تعري يا جمهورية قلبي، تعري قليلا!

الدار البيضاء اليوم  -

تعري يا جمهورية قلبي، تعري قليلا

بقلم : عبد الحميد الجماهري

كان شارل دوغول لا يرى فرنسا إلا إذا كانت عظيمة، ويردد باستمرار بأن فرنسا «لا يمكن أن تكون فرنسا بدون عظمتها»!
ما الذي يبقى من عظمة الجمهورية عندما تلجأ إلى القوة لكي تنزع لباسا بحريا عن امرأة لا حول لها ولا قوة …سوى أنها اختارت لباسا مغايرا….
لقد منعت فرنسا البوركيني في الشواطئ ، وعلى رمالها البحرية.. ليكن!
فهل هذا مبرر لكي لا تشعر بقليل من الخجل وهي تفرض على السيدة نزع البوركيني، وتتعرى منه لكي تكون مقبولة؟
كان من الممكن مطالبتها بمغادرة المكان مثلا
كان من الممكن أن يتم تذكيرها بالقانون على أن تختار بين البقاء وبين الرحيل
بين مياه تنعشها وبيت يحرسها..
كان من الممكن كل شيء سوى أن تسقط فرنسا من أعلى جمهوريتها إلى بساط …العار!
أصابت الصحافة البريطانية عندما استلقت ملء سخريتها ، وهي تتحدث عن قانون يتحول إلى مهزلة، وعن علمانية تستند إلى ثلاثة رجال مسلحين ببدلاتهم القانونية، يقفون عند رأس امرأة وهي تنزع ريشها ، الفيروزي ريشة ريشة …. إرضاء لروح القديس روبيس بيير! 
لقد أصابت المناضلة الحقوقية سهام اسباغ وهي تكتب على التويتر« هل وصل الأمر إلى درجة نزع ثياب النساء في الشواطئ، لقد أصبحتم موضوع سخرية العالم».
المناضلة النسوانية الفرنسية كارولين دوهاس، والتي لا تحب النزعات المحافظة ، لم تستسغ الإنزال البوليسي لإنزال البوركيني، « أشعر بالعار الشديد «، كتبت تنتقد بلادها..
لنا أن نسأل مع بيير حسكي، الصحافي والكاتب، صاحب موقع الزنقة 89،:»هذه الإهانة أمام الملأ فوق شاطئ فرنسي، هل مفروض فيها أن تحمي الجمهورية؟»
ولنا أن نحاول الخروج من الذهول إلى غير قليل من التفكير الغاضب: لقد أرست فرنسا صورتها كبلاد تحمي الحريات، على أساس تعدديتها، لكن الجمهورية اليوم، بقيمها الجافة يبدو أنها تتنازل عن شرط الأخوة والإنسانية لفائدة القانون، ولو بطريقة … فيشي!
إن العلمانية، هنا، في مشهد امرأة محاطة برجال شرطة ينزعون لباسها، علمانية في وضع بئيس، وقد وضعت في يد البلداء ..!
تعري يا جمهورية قلبي تعري قليلا
تعري يا علمانية قلبي تعري قليلا..
لأعرف حقا إن كنت 
شمطاء أم جميلة
فهذا العنف الذي يصدر من الصورة يعكس في العمق عجز فرنسا عن .. مواجهة الإرهابيين الذين لا ملامح لهم قبل القتل
.. فهي تريد أن تخلط بين مظاهر التأسلم، والتي نرى نحن أنه مبالغ فيها من طرفنا ، وبين تربية الإرهاب:لو كانت فرنسا التي تعرضت للضربات الإرهابية الإجرامية، من طرف القتلة تستبق الإرهاب، لما وضعت كل هذا العنف في محاربة الحجاب!
إن فرنسا وهي تتحسس جسد لابسات البوركيني لا تُحرج المتطرفين ولا دعاة الحرب الحضارية، إنها في الواقع..تحرج ما تبقى من ديمقراطيين في العالم الإسلامي، وفي دول شمال إفريقيا بالخصوص!
قد تكون فرنسا قد نصبت الجمهورية قبل الديمقراطية، 
وتكون قد واجهت السؤال الذي طرحه ريجيس دوبري ذات يوم من 1995: هل أنت ديمقراطي أم جمهوري؟ فاختارت الجمهورية كمفهوم أعلى من الديمقراطية!
قد تكون قد جعلت اللباس البحري شكلا متقدما من أشكال العلمانية، لكن تلك الإهانة المنزوعة من أي قيم إنسانية لا تبث للعالم المتحضر بصلة!
يمكنها أن تعرف نفسها ككيان جمهوري بدون أن تتصرف ككيان ديمقراطي، إذا شاءت ذلك، لكن الحق في الكرامة يتجاوز اللبس بين الراية والقوة!
لهذا بدت السيدة ضعيفة، مهانة وبلا حول ولا قوة لها، سوى ما تركه هذا السلوك من شعور بالاشمئزاز في الأوساط الفرنسية ذاتها، وفي الأكثرعلمانية فيها!
هل تكفينا هذه المواساة؟
ربما ربما، لكني سأغني
تعري يا جمهورية قلبي تعري قليلا
حتى أعرف إن كنت حيا
أو قتيلا
لعل الجمهورية وهي تنزع ملابس البوركيني عن السيدة، كانت بدورها تتعرى من بعض أوراق التوت، لأن الأمر ليس فيه البوركيني من عدمه، بل فيه الإهانة
إلا الإهانة 
إلا الإهانة..
إلا الإهانة…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تعري يا جمهورية قلبي، تعري قليلا تعري يا جمهورية قلبي، تعري قليلا



GMT 18:00 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تبحث أمراً مالياً وتركز على بعض الاستثمارات

GMT 08:31 2018 الخميس ,20 أيلول / سبتمبر

سعر الدرهم المغربى مقابل اليورو الخميس

GMT 13:15 2015 الأحد ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روماو يحدد قائمة لاعبي "الجيش" لمواجهة "المغرب الفاسي"
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca