أزمنة البرلمان

الدار البيضاء اليوم  -

أزمنة البرلمان

بقلم حسن طارق

في نهاية الأسبوع الماضي، نظمت الجمعية المغربية للقانون الدستوري، طاولة مستديرة في موضوع: “الرقابة البرلمانية على الحكومات”، وذلك بمدينة مراكش. هذا اللقاء الذي نظم بشراكة مع الجمعية الدولية للقانون الدستوري، وعرف مشاركة باحثين من عدد كبير من الدول، شكل مناسبة ثمينة للإطلاع على وضع البرلمانات في عديد من الدول والتجارب المختلفة.

وهو ما يسمح باستئناف التفكير في واقع العمل البرلماني المغربي، من زوايا نظر مقارنة ومنفتحة على تجارب متنوعة في السياق، والتاريخ والمرجعية والممارسة.

إذ تبرز في البداية ملاحظتين حاسمتين، في بناء المقارنات الممكنة. أولاها تتعلق بضعف الحمولة التاريخية التي تحملها الممارسة البرلمانية المغربية، قياسا مع العديد من التجارب المقارنة التي تجر وراءها تاريخا طويلا من التراكمات والتقاليد، تقدر بعشرات العقود والأجيال المتعاقبة.

والثانية، ترتبط بالغربة “الثقافية” للممارسة البرلمانية، داخل مجتمع مثل المجتمع المغربي، ذلك أن الثقافة السياسية الديمقراطية لم تترسخ بالشكل الكافي لاحتضان قيم المواطنة. إذ نبقى عموما في سياق تأسيسي، لا يواجه فقط، إكراهات مؤسساتية ودستورية، بل يعرف، كذلك، مقاومة على مستوى الذهنيات، ذلك أننا لم نصل بالتأكيد إلى ممارسة سياسية ومدنية مشبعة بفكرة التمثيل السياسي، وبسلطة الانتداب الانتخابي الدوري، وبمبادئ الشرعية المنبثقة من صناديق الاقتراع.

يوجد البرلمان المغربي، معلقا وسط الهشاشة المؤسساتية، في الأدوار والوظائف والبنية، مطوقا بانتظارات النخب التي تجعل منه فاعلا مركزيا في مسلسل الانتقال، وبين تمثلات عموم المواطنين التي لا تكاد تنظر إليه إلا كوسيلة للترقي الاجتماعي، وفي أحسن الحالات انطلاقا من منظور يخلط بين الوساطة والتمثيل.

إنه ضحية لمفارقات تداخل مفروض للأزمنة التاريخية والسياسية التي يعيشها، فهو مطالب من جهة، بمواجهة أعراض زمن “ما بعد السلطوية”، من خلال تجاوز حالة اللافعالية والرمزية والشكلانية، التي كرستها سنوات السلطوية، والتي طالما اعتبرته، ضروريا، لكن كمجرد واجهة بلا مضمون، إذ إنه يشكل في العمق نقيضا لعقيدتها القائمة على معاداة السياسة والتداول والشرعية الشعبية، ومن جهة مقابلة يجد نفسه، في الوقت ذاته، متأثرا بأعراض زمن “ما بعد الحداثة”، حيث هامش السياسة يزدادا ضيقا أمام سطوة “الخبراء” وعالم الاقتصاد، والأسواق المالية، وحيث “البرلمانات” تعيش اندحارا في الدور والتأثير داخل كل الديمقراطيات، وحيث مؤسسات الديمقراطية التشاركية، وثقافة “ديمقراطية الرأي” المبنية على الرقابة الشعبية لوسائط الاتصال الجديدة، تستمر في تقويض معالم الديمقراطية المبنية على التمثيل والانتخاب والأحزاب.

وبذلك يكون على البرلمان، الذي يعاني أصلا من أعطاب أصلية في محددات التنخيب والولوج، والمحاصر بالتشكيك المنهجي في هويته ووجوده، أن يدبر توزعه  بين “زمن الانتقال الديمقراطي” المتميز بتوطيد الشرعية الشعبية، وبين “زمن الحكامة” المتميز بتمكين مؤسسات الخبرة وسلطة الاستشارة، وأن ينتزع، في الأخير، لنفسه مساحة معقولة من الرقابة والتأثير، وسط سيادة دوائر اللامسؤولية داخل بنية السلطة التنفيذية، في الوقت نفسه الذي يتعرض فيه لمنافسة ضاربة مع آليات لحوارات العمومية والاستشارية، ومع مؤسسات الحكامة.

  • السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر GMT 09:09 2016 47 ـ 1

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أزمنة البرلمان أزمنة البرلمان



GMT 09:09 2016 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

47 ـ 1

GMT 11:50 2021 الثلاثاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 11:56 2021 الثلاثاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 13:15 2020 السبت ,16 أيار / مايو

بريشة : هارون

GMT 22:06 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

كيفية التعامل مع الضرب والعض عند الطفل؟

GMT 00:54 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

"المغرب اليوم"يكشف تفاصيل أزمة محمد رشاد ومي حلمي كاملة

GMT 20:23 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مسرحية "ولاد البلد" تعرض في جامعة بني سويف

GMT 22:59 2017 الخميس ,12 تشرين الأول / أكتوبر

إتيكيت تزيين الطاولة للمزيد لتلبية رغبات ضيوفك

GMT 16:49 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

العراق يستلم من إيطاليا تمثال "الثور المجنح" بعد ترميمه رسميًا

GMT 08:07 2017 الأربعاء ,16 آب / أغسطس

شبكات التواصل بين السلبي والإيجابي

GMT 02:07 2017 الأربعاء ,10 أيار / مايو

كواليس عودة " عالم سمسم" على الشاشة في رمضان
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca