موسم الهجرة إلى … الشرق البارد!

الدار البيضاء اليوم  -

موسم الهجرة إلى … الشرق البارد

بقلم : عبد الحميد الجماهري

لن يجد بوتين، سليل الكاجيبي ، في الذكرى 25 للانقلاب الفاشل الذي قاد إلى انهيار إمبراطورية الاتحاد السوفياتي شيئا أفضل من التسابق الشرق -أوسطي نحو موسكو، بعد أن ظلت أمريكا تصنع التحالفات وتصنع الأنظمة ضد بقايا موسكو وأشباح الصين القادمة..
ففي مثل هذا الأسبوع من غشت الذي نودعه، من سنة 1991 دخلت مجموعة من الدبابات إلى موسكو ، يقودها متشددون في الجيش الأحمر الشيوعي. وقتها " أكد هؤلاء الانقلابيون بقيادة نائب الرئيس السوفياتي غينادي ياناييف، ورئيس جهاز الاستخبارات السوفياتية (كاي.جي.بي) فلاديمير كريوتشكوف ووزير الدفاع ديمتري يازوف، أن الرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشيف الذي كان يمضي آنذاك إجازة في القرم، غير قادر على تحمل مسؤولياته لأسباب صحية مطالبين بإعلان حالة الطوارئ"، كما ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية.
شفير الانهيار، الذي حذر منه الانقلابيون، بسبب البريسترويكا والغلاسنوست اللتين دعا إليهما غورباتشيف، أصبح جزءا من الماضي.
فلأول مرة من 25 سنة بالضبط ، أي المدة التي فصلته عن الانقلاب تعود روسيا إلى قلب السياسة في الشرق الأوسط.. ولعل أقوى باب دخلت منه هو .. الباب العالي، في تركيا.
ففي أعقاب انقلاب آخر، وجه اردوغان موجته لمناهضة أمريكا التي اتهمها برعاية فتح الله غولين ومحاولة القضاء عليه.
فقد برزت موجة مناهضة للولايات المتحدة لم يجد الرئيس غضاضة في أن يتموج معها رغم التنبيهات التي تحذره من "المجازفة بالإساءة إلى تحالفات أنقرة بشكل دائم".
تقاذفت أنقرة وواشنطن كرة النار، وتابعنا عبر الصحافة كيف حذر وزير العدل "بكر بوزداغ" من أن شعور مناهضة الولايات المتحدة يهدد بالتحول إلى "كراهية" في حين نددت وزارة الخارجية الأمريكية بـ"خطاب ناري غير مجد قطعا". 
نفس الموجة تتلاطم على ضفاف أوروبا، التي قدمت لها تركيا نموذجا ناجحا في التعاون في ملف الهجرة ، وسجلنا في الملف الأوروبي أيضا لحظات حرجة في ترشيح تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي الذي قالت المراكز المتابعة له، في السياسة وفي الإعلام أنه " يمر بأسوأ أزمة منذ سنوات.." .
بالنسبة للجيواستراتيجية الكلاسيكية يعد التقرب من الغرب في تركيا -العضو في الحلف الأطلسي منذ 1952- حجر الزاوية في السياسة الخارجية.
لكن الرئيس أردوغان، الذي خرج قويا من محاولة الانقلاب الفاشلة … اتجه شرقا نحو موسكو، التي كانت أول قبلة له بعد المحاولة..
ولعل التحول الرئيسي في المدة الأخيرة هو الدعوة التركية للتنسيق العسكري مع روسيا في مواجهة مشتركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، التي تشكل في العمق أحد الملفات الخلافية الكبرى بين أنقرة وموسكو ، خلاف على طرفي النقيض بين الأتراك والروس ، إذ تساند موسكو رئيسا تريد أنقرة تنحيته والقضاء عليه..
وفي التقسيم الجديد، للجيوستراتيجية ، يرى محللون عسكريون وسياسيون أن سوريا تعد امتدادا لأوكرانيا، لأنهما معا تساعدان "جيدوكا" العالم على تحديد الخطوط الحمراء التي لا يريد رجل روسيا القوي أن تتجاوزها أمريكا والحلف الأطلسي ، إنهما معا، في الواقع يساعدان فلاديمير بوتين على القبول بجدار برلين آخر في … سوريا!
ولهذا ، ربما يكون انطلاق الطائرات الروسية من إيران ذا دلالة غير مسبوقة. فروسيا أطلقت مقاتلاتها لتقصف مواقع جهاديين في سوريا انطلاقا من إيران للمرة الأولى وواشنطن عبرت عن أسفها وقالت "إنه أمر مؤسف لكن ليس مستغربا".
وهو موقف ينبئ كما لو أن أمريكا تملك شبكة قراءة لا تستبعد فيها هذا التقارب الإيراني الروسي، رغم أنها هي التي قادت انفراج علاقات طهران مع العالم! 
والحال أن روسيا لم يسبق لها استعمال أي قاعدة أجنبية غير "حميم" في سوريا، كما أن إيران لم تسمح لأي قوة عسكرية باستعمال أراضيها من لدن قوة أجنبية… وقد أوردت وكالات الأنباء اتفاق المحللين على أنها مرحلة جديدة في الحملة العسكرية الروسية في سوريا . وأن "استخدام هذه القاعدة يعطي روسيا تقدما تكتيكيا لأن قاذفاتها الثقيلة يمكنها نقل قذائف أكثر بكثير إذا كان وقت طيرانها أقل".
ومن سوء حظ واشنطن أن بوتين يعرف ما يريد من الحرب في سوريا، بعيدا عن الحفاظ على حليف دائم، إنه يريد أن يثبت نجاحه في ما فشلت فيه الإمبراطورية الأمريكية في الشرق الأوسط ، أي الحرب على داعش!
من تركيا السنية إلى إيران الشيعية إلى سوريا المخضرمة، تتحقق نبوءة الجنرال الفرنسي .جان بيرنار بيناتيل التي قال فيها سنة 2014 "روسيا، هي البلد الوحيد الذي يمكنه أن يتحدث مع كل الدول الإسلامية سنة كانت أو شيعة..."
ماذا تفعل أمريكا ؟...
في هذا الوقت، أمريكا ، تراقب بعقولها الاستراتيجية وعلى رأسهم زبيغيني بريجينسكي الذي كتب مقالة مطولة عن "أمريكا التي لم تعد القوة الامبريالية العالمية..."
لهذا "يقترح عليها أن تفتح الباب أمام دخول روسيا والصين ، باعتبارهما المنافسين الجيواسراتيجيين لها، إلى الشرق الأوسط وخدمة مصالحها!" و تسخير العالم الإسلامي لنفس الخدمة عبر ما يسميه "اليقظة الديموقراطية الدولية".
ولعل هذه العبارة الأخيرة تحيلنا على تقارب لم يكن متوقعا من قبل.
ففي المغرب الكبير، حيث كانت روسيا حليفا قويا للجزائر ربحت موسكو انضمام المغرب، الغاضب من المشاريع الأمريكية في المنطقة، وبالذات من موقفها الملغوم من وحدته الترابية وسعيها إلى تفتيت كيانه.
وقد عمل العاهل المغربي علي توسيع الدعوة لتشمل دول التعاون الخليجية، عبر خطاب علني في الرياض ، وقتها قاد الملك محمد السادس هجوما على ما سماه بريجينسكي اليقظة الديمقراطية قائلا:"المنطقة العربية تعيش على وقع محاولات تغيير الأنظمة و تقسيم الدول، كما هو الشأن في سوريا والعراق وليبيا(….) فبعدما تم تقديمه كربيع عربي ، خلف خرابا ودمارا ومآس إنسانية ، ها نحن اليوم نعيش خريفا كارثيا.." 
وسعى العاهل المغربي إلى تقديم شبكة للقراءة للدول الخليجية عن تحالفات جديدة، قد تؤدي إلى التفرقة، وإلى إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة. "وهي في الحقيقة، محاولات لإشعال الفتنة، وخلق فوضى جديدة، لن تستثني أي بلد"، مما يستوجب شراكة استراتيجية معمقة، قطبها روسيا… ولا تستثني الهند وجمهورية الصين الشعبية…
لطالما أطلقت روسيا- الاتحاد السوفياتي على أمريكا تعبير" الجزيرة العالمية"، في حين تسمي الأدبيات الجيوستراتيجية المحيط الروسي أو أورو-آسيا ب"الأرض العالمية"… وفي التسمية يكمن الكثير من الفهم الخاص بالتنافس العالمي.. الآن!
فمن يدري فقد يحلو للشرق الأوسط الملتهب .. أن ينعش نفسه في الشرق الروسي البارد!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

موسم الهجرة إلى … الشرق البارد موسم الهجرة إلى … الشرق البارد



GMT 18:00 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تبحث أمراً مالياً وتركز على بعض الاستثمارات

GMT 08:31 2018 الخميس ,20 أيلول / سبتمبر

سعر الدرهم المغربى مقابل اليورو الخميس

GMT 13:15 2015 الأحد ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روماو يحدد قائمة لاعبي "الجيش" لمواجهة "المغرب الفاسي"
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca