ارجع يا إدريس!

الدار البيضاء اليوم  -

ارجع يا إدريس

بقلم - جمال بودومة

عندما سمعت الأحكام التي وزعها القاضي على الزفزافي ورفاقه -باسم جلالة الملك- فكرت مباشرة في المرحوم إدريس بنزكزي، لا شك أنه يتقلب في قبره من هول الصدمة، ووجدتني أردد بصوت مرتفع: “ارجع يا إدريس إنهم يبصقون على الإنصاف، ارجع يا إدريس إنهم يبولون على المصالحة!”. أما ورثته في “المجلس الوطني لحقوق الإنسان”، فلا أحد ينتظر منهم أي شيء،  لأنهم “باعو الماتش” من زمان، بل إن تواطؤهم وسكوتهم عن الانتهاكات هو الذي أعادنا كل هاته الأعوام إلى الوراء. خلال ما يعرف بـ”سنوات الجمر”، كان هناك ممرض اسمه بو بكر الحسوني، مهمته “الإشراف الطبي” على تعذيب الضحايا، وإخفاء الكدمات والندبات كلما استدعت الضرورة. الحسوني اليوم لم يعد شخصا، بل مؤسسة اسمها “المجلس الوطني لحقوق الإنسان”، مهمتها أن تخفي الانتهاكات وتبرر التعذيب وتتستر على المعتقلات السرية. الملايين التي يتقاضاها اليزمي ورفاقه كل شهر، جعلتهم يديرون ظهرهم لملايين المغاربة الذين يخرجون للتظاهر بحثا عن الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، دون أن يرف لهم جفن. لو بقيت لديهم ذرة من الغيرة على حقوق الإنسان لخلعوا “طابلية” الحسوني وقدموا استقالتهم، لكن الخجل لم يعد يزور وجوههم من زمان، بعد ما أعطوا لضمائرهم عطلة مفتوحة!

الأحكام السريالية التي صدرت في حق نشطاء الريف، تتويج لسيطرة الأمنيين على دواليب السلطة، بعد ست سنوات من التراجعات السياسية والحقوقية. نجاح الدولة في امتحان 20 من فبراير، وتهدئة الشارع مقابل دستور وحكومة “إسلامية”، جعلها تفكر في اجتثاث الشر من أصله، كي لا تضطر إلى مواجهة موجة جديدة من التظاهرات المفاجئة في المستقبل. هكذا تفتقت العبقرية الأمنية عن عصا مرفوعة في وجه الجميع ومجموعة من الخطوات الاستباقية: التضييق على الحقوقيين، إسكات الأصوات المعارضة، استعمال القوة في تفريق الاحتجاجات… الرسالة كانت واضحة: “اللي دوا يرعف!”

هذه الأحكام تسدل الستار على مسار سياسي استغرق بناؤه عشرون سنة تقريبا، منذ اعتلاء محمد السادس العرش خلفا للمرحوم الحسن الثاني، الذي ختم عهده بتنظيف البلاد من الدم والضحايا والمعتقلات السرية، والتصالح مع من كانوا يتصارعون معه حول السلطة بكل الوسائل. طبعا، من التبسيط أن نقارن ما يجري الآن في البلاد مع “سنوات الجمر”، لأن الصراع على السلطة وقتها كان بين أحزاب سياسية قوية، خرجت من الحركة الوطنية التي طردت الاستعمار وأجبرته على إعادة الملك إلى العرش، وبين ملك طموح يملك رؤيته الخاصة للسلطة، المتناقضة مع تصور بنبركة وبوعبيد وعلال الفاسي. اليوم، نحن أمام دولة متصالحة مع مواطنيها، أمضينا سنوات في بنائها على أسس جديدة، ومؤسسات يفترض أنها تحمل المشروع الديمقراطي، تخرج عن دورها وتصطدم بالشعب، بعد تسليم شهادة الوفاة إلى الأحزاب السياسية. المواجهة باتت مفتوحة ومباشرة بين المخزن والجماهير، بلا وسيط.

لقد أصيبت السلطة بالارتباك بعد ما عجزت عن إيجاد حل لاحتجاجات الريف، التي تعبر عن مأزق “الخيار الأمني”، وبدأت تتخبط وتستخدم كل ما تجده أمامها، كما يفعل الخائف، والنتيجة تكسير مؤسسات بأكملها، كما يحدث في مشاجرة ليلة بإحدى الحانات. في البداية دفعت بالمؤسسة الأمنية إلى المحرقة، وجعلت أصحاب البذلة العسكرية ينزلون بهراواتهم على متظاهرين عزلا، يرفعون مطالب اجتماعية مشروعة، بعناد وعزيمة وصمود. شرطة ودرك ومخازنية يتواجهون مع نساء وأطفال وشباب وشيوخ، لم يرتكبوا أي جرم. في المرحلة الثانية، ألقي القبض على زعماء الاحتجاج، وزجت الدولة بالمؤسسة القضائية في هذه المعركة الخاسرة: عشرون سنة في حق شباب يطالبون بمستشفى ومناصب شغل… “خايبة حتى للتعاويد”!

لقد أوصلنا “الخيار الأمني” إلى مأزق حقيقي. حتى لو صدر عفو عن المعتقلين، ستخرج المؤسسات مضعضعة من التجربة، لأن إلغاء حكم بعشرين سنة عن طريق العفو يعني أن الجهاز القضائي برمته ينبغي أن يحل ويعاد بناؤه من جديد، وأن المؤسسات التي قضينا عشرين سنة في بنائها تهدمت. أما ترك هؤلاء الشباب في السجن، فهي فضيحة لا تستطيع الدولة تحملها عواقبها الخارجية والداخلية… “إيوا فكها يا من وحلتيها”!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ارجع يا إدريس ارجع يا إدريس



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 11:56 2019 الأحد ,13 كانون الثاني / يناير

المغرب الفاسي يتعادل وديًا أمام اتحاد الزموري الخميسات

GMT 03:10 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

أيتن عامر تستعد لعرض فيلم "بيكيا" مع محمد رجب

GMT 20:53 2017 السبت ,23 كانون الأول / ديسمبر

تتويج سيدات الأهلي للسلة بذهبية دوري المرتبط

GMT 13:03 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

عمرو الليثي يستضيف علي وأحمد الحجار في "بوضوح" الخميس

GMT 00:09 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الأهلي المصري يصعد على حساب الداخلية بثنائية حاسمة

GMT 17:06 2017 الجمعة ,07 إبريل / نيسان

حورية فرغلي تفضل العمل مع أحمد عز ومحمود حميدة

GMT 18:50 2016 السبت ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

"شنبو" الفضائيّة تعرض فيلم "إبن حلال" على مدى أسبوع

GMT 19:12 2019 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

مروض طبي ينقذ حياة لاعب اتحاد طنجة

GMT 07:11 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

استمتع بشهر عسل رومانسي وهادئ في جزر المالديف

GMT 07:52 2018 الثلاثاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

عبد العاطي يؤكد أن العالم الإسلامي يواجه التحديات

GMT 09:18 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف علي التشكيلة المحتملة لفريق الوداد أمام اتحاد طنجة

GMT 11:35 2018 الخميس ,27 أيلول / سبتمبر

الجزائر تطلق بوابة إلكترونية للترويج للسياحة

GMT 17:36 2018 الثلاثاء ,04 أيلول / سبتمبر

إليكِ طرق بسيطة لتجديد الأثاث القديم في منزلك

GMT 23:17 2018 الخميس ,12 تموز / يوليو

أزارو يستعيد نغمة التهديف مع النادي الأهلي
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca