أخر الأخبار

الفصل 47

الدار البيضاء اليوم  -

الفصل 47

بقلم : حسن طارق

سواء في هواجس الفقهاء الدستوريين، أو داخل نقاش صالونات السياسيين، أو تحاليل الصحافة، فإن الإشكالات التي قد يثيرها تطبيق الفقرة الأولى من الفصل 47 ظلت دائما واردة .
ذلك أن هذه الفقرة التي تنص على أنه “يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها”، بالقدر الذي قُرِئت كدسترة للمنهجية الديمقراطية، بالقدر نفسه الذي ظلت تحيل
إلى بعض البياضات الممكنة، خاصة فيما يتعلق بعدم الحسم في مسألة التعيين الحصري للأمين العام للحزب، فضلا عن احتمالات فشل رئيس الحكومة المكلف ببناء أغلبيته البرلمانية .
في الخلفية السياسية كانت هذه الفقرة البسيطة تعكس تقدما استراتيجيا في ربط جزء من السلطة بصناديق الاقتراع، وبالتالي في مسار التأويل البرلماني لنظامنا السياسي، ذلك أن خطاب 9 مارس كان قد تحدث في مرتكزه الرابع عن (الحكومة المنتخبة بانبثاقها عن الإرادة الشعبية، المعبر عنها من خلال صناديق الاقتراع)، قبل أن يتحدث خطاب 17 يونيو 2011، عن (تعيين رئيس الحكومة من الحزب المتصدر للانتخابات كتجسيد لانبثاق الحكومة عن الاقتراع العام المباشر).
أما عن علاقة هذا المقتضى الدستوري بالحوار العمومي الواسع الذي انطلق في ربيع 2011، فإن الصيغة التي جاء بها هذا الفصل تبقى أقرب إلى ما اقترحته أحزاب العدالة والتنمية، الاستقلال والتقدم والاشتراكية، على عكس ما ورد من تدقيقات تهم المسطرة والآجال وتتوقع حالات عدم توفق رئيس الحكومة المكلف، من طرف أحزاب الأصالة والمعاصرة، التجمع الوطني للأحرار، الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والاتحاد الدستوري.
المطالبة اليوم، من طرف الأصالة والمعاصرة، بتعديل دستوري يهم هذا الفصل، انطلاقا من استباق أزمة لم تحدث بعد، تحيل في توقيتها إلى بعض عناصر غموض التقدير السياسي الذي يحكم هذا الموقف، وتطرح عودة وإحياء صيغة المذكرة المرفوعة للملك، كحامل “قديم” للمطالب الدستورية، لكن في سياق مختلف، سواء من حيث فردية المبادرة السياسية، ومن حيث مضمونها الجزئي (الميكرو دستوري)، أو من حيث انفلاتها من السياق العام الذي ظل يؤطر سياسة المذكرات، والمرتبط أساسا بوجود حالة إصلاح عامة .
العودة إلى صيغة “المذكرة” لا تنتبه إلى أن سياق 2011، قد أحدث انقلابا في “براديغم” ومعادلة الإصلاح الدستوري، والتي لم تعد رهينة للحوارية الثنائية بين الملكية والأحزاب، بقدر ما تحولت إلى قضية مجتمعية تتطلب سقفا من التعبئة العامة .
وهي المطالبة كذلك، التي قفزت من جديد على الإمكانيات التأسيسية التي يمنحها الدستور للبرلمان، في مجال تعديل القانون الأسمى.
مطالبة تطرح، أيضا، السؤال حول تقدير درجة تحمل الزمن السياسي والدستوري هنا والآن، لفتح ملف الإصلاح الدستوري بآثاره المهيكلة وكلفته المؤكدة، وما إذا كان الأمر سيصبح مطلبا آنيا للتعبئة، أم مجرد تسجيل موقف سياسي؟
وإذا كان الأمر يتعلق بالفرضية الثانية، فلماذا اختيار صيغة المذكرة؟ إذ كان سيكفي في هذه الحالة التذكير بالصيغة المقترحة من طرف الحزب أمام لجنة المراجعة الدستورية!
تحمل القاعدة القانونية بالطبيعة قدرة مزدوجة على استيعاب الواقع وعلى التنبؤ بالمستقبل، لكنها تظل في النهاية عاجزة بالضرورة عن مواكبة تعقد وتركيب الظاهرة الاجتماعية والسياسية، وهو ما يفسح المجال بالتالي للتأويل والأعراف والممارسة .
وإذ يبقى القانون الدستوري، الأقرب إلى التعبير عن الميثاق السياسي المحدد لقواعد العملية السياسية ومرجعيات البناء المؤسساتي، فالمفترض أن رهانات تغييره لا ترتهن إلى مقتضيات التدبير التكتيكي المرتبط بالحسابات الحزبية الخاصة، وهو الذي يعبر عن الاتجاهات العامة للمشترك الوطني .
من جهة أخرى يوضح واقع وتاريخ الممارسة الدستورية المقارنة، أن تواتر أزمات تشكيل الحكومات، لا يرتبط دائما بالعجز المعياري داخل النص الدستوري، بقدر ما يجد فرضياته التفسيرية في طبيعة المنظومة الحزبية، ومضامين القوانين الانتخابية، واتجاهات الثقافة السياسية السائدة.
إن قراءة الفصل 47، لا تنفصل عن تاريخ وسياقات فكرة “المنهجية الديمقراطية”، وهو بالتالي نص لا يمكنه أن يقبل أي تأويل أو حتى تعديل يفضي به إلى ما هو ليس “منهجية ديمقراطية”، وليس “انبثاق السلطة التنفيذية من الاقتراع العام “!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفصل 47 الفصل 47



GMT 09:40 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

فعول، فاعلاتن، مستفعلن.. و»تفعيل» !

GMT 06:51 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

من يسار ويمين إلى قوميين وشعبويين

GMT 07:57 2018 الثلاثاء ,06 آذار/ مارس

أسوأ من انتخابات سابقة لأوانها!

GMT 06:13 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

خطة حقوق الإنسان: السياق ضد النص

GMT 07:07 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

المهنة: مكتب دراسات

GMT 17:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 23:36 2018 الأربعاء ,31 كانون الثاني / يناير

توقيف ممرضتین لتصويرهن شخص مُسن وهو يُمارس العادة السرية

GMT 08:11 2017 الأحد ,31 كانون الأول / ديسمبر

خطيبة "شيكابالا" تخطف الأنظار بإطلاله ساحرة وجذابة

GMT 12:04 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قوات الاحتلال تعتقل فلسطينيًا من بلدة حلحول شمال الخليل

GMT 14:25 2015 السبت ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

أهم عشرة ممرات وأروقة تجارية تميز مدينة إسطنبول التركية

GMT 22:05 2015 الإثنين ,22 حزيران / يونيو

المهاجم أشرف بنشرقي تحت مجهر "أودينزي" الإيطالي

GMT 15:09 2017 الأحد ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

فالفيردي لن يطلب "الصفح" وغير قلق من سواريز
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca