المجتمع المدني كحالة ثقافية

الدار البيضاء اليوم  -

المجتمع المدني كحالة ثقافية

بقلم : حسن طارق

عقدت في نهاية الأسبوع الماضي، بالرباط، ندوة فكرية للمركز العلمي العربي للأبحاث والدراسات الإنسانية، حول: “مستقبل المجتمع المدني على ضوء التحولات العربية الراهنة “.

الندوة المهمة، شكلت مناسبة لما سمّاه المفكر محمد سبيلا مغامرة للخروج من التصورات الجاهزة، اليومية والمستهلكة التي ينتجها الفاعلون حول الموضوع.

الواقع، أنه في بداية التسعينيات كان ظهور مفهوم “المجتمع المدني” محكوما، بتحولات سياسية جعلت من الممكن انبثاق مسافة ممكنة بين مشروع الدولة ومشروع المعارضة، تسمح بظهور مقاربات أخرى للشأن العام من طرف فاعلين جدد، وبتحولات اقتصادية جعلت نموذج الاقتصاد السياسي المبني على الهيمنة الدولتية للقطاع العام يصل إلى مأزق حاد.

في الخلفية العامة، كان الأمر يتعلق بمفردة تنتمي إلى المعجم الجديد “للديمقراطية وحقوق الإنسان”، الذي جاء على أنقاض المعجم الآيل للأفول والمشكل حول شعارات: “الوحدة، الاشتراكية والتنمية”، بحكم سياق تحولات ما بعد 1989.

تلقِّي النخب المغربية والعربية للمفهوم، انطلق من لحظة إعادة إحيائه في مسار التحول الديمقراطي لدول أوروبا الاشتراكية، لذلك ظل يحمل في التداول العمومي مضمون السلطة المضادة للدولة، أكثر مما يحمل مضمونه التأسيسي كما برز في عصر الأنوار، باعتباره جزءا من منظومة الحداثة السياسية المبنية على العقد الاجتماعي وتحرير المجال السياسي من السلطة الدينية .
استحضار سياق تبلور المفهوم، وزمن إعادة إحيائه، وتحليل مستويات تلقيه واستعمالاته في بلادنا، يبقى مهما من أجل ممارسة نقد مزدوج للتمثلات الجماعية المنتجة حول المجتمع المدني ولواقع الممارسة؟

ذلك أن هذا النقد يسمح بتفكيك الخطاب حول المجتمع المدني وتحليل منطق الاستعارة الذي ينبني عليه.

أولى الملاحظات على هذا الخطاب المنتج داخل فضائنا العمومي، هي الميل إلى اختزال دينامية المجتمع المدني في خريطة الجمعيات، والانزلاق تبعا لذلك في تقييم هذه الدينامية بناءً على مؤشرات كمية، تكاد توحي بأن الكثافة الجمعوية تعني انتقالا جاهزا كاملا، إلى حالة مجتمع مدني بكل حمولته القيمية.

من ذلك ما يبدو من سيادة لتصور مغرق في الشكلانية، لا يتحدث إلا لغة القانون لكي يحكم على ظاهرة مجتمعية معقدة انطلاقا من التقدم المعياري المسجل في النصوص.

ثاني الملاحظات، ترتبط بهيمنة رؤية للمجتمع المدني بتصور معاكس لوظيفته الأصلية، يتحول معها إلى مجرد أداة في خدمة أجندة سياسات الدولة وامتداد عضوي لبرامجها.

ثالثها، يرتبط برهان الإيديولوجيا القانونية على تنميط المجتمع المدني في خانة خدماتية، وتسييبج حرية أدائه بمجموعة من المساطر والإجراءات، مع استبعاد إمكانيات إسهامه في التنمية الديمقراطية أو الحوار العمومي وتدعيم الحس النقدي العام.

كل هذه الملاحظات السريعة على السهولة التي يتم عبرها تداول مفهوم “المجتمع المدني”، تتطلب التذكير بأن الأمر يتعلق في النهاية بحالة ثقافية وليس حالة قانونية، وبأن مسار تشكله لا يوجد بعيدا عن دينامية بناء المواطنة كمسار تاريخي وثقافي وسياسي وقيمي طويل ومعقد.

لذلك يبقى المجتمع المدني مشروعا ينتمي إلى المستقبل، ويرتبط بأفق الحداثة السياسية والمواطنة والحرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المجتمع المدني كحالة ثقافية المجتمع المدني كحالة ثقافية



GMT 09:40 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

فعول، فاعلاتن، مستفعلن.. و»تفعيل» !

GMT 06:51 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

من يسار ويمين إلى قوميين وشعبويين

GMT 07:57 2018 الثلاثاء ,06 آذار/ مارس

أسوأ من انتخابات سابقة لأوانها!

GMT 06:13 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

خطة حقوق الإنسان: السياق ضد النص

GMT 07:07 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

المهنة: مكتب دراسات

GMT 19:15 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 16:52 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الإصابة تحرم الأهلي من رامي ربيعة في مباراة الإسماعيلي

GMT 23:44 2017 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

شمال الأطلنطي يحسم بطولة كأس الجامعات القطرية للرجال

GMT 15:27 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

التصميم المميز للزجاجة والروح الأنثوي سر الفخامة

GMT 08:49 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

أليساندرو سارتوري يسرق الأنظار إلى "زينيا" بابتكاراته

GMT 12:55 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

جزيرة منمبا في زنجبار تتمتع بمناظر طبيعية نادرة ورومانسية

GMT 04:30 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الإبلاغ عن العنف الجنسي يعصف بحياة السيدات في الهند

GMT 02:35 2017 الجمعة ,05 أيار / مايو

سيارة فيراري "275 غب" 1966 معروضة للبيع

GMT 05:29 2016 الأربعاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الصين تفتتح أفخم فندق سبع نجوم بتكلفة 515 مليون دولار

GMT 02:01 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

5 خطوات مميّزة للحصول على درجة علمية عبر الإنترنت
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca