بقلم : عبد الحميد الجماهري
بهدوئه المعروف، واتزانه المعرفي الحاسم، وضع الفقيه أحمد الخمليشي حدا لأسطورتين مؤسستين من أساطير العلاقة النبوية مع النساء.
وكان واضحا في ذلك، بلا لف ولا دوران:
ف لا خديجة كانت في الأربعين من عمرها عند زواجها بالنبي
ولا عائشة كانت في التاسعة من العمر عند زواجه بها..
ولنا أن نتصور الوضع الذي سيكون عليه تراث كامل من الفقه والسلوك الشرعي الذي تأسس على هاتين »المقولتين«..
بالنسبة لمدير دار الحديث الحسنية، فالروايات التي تنطلق من زواج الرسول بعائشة في سن التاسعة لتبرير وشرعنة زواج القاصرات »سخيفة«، وجزء من متن المغالطات، يمررها بعض الفقهاء لتبرير هذا النوع من الزواج.
بالنسبة للفقيه، هناك بُعْد تحايُلي، يجعل النبوة مجالا للتعويض النفسي والتعويض بجعل العقيدة في خدمة .. الكبت الجنسي !
السي أحمد الخمليشي يرى »أنها شائعة، الغرض منها النيل من الرسول عليه الصلاة والسلام، وتبيان أنه كان منبوذا في فترة ما قبل الوحي حيث تزوج بخديجة ذات الأربعين سنة، واستغل النبوة للزواج من صغيرات في السن«.
لا أعرف وضوحا فاق وضوح السي أحمد …المعروف بعزلته العالمة وترفعه الأخلاقي عن خوض في أيِّ من المهاترات التي تستهوي الكثيرين ..
وأكد مدير دار الحديث الحسنية أن رواية زواج الرسول من خديجة خاطئة، فلا امرأة حسب التحليلات الطبية الحديثة تستطيع أن تلد ستة أبناء وهي فوق الأربعين سنة«..
وبذلك فقد استند إلى الطب الحديث، وعلم الأجنة ، لكي يفند ما دأب الفقهاء وعموم المسلمين على اعتباره »حدثا صحيحا«!
بل إن الفقيه الحديث انطلق من الحداثة نحو التراث لكي ينظر بعين العلم الحديث والعقلانية الحديثة إلى تراث نعتبره «مقدسا» فقط لأنه يروى عن النبي عليه الصلاة والسلام.
والوقائع والاجتهادات التي صرح بها مدير دار الحديث الحسنية في لقائه الشيق مع برنامج »حديث الصحافة«، تعد في مرتبة الثورة الهادئة، التقية والفصيحة، من زاوية بلاغة الوضوح المعرفي والموقف العقلاني في تناول قضية شائكة محاطة بالكثير من اللغو..
قصة عائشة بدورها تم فيها موقف واضح لا غبار عليه، ينزع الطابع المرضي عن الرواة براوية أحاديثه وسيرته.
ولم يكتف بذلك بقدر ما نسف من خلال دحضها الأساس »الشرعي» الذي يقيم عليه دعاة الزواج بالصبيات والطفلات دفاعهم!
ويتضح من خلال مرافعات الأستاذ الخمليشي، أن الكثير من المواقف، بل من الرجعيات المتحكمة في الذهنية الإسلامية اليوم، لا يمكن تفكيكها ونقضها إلا من خلال إعادة قراءة سيرة نبي الإسلام من زاوية عقلانية، منطقية ، تستلهم العلوم والتراكمات المعرفية..
فقضية عائشة وخديجة، حجرا الزاوية في فهم متناقض ونكوصي للوضع الذي يجب أن تكون عليه العلاقات بين المسلمات والمسلمين..
ومن سوء حظنا أن أحد الفضاءات الحديثة، إن لم نقل الحداثية، من قبيل القضاء لا تسلم من الاختراقات، بعد أربعة عشر قرنا ، وإحياء الأساس اللاتاريخي للسلوك المدني للرسول الكريم.
ومن ذلك ما تم تداوله في الآونة الأخيرة عن قاض سمح لزوج ما بالزواج لأن الزوجة الأولى لا تلد … الذكور..!
ماذا لو أننا سحبنا هذا الحاضر على الماضي… بطريقة معاكسة لما فعله فقيهنا وأستاذ الأجيال السي أحمد الخمليشي، ووضعنا ملف عائشة زوج الرسول بين يديه؟
أولا كان سيبيح للنبي طلاقها…
لا بسبب حديث الإفك، بل بسبب قضاء الإفك…
وذلك لأنها لم تنجب:لا ذكورا ولا إناثا..
وإذا نحن عرضنا عليه «ملف» الزوجة الرشيدة خديجة، فإنه لن يجد تناقضا ولا حرجا في أن يبيح طلاقها بعد أن توفي أبناؤها الذكور رضوان الله عليهم!!!
نحن في ورطة حقيقية فعليا مع القراءة الجامدة والبدائية لسيرة النبي المدنية !
من سوء حظ العقل في بلاد المسلمين أنه لا يجد أتباعا كثيرين، ومن سوء حظه أن الغريزة تعلو كثيرا عليه، كلما تعلق الأمر بتراثنا الديني..
لهذا يجد نفسه وحيدا، حتى في الأوساط التي كان عليها أن تعتبر…. أن الجرأة التي أبان عنها السي أحمد سند حقيقي في معركة العقلانية الإنسانية والروحية المطلوبة في بناء شخصية المسلمين.. عبر العقل لا عبر الأسطورة!