أخر الأخبار

“نمْ مطمئنا يا عمر!”

الدار البيضاء اليوم  -

“نمْ مطمئنا يا عمر”

بقلم - جمال بودومة

الاثنين 18 دجنبر. السابعة مساء أمام البرلمان. تظاهرة صغيرة في الساحة المقابلة لمطعم “كاسا خوسي”، لا تكاد تسترعي الانتباه. الناس يجيئون ويذهبون في شارع محمد الخامس غير مكترثين، فيما بضعة أشخاص يحملون شموعا ويرفعون لافتة تتوسطها صورة رجل بملامح مألوفة، بمجرد ما تراه تحس أنك لمحت فردا من العائلة: عمر بنجلون… لكن أين العائلة؟ عشرة أشخاص ولافتة، أهذا كل ما تبقى من “رفاق الشهداء”؟ على اللافتة كُتب بخط عريض: “حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي يخلد الذكرى 42 لاغتيال الشهيد عمر بنجلون”. رحم الله أحمد بنجلون وأطال في عمر عبدالرحمان بنعمرو، والخزي والعار لكل الذين باعوا “الماتش” مقابل منصب مخزن أو مقعد في البرلمان، أولئك الذين فهموا أن الانتماء إلى “الطليعة” معناه “الطلوع” إلى القمة، على جثث الشهداء ومبادئ الحزب، وما أكثرهم. لكن “بيت” بنجلون وبنعمرو سيظل كما كان، صامدا وسط العواصف، وقلعة للرفاق القابضين على الجمر، أولئك الذين لم يتخلّوا عن الرسالة التي كتبها الشهيد بدمه، ولم يقايضوا التركة بحفنة من الامتيازات، ولم يستعملوا جثته للاستجداء والارتزاق والابتزاز. أشخاص من معدن نادر، كل واحد منهم بألف رجل، في زمن الكراكيز والبهلوانات، يستحقون فعلا أن نسميهم “رفاق الشهداء”!
أما رفاق “المكتب السياسي”، فقد انقرضوا تماما. لم يعد الثامن عشر من دجنبر يعني لهم أي شيء. قلبوا المعاطف وقتلوا العواطف، وتحولوا إلى رقم صغير في “المعادلة المخزنية”. بسبب الانتهازيين والمتهافتين، تحول الحزب الكبير إلى دكان صغير، ما يشبه “محلبة” في “حي الرياض”، تسيرها حفنة من الوصوليين، ممن باعوا الأثاث والمقررات والمبادئ والقناعات، ليحصلوا على امتيازات وغنائم لهم ولأبنائهم، وفيلات فسيحة لا تمنح إلا لـ”خدام الدولة”، ومازالوا يستجدون المناصب والوزارات. الكارثة أن صورة عمر بنجلون ماتزال على الصفحة الأولى من جريدة لم يعد يقرؤها أحد، بعدما سطت عليها كتيبة من القراصنة. لقد ماتت يومية “الاتحاد الاشتراكي” من زمان، ولأن الجثة لم تدفن، تحلق حولها الضباع وأكلة الجيف، الذين لا يترددون في استعمال جثث الشهداء لابتزاز خصومهم بحثا عن حقيبة أو كرسي!
في سنوات الحلم الأولى، لم يكن “الاتحاد الاشتراكي” بالنسبة إلينا مجرد حزب، بل عائلة وبيتا ومدرسة، تعلمنا في مقراته التضحية والجهر بالحق والدفاع عن المبادئ، ورددنا أناشيد الصمود: “حيوا صمود الجماهير، حيوا النضال المستمر… نمْ مطمئنا يا عمر، نحن البديل المنتظر…”، وأول تنظيم أنشأناه في الثانوية، كان على شكل خليتين، تشرّف العبد الضعيف بترؤس واحدة منها، كان اسمها “خلية عمر بنجلون”. وفي “ورش الدار البيضاء” عام 1992، عندما كان نوبير الأموي مسجونا، كانت مجموعتنا أيضا تسمى “عمر بنجلون”. عمر بنجلون هو تشي غيفارا، الذي زرع فينا الإصرار والصمود والعناد، وجعلنا نحلم بمستقبل أجمل في البلاد التي…
لا أعرف لماذا تذكرت نقاشا قديما مع أحد الوزراء الاتحاديين، من محدثي النعمة، الذين وصلوا إلى الحكومة بضربة حظ مجنونة عام 1998. استضفناه وقتها في لقاء تنظمه “الشبيبة الاتحادية”، أيام كان هناك “حزب” و”شبيبة”، وبعدما ألقى عرضا لا أتذكر موضوعه، جلسنا نتجاذب أطراف الحديث، وكم كانت صدمتنا كبيرة عندما سمعناه يعبر عن استغرابه، لأن جيلنا “مازال يتغنى بمارسيل خليفة والشيخ إمام”، قبل أن يضيف أنه “من غير المعقول أن تظل صور بنجلون وبنبركة تتصدر لقاءات الحزب بعدما أصبح يسير الشأن العام”، وأوصانا بالانفتاح “على شرائح اجتماعية جديدة، خصوصا منهم الشباب الذين يدرسون في ثانويات البعثة الفرنسية”… بعد عشرين سنة تحقق مخطط الوزير الأخرق: كُنست صور بنبركة وبنجلون ودهكون وكرينة من مقرات الحزب، ولم نعد نسمع أغاني مارسيل خليفة والشيخ إمام وسعيد المغربي وصلاح الطويل في مؤتمرات “الاتحاد”، حلت مكانها أغاني “البيغ الخاسر”… ليخسر الحزب فعلا كل شيء: تاريخه وشهداءه وهويته وجماهيره ومبادءه وحاضره ومستقبله!

ولعل أقسى شيء يمكن أن يتعرض له الشهيد هو أن يتحول إلى ميت تبكيه أسرته الصغيرة فحسب. لحسن الحظ أن للشهداء عائلة كبيرة، وعمر بنجلون لن يموت في قلوب المغاربة الأحرار، حتى لو تخلى عنه الانتهازيون، وسنظل نردد مع الشاعر عبدالرفيع جواهري، أحد رفاقه الأوفياء، هذه الأبيات الرائعة: “السلام على قامة ما انحنتْ/ عندما ركعتْ جوقةُ الراكعينْ/ السلامُ على صرخة علّمتْ قولَ “لا”/ أمَّة الرافضين/ السلام على جمرةٍ/ مانزال على نارها قابضينْ/ السلام على فكرة لاتزال إذا ذُكِرتْ/ تُفزِع الحاقدينْ/ ما طوينا الكتابْ/ صفحةً، صفحةً/ لانزال لها حافظينْ/ ما طوينا الكتابْ/ كيف نطوي دماً/ لانزال على هدره شاهدينْ؟/ دمُه بيننا/ كيف ننسى دما/ كيف ننسى دم الرائعينْ؟/ ما طوينا الكتاب/ والسطور دمٌ خَطَّها خنجرُ الغادرينْ”/

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

“نمْ مطمئنا يا عمر” “نمْ مطمئنا يا عمر”



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 17:43 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 19:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 19:03 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تشعر بالإرهاق وتدرك أن الحلول يجب أن تأتي من داخلك

GMT 23:14 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

عبد الكبير الوادي يصدم الرجاء برفضه لتجديد العقد

GMT 10:10 2017 السبت ,23 كانون الأول / ديسمبر

زيادة معدلات الطلاق في مصر إلى 170 ألف حالة سنويًا

GMT 19:23 2017 الجمعة ,08 كانون الأول / ديسمبر

تسرّب فيديو يوثق لممارسة تلميذ الجنس مع تاجر في كلميم

GMT 14:04 2015 الأحد ,12 إبريل / نيسان

4 خلطات من حب العزيز للتسمين

GMT 07:53 2015 الجمعة ,02 تشرين الأول / أكتوبر

برمجة مسلسل "مقطوع من شجرة" للموسم الثاني على التوالي

GMT 19:33 2013 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

8 نصائح مفيدة لتصمم غرفة مشتركة عصرية

GMT 17:38 2015 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

عبدالفتاح الجريني يحضر لديو غنائي مع العالمي مساري

GMT 13:26 2017 الإثنين ,02 كانون الثاني / يناير

مكسيم خليل يكشف عن أمنياته للعام الجديد عبر "تويتر"

GMT 04:06 2017 الأربعاء ,04 تشرين الأول / أكتوبر

عصير البنجر يوسع الأوعية الدموية ولا يؤدي لتدفئة الجسم

GMT 23:47 2017 الجمعة ,02 حزيران / يونيو

توقيف أربعة أشخاص في تيزنيت بتهمة التزوير

GMT 18:17 2014 الإثنين ,21 تموز / يوليو

سلال الريحان تراث يتجدد في الريف السوري
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca