهم يعتدون عليها اعتداءا حقيقيا، هي معركة فعلا من النوع النافل الإضافي الذي يمكن أن نؤجله إلى حين بعيد فعلا وأن نشغل بالنا بمعارك أقوى وأكبر وأخطر تهددنا في مقدمتها معركة العقل المعطل في هذا المكان ما يسمح بتبني مثل هاته المعارك وتقديمها بصورة قدسية لا تمتلكها إطلاقا، بل أضفيناها عليها لاعتبارات شتى ليس الاعتبار السياسي الضيق أقلها شأنا
نعم، العربية لغة القرآن، وهو كتابنا المقدس، وهو كلام الله الموحى به لرسوله عليه الصلاة والسلام، لكن لاشيء على الإطلاق يمنعنا من تعلم اللغات الأكثر إفادة في عصر اليوم، ولا شيء يمنعنا من الحديث بلغات المتقدمين من أهل العلم والحضارة والاختراع اليوم، ولا شيء يمنعنا من تحويل هاته اللغة بالنسبة لمحبيها إلى أداة ترف لغوي وأدبي جميلين، وأن نبحث لتواصلنا وتعليمنا ومعرفتنا عن وسائط لغوية أخرى تكون أكثر نجاعة فعلا
مؤخرا قالها ابن كيران لبلمختار عن موضوع اللغة هذا في البرلمان محاولا إرهابه “كاينة بعض النقاشات تقدر تشعل النار”.
ربما، لكن تخويفنا من طرق هذه النقاشات لن يحل الإشكال. سيؤجل الأمر فقط إلى حين، وتلك خاصيتنا نحن أهل التخلف دأبنا عليها دوما، تاركين “الجمل باركا”، وحالمين ببقائه على ذلك الحال إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
لساننا يوجد بالتحديد في المكانة التي نحن عليها اليوم. إبحث لك أنت عن هاته المكانة، وحدد موقعك مثلما تشاء..

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طواحين الهواء وحرب العربية دون كيشوتات اللغة طواحين الهواء وحرب العربية دون كيشوتات اللغة



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 12:41 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس فتتأثر بمشاعر المحيطين بك

GMT 09:52 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

أمطار صيفية تعزل دواوير ضواحي تارودانت

GMT 07:59 2018 الأحد ,15 تموز / يوليو

"بورش" تحتفل بالذكرى الـ70 لسيارتها الأولى

GMT 16:15 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

سامح حسين يكشف عن الأفيش الأول لـ"الرجل الأخطر"

GMT 08:36 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

النفط ينخفض مع تهديد الصين برسوم جمركية على الخام
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca