تعالوا نزور معرض الكتاب!

الدار البيضاء اليوم  -

تعالوا نزور معرض الكتاب

بقلم : جمال بودومة

تمر السنوات ويتعاقب الوزراء والمديرون والناشرون والكتّاب، و”معرض الدار البيضاء للكتاب والنشر” على حاله: يحف الشارب ويعفو عن اللحية ويرتدي اللباس الأفغاني. اللقاءات والندوات والتوقيعات ورواق وزارة الثقافة وجاره المخصص لمجلس الجالية المغربية في الخارج.. تبدو كأنها خدع بصرية، تخفي حقيقة مقلقة:  الحدث أصبح موعدا سنويا لنشر الفكر الخرافي والتكفيري. جولة صغيرة بين الأروقة تجعلك تكتشف أن الكتاب السلفي هو الأكثر رواجا. مؤلفات تدعو إلى العنف وتحرض على الكراهية وتمجد العنصرية تُعرض بكل حرية، وتحقق نجاحا منقطع النظير، مع  كتب الطبخ و”كيف تصبح مليونيرا” و”لا تحزن”، وكلاسيكيات “نظرية المؤامرة”، فضلا عن الترجمة الرديئة لـ”كفاحي” و”بروتوكولات حكماء صهيون”، بتوقيع عباس محمود العقاد، وغيرها من المؤلفات التي تبث الخرافة والجهل والعنف والإقصاء في عقول الأجيال. ناهيك عن “الخيام” الضخمة التي تنصبها بعض الدول الخليجية في فضاء المعرض، لترويج “كميات وافرة” من الكتب السلفية والتكفيرية بأسعار بخسة أو توزيعها بالمجان على مواطنين بسطاء، يفرحون “للفابور”، دون أن يعرفوا أنهم سيدفعون الثمن غاليا في النهاية. ولا أعرف كيف يسمح المسؤولون بإغراق الأروقة بمثل هذه الكتب الخطيرة والتافهة؟ وهل ثمة من يراقب قائمة المؤلفات قبل السماح للناشرين بعرضها أم إن الحبل متروك على الغارب؟ المفروض أن معرض الكتاب ليس سوقا يدخله من هب ودب، بل هو مناسبة ثقافية رسمية، يمولها دافع الضرائب، للتعريف بالإصدارات التي ترقى بالفكر وتهذبه، وتنظيم لقاءات بين الكتاب وقرائهم. كيف يعقل أن تتحول إلى خيمة واسعة لترويج كتب تشكل خطرا على عقول الأجيال الصاعدة؟ الحكمة تقتضي أن يتم التعامل مع المؤلفات التي تنشر التطرف والعنصرية بحزم أكبر، لكن السنوات تمر، والمعارض تتعاقب، دون أن يتغير أي شيء. “لمن تعاود زابورك يا داود”!

إذا كانت الدولة، عبر وزارة الثقافة، تشرف على نشر مثل هذه الكتب، علينا ألا نستغرب ونحن نرى الحضيض الذي وصل إليه النقاش الفكري في بلادنا. تكاد تفتش المشهد بكامله ولا تعثر على فكرة واحدة تدفع هذا المجتمع إلى الأمام. الشعارات أخذت مكان المشاريع، والشتائم حلت مكان النقاش والعنف أخذ مكان الحجة. لا كتب ولا أفكار ولا مقترحات جدية. السيدة المحترمة التي كنا نسيمها “الثقافة المغربية”، لم يعد يهمها إلا الرقص والغناء والتمثيل، تحزمت وصعدت إلى المنصة بحثا عن الأضواء. كأن الجميع تواطأ على الانصراف إلى الموسيقى والسينما، وترك بقية الأشكال الثقافية تموت، وفي مقدمتها الكتاب. المغاربة لا يقرؤون طبعا، رغم أنك عندما تتأمل الكتب التي تصدر وتقوم بجولة صغيرة في معرض الكتاب، تقول معهم حق: “واش هادي كتوبا يقراها الواحد؟!”

عندما كان المغرب بالأسود والأبيض وكان على الملعب فريقان واضحان، مخزن ومعارضة، وقف المثقف على اليسار ينتج ويناقش ويقترح، لكن هذه الحيوية خفتت بالتدريج، مع بداية ما سُمي بـ”التناوب”. بعد أن استنزفت السلطة قوى اليسار، أفلست كل المشاريع الكبيرة والصغيرة، وماتت المجلات الثقافية، واحتضر النقاش الفكري، وتراجع الإنتاج الإبداعي، وتوفي “اتحاد كتاب المغرب”، وتحول المثقفون إلى مرتزقة على أبواب السياسيين والخليجيين ومن يدفع أكثر، والكبار صمتوا لأسباب غامضة.

التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية العميقة، التي شهدتها بلادنا في العقدين الأخيرين، لم يواكبها نقاش فكري أو دراسات أو إنتاجات إبداعية في مستواها. أين كنا وأين وصلنا؟ في 1964 أسس محمد خير الدين مجلة اسمها “Poésie toute”، وعمره ثلاثة وعشرون عاما، وفي السنة الموالية نشر مصطفى النيسابوري مجلة أخرى عنوانها: “Eaux vives” وعمره واحد وعشرون عاما، وفي 1966 أسس اللعبي مجلة “أنفاس” وعمره ثلاثة وعشرون عاما… في الأدب فقط، دون الحديث عن المطبوعات الفكرية والاقتصادية والسياسية. يبدو أن ثقافتنا أُصيبت بأزمة قلبية أدخلتها إلى “الكوما”، وهي ترقد من سنوات في قسم العناية المركزة، دون أن يزورها أحد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تعالوا نزور معرض الكتاب تعالوا نزور معرض الكتاب



GMT 09:04 2019 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

جمال بدومة يكتب.. هذا الميت سيعيش طويلا!

GMT 05:15 2019 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

قبل فوات الأوان!

GMT 05:03 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

دسائس البلاط

GMT 09:55 2019 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأمكنة أيضا تموت!

GMT 09:52 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الأمكنة أيضا تموت!

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 12:41 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تبدو مرهف الحس فتتأثر بمشاعر المحيطين بك

GMT 09:52 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

أمطار صيفية تعزل دواوير ضواحي تارودانت

GMT 07:59 2018 الأحد ,15 تموز / يوليو

"بورش" تحتفل بالذكرى الـ70 لسيارتها الأولى

GMT 16:15 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

سامح حسين يكشف عن الأفيش الأول لـ"الرجل الأخطر"

GMT 08:36 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

النفط ينخفض مع تهديد الصين برسوم جمركية على الخام

GMT 05:34 2018 الإثنين ,11 حزيران / يونيو

تعرف على أبرز علامات ظهور "ليلة القدر"

GMT 23:49 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

الليمون الحل النهائي للقضاء على "قشرة الشعر"

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca