بقلم : عبد الحميد الجماهري
صديقي التهامي جبور وعدني بأنه سيعود إلينا قريبا، قال كلاما جميلا عن الحياة، وسخر من المرض وحذرنا منه ، نحن الذين جئنا لنزوره ونرفع من معنوياته، رفعنا إلى سماء بهية من الإشراق.
لا أحد مثله يجيد صناعة الضحك الذكي..
والضحك من الذات
والضحك بلسانين
والضحك مع استعداد فطري للجدية عندما لا يكون الضحك سليما..
صديقي التهامي جبور، لم أر له صنوا إلا قلبي، طبعا.
.. ولم أر له شبيها سوى .. الحياة..
لهذا أستغرب فعلا أن يغادرنا و لا يلتفت إليها…
وأستغرب أنه وجد ألفة مع الموت حتى يسافر معها إلى حيث لا نوجد الآن..
..الرجل الذي أدخل إلى قاموسي اليومي العديد من العبارات، بل دخل إلى قاموسي الحميم، عندما أنادي ابنتي بتركيبة لغوية هو من كان يصدح بها في ساعات متأخرة من الليل، «آاآآآ لفنت». وعندما أسأله يضحك ملء عفويته ، إنها عند أهل الأطلس البسطاء كلمة تجمع بين «البنت والفن»..
هو الذي يحتفظ أيضا بالقاموس الذي يوشك أن يغيب من اليومي وينضحه جمالا وحرارة : الفسرة مثلا!
جبور الذي لم ينقصه الكثير لكي يصبح قديسا: الجدية، الصرامة الأخلاقية، الالتزام إلى أبعد نقطة من السخاء العاطفي، الصدق، الصراحة، الالتزام اليساري بصوفية غريبة عمن كان يحب الجدلية التاريخية، الوفاء.. آه الوفاء تلك القيمة التي يشهق بها كلما غابت..
الحب المدوي للأطلس والجذور البدوية العريقة، تلك التي تمتد في الأغاني، وفي الموسيقى وفي طقوس الفرح وفي الرقص..
هل يمكن رجل مثل هذا؟
هل أصدق بأنه فعلا قابل للوفاة، بالرغم من كل الحياة التي تسير جنبه كظله؟
أصدق لأنني بغير التصديق قد أتألم أكثر حين لا نجده حيث الموعد اليومي أو الأسبوعي..
صديقي التهامي جبور أصدق موتك لكي لا أجن من الألم…
ومع ذلك أنا محظوظ أكثر من العديد من الأصدقاء
محظوظ لأن صداقتي معك لم تبلغ مراتب صداقتك معهم..
أشعر بألمهم
وأشعر بالسكين التي تمزق الأحشاء الآن
أشعر بآلاف السيوف التي تقطع القلب كما تشاء اللغة القديمة، إربا إربا..
محظوظ أنني لم أدمن صداقتك مثلهم..
الأصدقاء في حلقة الحياة الدافئة والصاخبة أحيانا كثيرة
في حلقة العناق المفقود..
سيكون علينا كلما التقينا أن نتجول بحزن عميق..
وأن نغالبه بأشيائه الفرحة..
سيكون علينا أن نروض الغياب، قليلا قليلا
بفصاحة الليل الأخيرة..
بالقهقهات
بخالي نناديه ولا يرد..
ونروض الغياب بمقعد فارغ بالقرب من النافذة،
تلك التي تحبها صيفا وشتاء..
علينا يا صديقي، أن نصدق الفراغ الذي يلف القلب مثل شرائط المومياء حتى لا نصدم ونحن نعود إليك بالفراغ الأخير، ألا نجد الفرح في مكانه، ينتظر بشغف رعاياه؟
لمن ستترك الحياة خلفك، وقد اعتادت جرعاتك من الضحك
والاحتفال
والنزهة ؟
من سيتجول بها بين الحدائق والطاولات والأفكار الجريئة؟
ستجيبني ولا شك: تراراي ، تراراي..
قل جملتك ما قبل الأخيرة
لأن الأخيرة لا توجد عزيزي، كما تعرف جيدا!