كم من متر مكعب من الخيال الشعري نحتاج في السنة؟

الدار البيضاء اليوم  -

كم من متر مكعب من الخيال الشعري نحتاج في السنة

بقلم عبد الحميد الجماهري

سيكون علينا أن نجد مكانا آخر، غير الشعر لنُربِّي فيه خيالنا، وسنقفز مجددا من الأرض الى المساء ، كسمكِ الشبوط الأسيوي، ولا نجد مكانا لكي تكتمل فيه حكمة الفلسفة، منذ أن أنزلها سقراط من الأعلى إلى الارض!
فالمغرب وفي ما يبدو لم يعد في حاجة 
إلى حكمتها ليحبها ويحب عقله ووجدانه! 
وهو لا يحتاج الخيال، كما لا يحتاج ميزان العدل: ذاك العدل نفسه الذي كان الله ـ في نظر رئيس الحكومة ـ قد برر به الاقتطاعات عن أيام الاضراب في تصريح سابق ..
لا حاجة لنا، بعد ربيع السياسة المجيد الذي جاء على صهوة الحالمين كالشعراء، والمنتقدين كالفلاسفة، والمشرعين كالقضاة، للشعراء وللفلاسفة وللقضاة : فهذه الثلاثية لا بد من أن نعيد فيها النظر لكي نقيسها بالحد الأدنى .ونحدد الكم الذي يلزمنا من هذا الكيف!
والمقصود أن نجد الجواب على ما يلي:
كم من متر مكعب من الخيال الشعري نحتاج في السنة؟
كم من طن من الحكمة تلزمنا لكي نجتاز فصل الصيف بدون حوادث كبرى في العقل، وكم تكفينا من كيلوغرامات من الفلسفة للفرد الواحد حتى تبقى رغبة الحكومة سليمة..ولا نفرط في السمنة الفكرية؟
وكم من هكتار نحتاج من العدل لكي لا تضيع الأرض في هبوب الجريمة؟
هل يعلم الذين يهددون بتجفيف ينابيع الشعر
وينابيع الفلسفة
وينابيع القضاء، أنه من الممكن أن تكون شاعرا وتنتج الثروة؟
وتكون فيلسوفا وتنتجك الثروة..
أن الثروة اللامادية هي الثروة المادية عندما تتعتق في التاريخ وتدخله بحذافيرها، وتصنع فيه مكتبة أو متحفا أو منصة للعدل؟
هل نعيد السؤال: أتلزمنا دفعة واحدة من الخيال الشعري، مع نهاية كل شهر
ونصف دزينة من العقول الفلسفية؟
ثم؟
ثم نقتل الباقي لكي يبقى قانون العرض والطلب سليما!! 
هل نقتنع، كما يجب علينا كرعايا حكومة مرتبكة، أن نقتنع بأن البلاد تحتاج، حينما نحبها في بطائق بريدية، أن نضحي بالقصيدة من أجل إبريق فخاري يحمل الرطوبة الى السياح في صيفهم البعيد؟
وأنه تحتاج البلاد حقا أن نُنكِّل بالفلسفة لكي يخرج الصانع الجيد، من هواء عارم في البلاد، بنافذة وشباك للجميلات في روسيا الجديدة، أو ليخرج من حديده شكلا للذكريات على ضفاف الراين !
لا مكان للمجاطي ولا لمحمود درويش إلا بالميزان!
لا مكانة لابن سينا والجابري والغزالي إلا بما يسعفنا في الترتيب الأخير في محفل الأمم!
وفيلسوف واحد يكفي لكي تكون لنا الحكمة واضحة، فمن يا ترى، غير السياسي المتسرع، يمكنه أن يأمر الخيال بالخراب؟
ومن يمكنه أن يضع الفلسفة في دولاب، لاستعمالها الموسمي في تخصيب السؤال، غير سياسي يملك الجواب الكامل .. لتقريب المدرسة من ضدها، الجهل!
إذا كان الشعر ليس نمطا إنتاجيا غير منتج، فلأنه بؤرة للاحتجاج وعمل فدائي ضد الضحالة .. ولهذا ينصحنا الذين لا يحبون الاحتجاج، ألا نحب الأقحوانة وهي ترمي ظمأها الأبيض في وجه غيمة، وتستفز باصفرارها رتابة الرمادي، ونكتفي بما ستصنعه آلة اليد الميكانيكية من ورود بلاستيكية…
وعلينا أن نغفل القمر، 
وأن نُسْقط المطر من دفتر التلاميذ ومن معادلة البلاغة، لأننا لن نجد لهما شكلا، فصُنّاع المعجزات في دروب المدن العتيقة لم يكتشفوا بعد شكلا تقليديا من الخزف لأرشفة الضوء أو ترتيب الماء في عطر سيدة فارهة!..
لا يجب أن نحب المطر، إلا إذا كان يدخل مباشرة من فكرة الله عن الرحمة الى صندوق النقد الدولي كمعدل مرتفع في النمو..
فلنؤجل خيالنا وبلاغتنا، ولنؤجل استعمال اللغة المقدسة في بناء البيوت المدنسة للحمام الزاجل أو للقبرات..
لنؤجِّل خدمة العقل إلى ما بعد الحصيلة الحكومية، حيث سيرتفع عدد العاطلين ويقل عدد الفلاسفة..إلى أن نجد حلا لمعضلة السياسة بين السخرية والحداد!!
والثروة ستعود في قاموس السياسة الجديد، هي الخيال المصفى من .. شاعريته.
وهي أيضا الفلسفة وقد تقاعست عن ساعاتها الاضافية في العقل، وهي القضاء وقد ذهب إلى البحر ليتمرن الناس على غيابه!
أفكر في المدينة الفاضلة كما يريدها السياسي:بدون الشاعر وبدون الفيلسوف وبدون قضاة…
لن يكون الشعراء غرباء في البلاد، بل ستصير البلاد غريبة في الشعر.
ولن يكون الفلاسفة غرباء في البلاد، بل البلاد ستصير بكماء في الفلسفة
ولن يكون القضاة عزلا في البلاد، بل البلاد ستكون عزلاء في العدل!
ليس للمغربي أن يشعر بأن من حقه أن يحب امرأة من شوكولاطة وجوكاندا، 
ولا أن يشعر بأن الفلسفة يمكن أن تكون وحدة قياس، كما وحدات غيرها لقياس الجهل!
لا يد خضراء له، لرعاية العاطفة والحدائق، ولا مخيلة ذكية في ملكيته لكي يرتب الطبيعة وهو في قلبها منذ أن التحقت العقيدة بنبوءات البنك الدولي، وأصبح منشور صندوق النقد أكثر التفاسير …. الصحيحة للدين!
لا حق لنا، كمغاربة، في أن نكشف السر ، الذي يجري به المطر الى أراضي البور ليشبع غريزة شقيقة النعمان وتخرج بهية الحمرة ..
أيها الشاعر يا صديقي:
يسرقون أحلامك وعندما تندهش، 
يرددون بأنهم أحسن من يقوم بتفسير جيد لها،
سيجعلك ذلك 
سعيدا بالرغم مما توحي به دهشتك!
يسرقون أحلامك،
ويضعونها في شرفاتهم لكي تموت بعيدا عنها:
هنا يمكن أن تزهر، وهنا يكون قلبك مزهرية لنا! 

أيها الفيلسوف يا صديقي:
سيمهلونك نصف قمر
لكي تتخلى عن حكمتك..
ويمهلونك العمر كله، كي لا تراها في عيون الآخرين..
ويفكرون في قتلك بمجرد أن يعرفوا أنهم سقطوا من أصيص أحلامك:سيفسرون أحلامك لكي تموت منسيا 
ويقولون: ورثنا منه بُحيْرة في كف امرأة 
وقمرا تدلى على شجرة 
ولم نجد أرجوحة ..
كان قد وعد بها الأرض 
بين رعد
ومحبرة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كم من متر مكعب من الخيال الشعري نحتاج في السنة كم من متر مكعب من الخيال الشعري نحتاج في السنة



GMT 19:53 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 08:23 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:03 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 18:00 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تشعر بالانسجام مع نفسك ومع محيطك المهني

GMT 15:27 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

توقيف فتاة كانت بصحبة شاب على متن سيارة في أغادير

GMT 03:00 2017 الإثنين ,02 كانون الثاني / يناير

أنطوان واتو يجسّد قيم السعادة في لوحاته الفنيّة

GMT 18:55 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تمرّ بيوم من الأحداث المهمة التي تضطرك إلى الصبر

GMT 20:15 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

افتتاح المهرجان الدولي لمسرح الطفل في رومانيا

GMT 12:01 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

وجهات منازل رائعة استوحي منها ما يناسبك

GMT 09:29 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

أفكار مختلفة لترتيب حقيبة سفركِ لشهر العسل

GMT 08:44 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منظمة "ميس أميركا" ترفع الحد الأقصى لسنّ المتسابقات

GMT 09:08 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

أفضل الطرق لتنسيق تنورة الميدي مع ملابسك في الشتاء
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca