بقلم : عبد الحميد الجماهري
انظروا جيدا في عيون هؤلاء الأطفال، أولئك الذين تلتقطهم كاميرا المصور
وسط الثلوج
أو في أعالي الجبال ،
بالقرب من صخور شحذتها الليالي العاصفية
الهوجاء
انظروا:لا ترون فيها سوى .. الحقيقة..
فمثل هؤلاء الأطفال
لا خيال لهم مع الثلج…
إن عزلتهم
معروضة
أمام أعين الناس
تلتقطها الكاميرا كما قد تلتقط تلا
أو نهرا
أو حجرا
تلتقط الكاميرا
وآلات التصوير عزلتهم
وتلتقط البرد..
البرد نفسه ترونه في الصورة، كما لا يحدث في أي مكان من العالم:
برد قابل للتصوير مثل موجة
مثل شاطئ
مثل قمة في جبل
مثل سيارة
مثل خيمة من جليد..
قبل الكتاب
نفاجأ به عند الباب.. كبيرا
لا الحوش حوشا
ولا البئر بئرا
ولا الدلو هو الدلو..
علينا أن نقطعها في الوسط لكي نعرف العتبة الأخرى عند الباب..
يغمر كل شيء، وشجرة الزيتون الضخمة صارت بيضاء
لا ترى
تغيب الشجرة ويبقى اسمها..
هكذا نحبه ونحن نطل عليه من باب موارب، قريب من المدفأة التي تكومت قربها كل جثث الدار من الجد إلى الأخ الصغير..والأخت الصغرى..
عندما تبدأ المدرسة يبدأ التأفف من الثلج:ليته جاءني في الصيف، عندما نكون عطلة فنلهو به، كما لو نركب الفصول من جديد لنهرب من الجليد الذي يعض أصابعنا،
ويعض اللحم الطري تحت جلابيب رهيفة وشبه بالية
وأحذية تحمل منه البرد وتترك بياضه في الطريق الواسع إلى المدرسة..
نحمله معنا قبل الدخول المدرسي،
وندخل به القسم ونزيد من البرد: كما لو أننا نزيد فصلا آخر في الجليد..
القسم بلا مدفأة كما نرى في الصور الجميلة في القصص…
ولا شال أبيض: أحذية بلاستيك ، وأنوف حمراء وشاشيات من صوف تغطي الوجه بمخاطه الساخن!!
ونحلم به أيضا، نريده أن يكون في المساء كي لا تتجمد أصابعنا ونكتب بخط سيء وتقع علينا المسطرة الخشبية أو عود الزيتون المرن حد الوجع..
لم يكن الثلج عتبة للخيال، بل للصقيع والخوف المدرسي والمسيرة الطويلة الطويلة إلى حيث لا أحد ، سوى كلاب تستعد ، باسم حقد لا نفهمه، لأن تمزق الجلابيب القصيرة فوق الركبتين..
يتقدم الشتاء
ويغطي كل ما نعرفه: حقول القرية، الطريق المعبدة، ثم الحقول من جديد
ثم الأشجار
والجداول التي ذهبت بدون إنذار
وخرجت من المشهد واكتفت بأشطر قليلة في الكتب المدرسية..
القباب نفسها لم تعد كما كانت
ونتقدم نحن خلف الشتاء ، بارتعاشات أجساد نحيفة..تسبقنا دعوات الأمهات
ويتبعنا نباح الكلاب، التي تزداد ضراوتها مع البرد..
الماء جامد تماما وقليل منه يتزاحم مع الجليد ليمر إلى الركبة التالية..
نحبه يوم الأربعاء:
لأن زحام السوق ينقص من أتعاب التلاميذ الذاهبين إلى المدرسة
وقد يوفر راحلة للنقل
ولا نحبه الخميس لأن قطعة الشكل تنده السوط
الذي يزيد قسوة الثلج…
الثلج يوهمنا بدفء ليلا
لكنه في الصباح يرفع من درجات البرد 0 يعني يخفض من درجة الحرارة بالتقويم العلمي للحرارة(
انظروا إلى عزلتهم: إنها أمام أعين الناس
تلتقطها الكاميرا كما قد تلتقط تلا
أو نهرا
أو حجرا
تلتقط عزلتهم
وتلتقط البرد، البرد نفسه ترونه في الصورة، كما لا يحدث في أي مكان من العالم:
برد قابل للتصوير مثل أية موجة
مثل شاطئ
مثل قمة في جبل
مثل سيارة
مثل خيمة من جليد..
لا تعطوهم من كل الحضارة
سوى ما أعطته الطبيعة لجدهم الأول:صداقة الحطب..
ورقة شعاع من شمس
وتزيدهم عما كان لهم:فصول موزعة بالتقسيط بينهم
اتركوهم سيكبرون
وسيحبون الهايكو
وستكبر لهم أجنحة أيضا من خيال ليرونه أجمل، وليرون الغراب نفسه منسجما مع الثلج
وهو الذي عادة ما يكون قبيحا…
المصدر :صحيفة الاتحاد الإشتراكي