سياسة داخلية.. سياسة خارجية

الدار البيضاء اليوم  -

سياسة داخلية سياسة خارجية

بقلم : حسن طارق

تنافس الإعلاميون والكتاب والمحللون، في تبيان خلفيات وأبعاد وتداعيات عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، مبرزين رهاناتها وسياقاتها.

لكن الفارق لم يصنعه تناول النخب واهتمام الإعلام وسيولة التغطيات وتواتر التعاليق. الفارق أحدثه تملك المغاربة للحدث .

المغاربة الذين تمثلوا الحدث، بغض النظر عن أبعاده في الواقع وحجمه في التاريخ، كمعركة وطنية حقيقية، وقاربوا المسألة بشحنة واضحة من الانخراط العاطفي والالتزام المبدئي .

فعلوا ذلك وهم يتابعون مجريات قمة “أديس أبابا” بكثير من الانفعال واليقظة، وفعلوا ذلك وهم يُحوِّلون انعكاسا بسيطا لشعاع ضوء على خد الملك إلى دمعة خيالية من وحي نصر مستحق. وفعلوا ذلك وهم يعبرون عن فرح صادق بمكاسب قمة الاتحاد الإفريقي الأخيرة، كدليل على انتماء عميق .

لم يدركوا جميعهم تفاصيل الحدث وخلفيات وقائعه وتعقداته، لكنهم قدروا بحس سياسي فطري، أن الملك هناك في تلك العاصمة البعيدة يخوض شخصيا معركة دبلوماسية صعبة، وأنهم جميعا معنيون بمجريات المعركة وبعنوانها الكبير: المغرب .

هل كان الأمر مجرد رجع صدى لتعبئة سياسية موجهة من فوق؟

لا أعتقد ذلك. فمنطق “الحملات” الرسمية والموسمية لا يستطيع اليوم بالضرورة حشد رأي عام مساند، هذا إذا لم تنتج هذه “الحملات” النمطية والفاقدة الخيال عموما مفعولا معاكسا .

الصديق عبدالحميد جماهيري انتبه إلى متغير السياق الدولي المحفز والمتميز بانبعاث فكرة “الوطن”، داخل ديناميكية ترتبط بتصاعد الهويات المحلية، وبالسياسات الحمائية وبلغة المصلحة الوطنية أولا، وبعجز العولمة في تنميط السياسة والثقافة والجغرافيات، وأفول التنظيمات فوق القومية .

لذلك ربما، في سياق هذا الأفق، من المهم، كذلك، التذكير بما يسميه الأستاذ حسن أوريد جدلية انتقال من لحظة الوطن إلى لحظة الأمة .

حيث إننا مطالبون اليوم، أمام هذه الحالات المتواترة من انتعاش حرارة الانتماء الوطني، بتعضيد عناصر المشروع المشترك المستند على القيم الجامعة: الحرية والمساواة والتضامن، هذه القيم التي لا بد لانصهارها من إسمنت الديمقراطية الضامن ﻹرادة العيش المشترك .

للأمر وجه آخر، ذلك أن دروس التاريخ تبين كيف أن انتصارات الخارج من الممكن أن تشكل إغراءً للسلطة لاحتكار حجة “الوطن” في حسابات السياسة الداخلية وتقلبات موازينها، ولاستعمالاتها في استراتيجيات تهميش مجال السياسة وتبخيس الشرعيات الصاعدة من المجتمع ومحو صوت الإرادة الشعبية، لكن هذا الممكن في التاريخ لا يبدو أفقا مغربيا قريبا، هنا والآن، ليس لأن المعادلة المغربية جعلت من قضيتي الوطن والديمقراطية مترادفتين ومتداخلتين، وليس لأن الديمقراطية هي أحد عناوين الزمن الإفريقي الذي نعود إليه، بعد صفحة الديكتاتوريات والانقلابات والعسكرتارية وسطوة الإيديولوجيا، ولكن بالأساس لأن المغرب لا يمكن أن يعبث بمسار طويل من الإصلاح والتوافقات والتراكم .

بكلام آخر، فإن المرحلة تستدعي استعارة التعبير المفضل للأستاذ الراحل العربي المساري، وهو لا يكل من الترديد أن السياسة الداخلية الناجحة شرط محدد لنجاح السياسة الخارجية.

المصدر : جريدة اليوم 24

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سياسة داخلية سياسة خارجية سياسة داخلية سياسة خارجية



GMT 09:40 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

فعول، فاعلاتن، مستفعلن.. و»تفعيل» !

GMT 06:51 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

من يسار ويمين إلى قوميين وشعبويين

GMT 07:57 2018 الثلاثاء ,06 آذار/ مارس

أسوأ من انتخابات سابقة لأوانها!

GMT 06:13 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

خطة حقوق الإنسان: السياق ضد النص

GMT 07:07 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

المهنة: مكتب دراسات

GMT 11:50 2021 الثلاثاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 11:56 2021 الثلاثاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 13:15 2020 السبت ,16 أيار / مايو

بريشة : هارون

GMT 22:06 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

كيفية التعامل مع الضرب والعض عند الطفل؟

GMT 00:54 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

"المغرب اليوم"يكشف تفاصيل أزمة محمد رشاد ومي حلمي كاملة

GMT 20:23 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مسرحية "ولاد البلد" تعرض في جامعة بني سويف

GMT 22:59 2017 الخميس ,12 تشرين الأول / أكتوبر

إتيكيت تزيين الطاولة للمزيد لتلبية رغبات ضيوفك

GMT 16:49 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

العراق يستلم من إيطاليا تمثال "الثور المجنح" بعد ترميمه رسميًا

GMT 08:07 2017 الأربعاء ,16 آب / أغسطس

شبكات التواصل بين السلبي والإيجابي

GMT 02:07 2017 الأربعاء ,10 أيار / مايو

كواليس عودة " عالم سمسم" على الشاشة في رمضان

GMT 06:59 2016 السبت ,24 كانون الأول / ديسمبر

الفنانة ندا موسى تكشف عن كواليس "ياباني أصلي"

GMT 03:39 2016 الإثنين ,17 تشرين الأول / أكتوبر

مصور بريطاني يكشف مأساة النسور بكاميرته

GMT 20:47 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

اختيار إدريسي أفضل حارس في الدوري الفرنسي لكرة اليد
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca