كل هذا الحب!

الدار البيضاء اليوم  -

كل هذا الحب

بقلم : رشيد مشقاقة

إلى العالم الراحل أحمد زويل

أنا اشتريت مقبرة ببلدي مصر، فأنا مدين لها بما أنا فيه الآن. لِفَقِيه الجامع البئيس الذي زرع في قلبي بذرة الإيمان وفي عقلي بذرة العلم. ولِمَاءِ نِيلهِا الذي طهَّرنِي جَسَدًا ورُوحًا، ولِتُرْبتِها التي كونتني لَحْماً ودَماً.
لو لم أحلق خارج حدودها لأَخْدُمهَا لكنت بها أستاذاً مغموُراً، فنحن نَئِدُ أفْرَاخ العلم زُغْبُ الحواصل لا مَاءٌ ولا شجَرُ، لذلك نحن فاشلون!
في الجامعة التي أسسناها، نستقبل أبناءنا المتفوقين، نعطي للمجانية مفهومها السليم لا المغلوط، فنحن نمتحن قدرات أبنائنا على يد كبار الأساتذة المتخصصين حتى إذ نجحوا في الاختبار، ميزنا بين من يقوى على أداء رسوم رمزية ومن لا يقدر. هُمْ الآن انخرطوا كلهم في الدرس والتحصيل. مشكلتنا أننا آثرنا الاستثمار في السلع فدَفَعْنَا بالكسالى المحظوظين إلى الصفوف الأولى ودمرنا العقول المتفوقة البائسة، فلن نَنْجَحَ أبدا!
الفضْلُ في المدينة العلمية التي أسسناها للأيادي البيضاء من أبناء مصر وعلماء العالم، الجميع منهم يشهد أن طلبتي من المتفوقين الأذكياء الواعدين، لا مجاملة عندنا ولا بيروقراطية ولا يحزنون! تسألني عن البحث العلمي، أقول لك إننا لا نوليه اهتماما، فقد ألفنا اسْتِيرادَ كل منتج علمي، لذلك ارتفعت نسبة الجهل وزاد المرض وتفاقم الفقر. هل تعلم أن إنتاج مصل واحد يعالج داء مستعصيا تساوي العُلْبَةُ الواحدة منه بليون دولار؟ لو أننا استثمرنا في البحث العلمي، وشجعنا أبناءنا عليه، هل كان الكوريون والصينيون أو غيرهم يكتسحون هذا المجال!
آفتنا أننا نتكلم كثيرا ولا نعمل، عدد الكلمات التي فاه بها وفْدٌ صيني استقبلناه لا تتجاوز فقرة أو فقرتين، أمّا نحن فلم تَكْفِنَا حماسة أبي تمام والبحتري والمتنبي! هم يعملون ونحن نُغَنِّي مثل الصّرار والنملة!
لا أملك شيئا من حُطام الدنيا، غَالِبيَّةُ الشعب المصري البسيط يعرفون أنَّنا لسنا أصحاب مصلحة خاصة. سألت نجيب محفوظ عنهم، قال لي: إنَّهُم طيبون، والفاشلون حاقدون، ولو كتب لي أن أقضي آخر يوم في حياتي مع أحد ما، لقضيته مع نجيب محفوظ، أصْغِي إلى أم كلثوم، فهي سفيرة الفن، وطبيبة القلوب، وعلى آهات صوتها أنجزت أبحاثي!
تؤسفني حالة الفقر التي عليها البلاد، كان يمكننا أن نكون أحسن بكثير، ليست لي طموحات سياسية أبدا، أنا أحب هذه الأرض الطيبة، آوتني أمريكا وشَجَّعَتْني طالبَ علم وعالم، لكنها لم ولن تنزع عني هذا الإحساس الصادق بأنني من قرى مصر، من أبنائها البسطاء، لذلك أوصيت أن أدفن بها، وأن يحمل مِشْعَلَ المدينة العلمية زملائي وأبنائي المصريون، ولن يخِيب الأمل. أشهد أن لا موطن لي سوى بلدي مصر: مَوْلِدًا وَمْرقدِاً.
هذا بعض ما قاله العالم المصري العربي أحمد زويل في حُبِّ مصر. هل تحسبونه ميتا؟ لا نحن الأموات!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كل هذا الحب كل هذا الحب



GMT 04:53 2017 الأربعاء ,17 أيار / مايو

غَنِّي لِي شْوَيَّ وْخُذْ عينيَّ!

GMT 04:46 2017 الأربعاء ,10 أيار / مايو

السَّمَاوِي!

GMT 05:44 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

شُفْتِنِي وَأَنَا مَيِّت!

GMT 05:01 2017 الأربعاء ,26 إبريل / نيسان

القاضي الشرفي!

GMT 04:55 2017 الأربعاء ,19 إبريل / نيسان

لاَلَّة بِيضَة!

GMT 18:10 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 17:54 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 08:43 2018 الثلاثاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

عدد جديد من المجلة الكويتية الفكرية المحكمة «عالم الفكر»

GMT 06:30 2018 الأحد ,28 تشرين الأول / أكتوبر

نهاية بادي تغوص داخل أعماق النفس البشرية في "حمامة سلا"

GMT 04:52 2013 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

الحجاب يزيد من جمال المرأة

GMT 19:32 2015 الجمعة ,04 كانون الأول / ديسمبر

مكب قديم للنفايات يكشف عن خاتم الملك اليهودي حزقيا

GMT 09:53 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

"الكهرباء المصرية" 12 ألفًا و500 ميغاوات زيادة متاحة عن الحمل
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca