المجلس العلمي وعابد الجابري

الدار البيضاء اليوم  -

المجلس العلمي وعابد الجابري

بقلم : حسن طارق

الرأي الجديد للمجلس العلمي الأعلى، حول عقوبة المرتد، يستحق التشجيع والتنويه. ذلك أنه يجعلنا نبتعد كثيرا عن مضمون الرأي الذي أصدره في عام 2009، ونشر بعد ثلاث سنوات من ذلك في كتاب: “فتاوى الهيأة العلمية المكلفة بالإفتاء 2004 ـ 2012″، حيث كانت “فتوى قتل المرتد”، قد أثارت حينئذ الكثير من الجدل والنقاش، داخل المجتمع المدني والمؤسسات التمثيلية، وفي وسط المشتغلين بقضايا الفكر الإسلامي، حيث استندت إلى قراءة قطعية لمسألة “الردة”، انطلاقا من القول بأن “الإسلام يدعو المسلم إلى الحفاظ على معتقَده وتدينه، وإلى التمسك بدينه وشرعه الرباني الحكيم، ويعتبر كونه مسلما بالأصالة من حيث انتسابه إلى والدين مسلمين أو أب مسلم التزاما تعاقديا واجتماعيا مع الأمة، فلا يسمح له شرع الإسلام بعد ذلك بالخروج عن دينه وتعاقده الاجتماعي، ولا يقبله منه بحال، ويعتبر خروجه منه ارتدادا عن الإسلام وكفرا به، تترتب عليه أحكام شرعية خاصة، ويقتضي دعوته للرجوع إلى دينه والثبات عليه، وإلا حبط عمله الصالح، وخسر الدنيا والآخرة، ووجب إقامة الحد عليه”.

في الرأي الجديد، الصادر في وثيقة للمجلس تحت عنوان: “سبيل العلماء”، وتحديدا في سياق باب “قضايا العدل والتضامن والحقوق والحريات”، ثمة مقاربة أخرى لمفهوم الردة وأحكامها، تنطلق من التمييز بين الردة السياسية والردة الفكرية، لكي تصل في نهاية التحليل إلى أن الفهم الأقرب لسياق التاريخ الإسلامي، هو اعتبار الردة خروجا عن الجماعة السياسية، وهو ما يجعلها اليوم أقرب إلى مفهوم الخيانة الوطنية، منها إلى تغيير الفرد لعقيدته.

لذلك يعتبر هذا الرأي، أن الفهم الأصح والأسلم لقضية الردة، و”المنسجم مع روح التشريع ونصوصه، ومع السيرة العملية للنبي صلى الله عليه وسلم- هو الذي ينطلق من – أن المقصود بقتل المرتد هو الخائن للجماعة، المفشي لأسرارها والمستقوي عليها بخصومها؛ أي ما يعادل الخيانة العظمى في القوانين الدولية، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: “من بدل دينه فاقتلوه”، المقيد بقوله صلى الله عليه وسلم: “.. التارك لدينه المفارق للجماعة”.

ويضيف الرأي أن: “ترك جماعة المسلمين لم يكن حينها إلا التحاقا بجماعة المشركين خصومهم وأعدائهم في سياق الحروب الدائرة بينهم. فالردة هنا سياسية وليست فكرية. ولقد تحدث القرآن الكريم عن الردة الفكرية في آيات عديدة ولم يرتب عليها عقوبة دنيوية، وإنما جزاءً أخرويا”.

هذا الاجتهاد الذي يفتح من الناحية البيداغوجية، الإمكانية الضرورية لقراءة الكثير من الأحكام الدينية على ضوء حقائق التاريخ، ونسبية التحولات الاجتماعية والسياسية، ومستلزمات المواطنة وثقافة حقوق الإنسان، يستمد أهميته من كونه نتاج تفاعل علماء ينتمون إلى مؤسسة دستورية ورسمية، ويحرصون على بناء آرائهم الفقهية على حجج وأسانيد مستمدة من مصادر الفقه الإسلامي .

أكثر من ذلك، يبدو هذا الرأي منفتحا على اجتهادات رائدة من داخل دائرة المنشغلين بقضايا الفكر الإسلامي، بخلفية تجديدية وتنويرية، إذ يمكن – مثلا- بكل يسر أن نسجل التقاطع الكبير بين هذا الرأي وبين ما سبق أن ذهب إليه، منذ ما يقرب من أربعة عقود، الراحل محمد عابد الجابري، في كتابه: “الديمقراطية وحقوق الإنسان”، عندما اعتبر “أن حكم الفقه الإسلامي على “المرتد” ليس حكما ضد حرية الاعتقاد، بل ضد خيانة الأمة والوطن والدولة”، ذلك أن المرتد “هو من خرج على الدولة الإسلامية “محاربا” أو متآمرا أو جاسوسا للعدو”، وليس “مجرد شخص يغير عقيدته لا غير”، وهكذا فمسألة “الردة” لا تدخل لا في حق الاختلاف ولا في حق الحرية، لأنها كانت تعني زمن النبي والصحابة خيانة الإسلام مجتمعا ودولة، أما الذي اعتنق الإسلام، ثم عدل عنه دون إلحاق الضرر بالمسلمين، فقد وردت فيه آيات كثيرة ليس فيها ما ينص على قتله، وإنما تكتفي بتأكيد غضب الله ولعنته عليه”  .

ذلك أنه بالنسبة إلى صاحب “نقد العقل العربي”، فالقرآن قرر حرية الإنسان في الاعتقاد، فهو حر في أن يعتنق الإسلام، لكنه إذا أعرض فليس من حق أحد، بما في ذلك الرسول أن يجبر على عكس ذلك.

إننا نفكر في أهمية هذا الرأي، انطلاقا من الانتصار لحرية الضمير، باعتبارها حقا يهم الاختيار الشخصي في المجال الديني، ويمكّن الفرد من حق السيادة على معتقداته الحميمية، وكأحد مكاسب الدولة المدنية في الأزمنة الحديثة، وهي حرية تجمع وثائق حقوق الإنسان على الاحتفاء بها، لأنها تسمح بتجاوز التمييز بين المواطنين على أساس الدين والمعتقد .

لذلك فترسيخ حرية الضمير، يرتبط بالضرورة بالانتقال إلى حالة من الاجتماع السياسي تنتصر لفكرة المواطنة، التي تعني، أساسا، المساواة تجاه القانون والانتماء إلى دولة المواطنين، وهو ما يعني تجاوز النظر إلى الوطن كجماعة من المؤمنين، والنظر إلى الدين كمحدد وحيد للانتماء إلى الجماعة الوطنية .

المصدر : جريدة اليوم 24

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المجلس العلمي وعابد الجابري المجلس العلمي وعابد الجابري



GMT 09:40 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

فعول، فاعلاتن، مستفعلن.. و»تفعيل» !

GMT 06:51 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

من يسار ويمين إلى قوميين وشعبويين

GMT 07:57 2018 الثلاثاء ,06 آذار/ مارس

أسوأ من انتخابات سابقة لأوانها!

GMT 06:13 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

خطة حقوق الإنسان: السياق ضد النص

GMT 07:07 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

المهنة: مكتب دراسات

GMT 08:13 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 17:59 2019 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء محبطة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 02:12 2018 السبت ,07 تموز / يوليو

قطار ينهي حياة شيخ ثمانيني في سيدي العايدي

GMT 10:19 2018 الثلاثاء ,17 إبريل / نيسان

"خلطات فيتامين سي" لشعر جذاب بلا مشاكل

GMT 13:54 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

نصائح مهمة لتجنب الأخطاء عند غسل الشعر

GMT 13:08 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

اختتام فعاليات "ملتقى الشبحة الشبابي الأول " في أملج

GMT 16:52 2015 الثلاثاء ,14 تموز / يوليو

كمبوديا تستخدم الجرذان في البحث عن الألغام

GMT 04:44 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميم مجمع مباني "سيوون سانغا" في عاصمة كوريا الجنوبية

GMT 06:28 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

خبير إتيكيت يقدم نصائحه لرحله ممتعة إلى عالم ديزني

GMT 12:22 2016 الأربعاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل 7 على الأقل في قصف جوي ومدفعي على حي الفردوس في حلب

GMT 04:48 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمير الوليد بن طلال يؤكد بيع أسهمه في "فوكس 21"

GMT 22:13 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

منتخب غانا يهزم نظيره المصري في بطولة الهوكي للسيدات
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca