إصلاح ديني

الدار البيضاء اليوم  -

إصلاح  ديني

حسن طارق

الإعلان بمناسبة المجلس الوزاري الأخير، عن مراجعة مناهج التربية الدينية، أمر جدير بالانتباه، ليس فقط، من زاوية هواجس الاجتثاث الفكري لمنابع التطرف والإرهاب، بل أساسا لضمان شروط بناء مدرسة مساهمة في بناء المواطنة.

 إن سياسات تأهيل الحقل الديني، التي انخرط فيها المغرب منذ بداية الألفية الثالثة، حتى قبل أحداث 16 مايو 2003، تبقى غير مضمونة النتائج، اللهم ما كان من «بَرَقْرَطَة» مُتزايدة لفضاءات التأطير الديني، ومن تعزيز كبير لحضور الدولة في مجال كان يخضع في المستويات المحلية بالأساس لمنطق يقترب من تدبير مجتمعي مستقل وشبه «مُعلمن».

 من جهة أخرى، فإن تحولات الظاهرة الإرهابية، جعلت هذه السياسات بعيدة عن استهداف الجمهور المفترض للخطاب المتطرف. فهذه التحولات جعلت من بروفايلات الزبناء الجدد لتنظيم مثل «داعش»، تنزاح من دائرة فضاءات التأطير الديني الهامشي وغير المُنظم، كما كان الأمر في حالة المنضمين سابقا إلى شبكة تنظيم القاعدة، إلى سجل آخر يبدو فيه هذا الالتحاق، بعيدا عن حالة الشحن الإيديولوجي، وأقرب ما يكون إلى ردود فعل احتجاجية لدى فئات من الشبيبة، تأخذ في النهاية بعدا دينيا متطرفا.

إن هذا التأهيل، يمكنه في النهاية من أن يضمن وجود شبكة من اللجان والمؤسسات والمجالس، تعمل ضمن استراتيجية منسجمة للفعل العمومي، كما من شأنه أن يؤمن «جيشا» من الموظفين والأئمة والمرشدات والعلماء الرسميين، مرتبطا بنظامية مثالية بالقرار المركزي.

لكن هذا المجهود، المؤسسي والتنظيمي، سيظل قاصرا، عن بلوغ أهدافه القصوى، إذا لم يواكب بالأهم والأعمق: الإصلاح الديني، كورش فكري غير قابل للالتفاف، لدى كل مجتمعٍ في مرحلة من مراحل تطوره التاريخي.

الإصلاح الديني، الذي يعني مجهودا جماعيا للتجديد، يُوائم بين العقيدة وبين الانتماء إلى العصر، بين الإيمان وبين تملك الحريات والحقوق.

وفي مشروعٍ ثقافي كبير، مثل الإصلاح الديني، فإن أدوار المدرسة، تبقى الأكثر حيوية. المدرسة هي مختبر المجتمعات، إنها المكان حيث تنتج القيم والمدارك الجماعية والمعايير المؤسسة للعيش المشترك، وحيث تصنع التمثلات الحاسمة حول الذات والآخر، حول فكرة الأمة ومفهوم الوطن، داخل المخيال الجماعي للشعوب.

إن الحرية، التسامح، الاختلاف، المواطنة والمساواة، قيم لا يمكن أن تُنتج خارج المدرسة. إن التعليم المُستوعب لشرطه التاريخي، هو وحده القادر على التحول إلى تمرين بيداغوجي مستمر حول بناء المواطنة.

مغربيا، ما نملكه اليوم خارج الخطابات التقنية المُتكررة حول أزمة التعليم، هو مدرسة تنتج في الغالب أجيالا من معطوبي الهوية، وناقصي المواطنة. مدرسة بمشروعٍ قيميٍ هجينٍ، يجعلها تنتج في البداية والنهاية، أفواجا من الخريجين، لا همْ جماعة مؤمنين أتقياء، ولا همْ مجموعة مواطنين أحرار.

لقد خِيضت على المدرسة المغربية حروب إيديولوجية، جعلت مخرجاتها تحمل منسوبا ضعيفا على مستوى تنمية الحس النقدي والتفكير العلمي، وجعلت قواعد التربية الدينية داخلها، لا تعني دائما التربية على التسامح والحوار والاعتراف المتبادل، ولا تعني بالضرورة الاطلاع على التاريخ المقارن للأديان، وتشجيع الاجتهاد العقلي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إصلاح  ديني إصلاح  ديني



GMT 05:04 2017 الثلاثاء ,26 أيلول / سبتمبر

مرافعة من أجل الريف

GMT 19:53 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 08:23 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:03 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 18:00 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تشعر بالانسجام مع نفسك ومع محيطك المهني

GMT 15:27 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

توقيف فتاة كانت بصحبة شاب على متن سيارة في أغادير

GMT 03:00 2017 الإثنين ,02 كانون الثاني / يناير

أنطوان واتو يجسّد قيم السعادة في لوحاته الفنيّة

GMT 18:55 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تمرّ بيوم من الأحداث المهمة التي تضطرك إلى الصبر

GMT 20:15 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

افتتاح المهرجان الدولي لمسرح الطفل في رومانيا

GMT 12:01 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

وجهات منازل رائعة استوحي منها ما يناسبك

GMT 09:29 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

أفكار مختلفة لترتيب حقيبة سفركِ لشهر العسل

GMT 08:44 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منظمة "ميس أميركا" ترفع الحد الأقصى لسنّ المتسابقات

GMT 09:08 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

أفضل الطرق لتنسيق تنورة الميدي مع ملابسك في الشتاء
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca