البطل!

الدار البيضاء اليوم  -

البطل

بقلم : رشيد مشقاقة

بلادنا وَلاّدة، فقد أنسانا بطل مدينة تيفلت هزائمنا بالبرازيل، فالرجل قتل حَيَّةً نقلتها شاحنة مع أعواد الغابة لتستقر بحمام المدينة، ثم بدار البطل!!
كانت تغطية القناة الثانية للحدث وإعادة تمثيل المبارزة غاية في الإخراج والتشويق، مهدت لها بالسيرة الذاتية للبطل، فهو إنسان بسيط بلا عمل تقريبا. يقول شاهد العصر من أبناء الحي: “فاجأنا الرجل، فإلى حدود تاريخ قتل الحية لم تكن نجوميته قد ظهرت بعد، شاب رحيم بأخته المريضة، يعولها من أجره كعامل نظافة، يقضي أوقات فراغه بالمقهى يدخن السجائر رفقتنا. ما كنا نَظُنُّ أنه بهذه البَسَالةِ والشجاعة النادرة. لقد شرّف حينا!!”
والحقيقة أن ما قام به البطل رفع عن ساكنة الحي حالة الرعب والهلع التي قضّت مضجع السكان. ما إن وطأت الحية أرض تيفلت، وشاع الخبر وسط الساكنة حتى تبدّل الحال، الكل مهموم شيبة وشبابا، النساء يطلين الجدران والنوافذ بمادة “القَطْرَان” والذين تعرفوا على جحر الحية أضرموا النار وصبوا الماء الساخن وقرؤوا التعاويذ، وباءت المساعي بالفشل. قطع الثعبان صلة الرحم عن هذه المدينة، لا حديث بالمقاهي والحمامات الشعبية إلاّ عن هذه الحية، ومن المفتين من اعتبر دخولها مدينة تيفلت غضب من الله!!
بِعَيْنَينِ محلقتين في غير ما اتجاه، يقول البطل لقَنَاة “دوزيم” إنَّ صبره مع الأيام بدأ ينفذ، في كل مرة تخبره أخته والسكان بمكان تنقل الحية، وفي مشهد مرعب ترتفع زقزقة الطيور ليلا، وهو ما يؤكد على لسان أحد حكماء المدينة أن الحية خرجت من جحرها. وأن ساعة الصفر دقت ناقوس الخطر.
وفي ليلة من ليالي رمضان، تناول البطل فطوره على مضض، وخرج إلى ساكنة الحي ينفث همومه في دخان السجائر، وتناهى إلى سمعه صوت أخته ينادي!
ـ وامعتصماه! وامعتصماه! الحية اختبأت وراء الثلاجة!!!
استعان البطل بعصا المكنسة وشمّر عن ساعديه، ولم يُبَالِ بالموت الزؤام، دفع الثلاجة جانبا، وهوى على الحية بالعصا، فأرْدَاهَا قتيلة، وتفنن في تقطيعها، في وقت تعالى فيه صياح سكان المدينة رافعين أعلام النصر. مرددين “هِي هُو مبروك علينا هذي البداية مَازَالْ مَازَالْ”. كان البطل المغوار يحمل الثعبان الميت في كيس بلاستيكي، محمولا على الأكتاف ولا أدري من أين تلطخت يده بالدماء، والحال أن العصا هي من قتلت الحية، لم تنم مدينة تيفلت تلك الليلة من فرحتها، النساء والرجال زاروا دار البطل، يهنئونه على ما قام به. وقد أبدعت القناة الثانية في تصوير مشهد البطل الملوث بدماء الحية، وجمهور المدينة يرفعه عاليا إلى “بوديوم” التتويج. على أن القناة الثانية قصرت في حق البطل، فقد كان من باب أولى أن ينتهي البرنامج، بحضور الوزير مصطفى الخلفي ومدير القناة ومعد البرنامج لتتويجه، وتشجيعه على المضي في ما قام به. ويبدو أن إهمال مثل هذه الطاقات المغمورة أصبح سُنَّةً مؤكدة.
استمتعت فعلا بما قامت به القناة الثانية، وتبدل وجومي من انكساراتنا في البرازيل إلى فرحة عارمة، فهذا البطل الذي قتل حية تظهر أحيانا من خلال التصوير بأحجام مختلفة إلى الحد الذي تشبه فيه دُودَةُ القز، اشتغل خارج إطار القانون، فالمؤكد أنَّ المدينة تخضع لدستور وقانون ولها مجلس جماعي، ومرافق عمومية، ومن المؤكد أيضا أن أمن الأشخاص وسكينتهم ينظمُهُمَا القانون نصوصا وأشخاصا، غاب كل هذا تماما، وعاشت الساكنة رعبا لأزيد من شهر، رغم أن مكان الحية بالزقاق معروف العنوان.
ذكّرني ما أرى بالإنسان الحجري الذي كان يعتمد على قدراته البدنية لصد الخطر عنه. على أن ما قامت به القناة الثانية أحدث تذَمُّراً لدى البعض، فقد أشار صاحبي إلى ابنِ الحي الذي تضاهي بطولته أو تفوق بطل الحية، إنه أنْقَذَ صاحبة الصيدلية من صرصار دخل عيادتها فأحدث الرعب بين المستخدمات، واستطاع الشاب قتله، ألا يستحق الرجل التتويج أيضا!
بلادنا ولاّدة، نحن لا نفشل أبدا. اللهم لا حسد!!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البطل البطل



GMT 04:53 2017 الأربعاء ,17 أيار / مايو

غَنِّي لِي شْوَيَّ وْخُذْ عينيَّ!

GMT 04:46 2017 الأربعاء ,10 أيار / مايو

السَّمَاوِي!

GMT 05:44 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

شُفْتِنِي وَأَنَا مَيِّت!

GMT 05:01 2017 الأربعاء ,26 إبريل / نيسان

القاضي الشرفي!

GMT 04:55 2017 الأربعاء ,19 إبريل / نيسان

لاَلَّة بِيضَة!

GMT 11:50 2021 الثلاثاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 11:56 2021 الثلاثاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 13:15 2020 السبت ,16 أيار / مايو

بريشة : هارون

GMT 22:06 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

كيفية التعامل مع الضرب والعض عند الطفل؟

GMT 00:54 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

"المغرب اليوم"يكشف تفاصيل أزمة محمد رشاد ومي حلمي كاملة

GMT 20:23 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مسرحية "ولاد البلد" تعرض في جامعة بني سويف

GMT 22:59 2017 الخميس ,12 تشرين الأول / أكتوبر

إتيكيت تزيين الطاولة للمزيد لتلبية رغبات ضيوفك

GMT 16:49 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

العراق يستلم من إيطاليا تمثال "الثور المجنح" بعد ترميمه رسميًا

GMT 08:07 2017 الأربعاء ,16 آب / أغسطس

شبكات التواصل بين السلبي والإيجابي

GMT 02:07 2017 الأربعاء ,10 أيار / مايو

كواليس عودة " عالم سمسم" على الشاشة في رمضان
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca