سورية كوظيفة أميركية لروسيا

الدار البيضاء اليوم  -

سورية كوظيفة أميركية لروسيا

بقلم : مصطفى فحص

لم تتردد الولايات المتحدة الأميركية في تلبية رغبات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التوسعية، فقدمت له الفرصة وفقا لشروطها المضمرة في ممارسة دور عالمي في سوريا، وسهل عليه نظيره الأميركي باراك أوباما، في انكفائه، القيام بخطوات سريعة على الصعيدين الإقليمي والدولي تعكس مدى حاجته العميقة إلى الاعتراف بموقع بلاده على الخريطة الدولية. ففي الطريق إلى دمشق، تهيأ للقيصر الروسي الجديد فلاديمير بوتين أنه الوحيد القادر على الاستثمار فيما اعتبره تراجعا أميركيا عن قضايا المنطقة، فاندفع بكل ما يملك على الأحادية القطبية أو حتى مناكفتها، اندفع إلى تمدد سياسي وعسكري في أغلب أزمات العالم، محاولاً من إمكانيات ولو محدودة، مقارنة بالدول الكبرى أو مجموعة العشرين، ودون الانتباه إلى تداعيات التمرد
فرض احترام بلاده في نادي الكبار، وإرضاء لغرور الطبقة العسكرية الروسية المطالبة بإعادة الاعتبار لدورها ونفوذها بعد ربع قرن من التفرد الأميركي.

في 30 سبتمبر (أيلول) العام الماضي، اعتقد فلاديمير بوتين أن الخلاف المستحكم بين إدارة البيت الأبيض ومراكز صنع القرار الأميركي حول كيفية التعامل مع الملف السوري، وانعكاسه سلًبا على علاقة واشنطن بحلفائها التقليديين في الشرق الأوسط، يتيح له قلب المعادلة السياسية والعسكرية في سوريا، فرفع عصا «كاترين» ومنجل السوفيات، وأعلن عن عودة أسطوله العسكري إلى المياه الدافئة، واستباحت طائراته الحربية الأجواء السورية على مرأى من طائرات التحالف الدولي، الذي تقوده واشنطن ضد الإرهاب، ومسمع ماُيسمى بالمجتمع الدولي الذي صم آذانه عن صرخات الاستغاثة التي أطلقها الشعب السوري من أجل وقف حملة الإبادة الجماعية التي يتعرض لها.

خلال عام كامل من تدخلها، تمادت موسكو في الاستخدام المفرط للقوة، كوسيلة لإجبار السوريين على الاستسلام، وعندما فشلت في الوصول إلى أهدافها، قررت سحق المعارضة عسكريا، بعد أن تمكنت، بالتواطؤ مع إدارة البيت الأبيض، من إضعافها سياسيا، مستغلة التفريط الأوبامي بسوريا دولة وشعبا، من أجل تغطية إفراطها في ممارسة التدمير الممنهج ضد المعارضة السورية، وفي اعتماد القسوة والعنف من أجل العودة بالزمن إلى ما قبل 18 مارس (آذار) 2011.

أحست موسكو بأن الوقت يداهمها، فراهنت على الأيام الأخيرة لأوباما في البيت الأبيض، وحاولت استغلال رغبته في الحفاظ على ماء وجهه في سوريا، فعرضت على وزير خارجيته جون كيري توقيع اتفاقية استسلام في حلب، تكرس حصرية قرار الحل السوري في يدها، ولكن ما لم يدركه الروس أن في وشنطن رأًيا آخر عّبر عن نفسه في دير الزور، وفي قرار وقف التعاون معهم، وبالعودة إلى التلويح بخيارات أخرى تعيد التوازن إلى الموقف الأميركي، وبات على الكرملين التعامل مع هذه المعطيات كرسالة أميركية مبكرة، بأن ولاية أوباما انتهت وعلى الكرملين أن يستعد مستقبلاً لسحب التفويض الأميركي الذي أعطاه له أوباما في سوريا، بعد تراجعه عن ضرب النظام عقاًبا له على استخدام السلاح الكيماوي سنة 2013 ،فقد انتهت
الوظيفة التي أوكلت إليه، فهي أكبر من قدرته على الإحاطة بها، ولم يعد فلاديمير بوتين في المستقبل القريب قادرا على استعراض إنجازاته في سوريا بعد أن أجمع أعضاء مجلس الأمن على اعتبارها جرائم حرب.

لقد تحولت سوريا من الهدية الكبرى لبوتين إلى لعبة كبرى جديدة، استغلته فيها واشنطن التي لم تكن مستعجلة في إسقاط نظام الأسد، فأوكلت إليه إنجاز المهمة، ولم يكن قبول واشنطن الضمني بالتعاون الإيراني الروسي إلا من أجل الحفاظ على المصالح الإيرانية، الذي كانت نتيجته اتهاًما عربًيا لموسكو بالانحياز لطهران، وهو اتهام حولها إلى عدو للأغلبية العربية والإسلامية.

في فن التوظيف الأميركي لروسيا، كَّرست واشنطن التعامل مع موسكو ليس كدولة عظمى بل كدولة تملك وظيفة دولية، أتاح لها امتلاك حق النقض (الفيتو)، الذي رفعته في أغلب الأحيان دفاًعا عن جرائم الأسد، في اللحظة التي لم تكن الدول الكبرى راغبة في معاقبته. فقد ضرب بوتين بعرض الحائط أكثر من 70 سنة من التاريخ المشترك بين الشعوب السوفياتية والعربية، وذهب إلى مواجهة فرضت عليه استخدام القنابل الارتجاجية الضخمة ضد المدنيين في حلب، من أجل تحقيق التوازن المفقود مع الديموغرافيا السورية.

أدارت واشنطن العالم بعد الحرب الباردة كشركة عالمية تملك 51 في المائة من أسهمها، وتركت لشركائها الأربعة دائمي العضوية في مجلس الأمن التنازع على الأسهم المتبقية، وفي اللحظة التي قرر فيها رئيس مجلس هذه الإدارة بصفته المساهم الأكبر تعطيل الشركة، حاول شريك صغير، على الرغم من قلة إمكانياته، إدارتها، ففاقم أزماتها وجعل نفسه عرضة للمساءلة نتيجة إدارته السيئة، التي قد تجعله الخاسر الوحيد بعد انتخاب رئيس مجلس إدارة جديد في الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سورية كوظيفة أميركية لروسيا سورية كوظيفة أميركية لروسيا



GMT 23:06 2022 الجمعة ,07 تشرين الأول / أكتوبر

إيران... المرأة والنظام والشرخ الأعظم

GMT 12:20 2022 الجمعة ,30 أيلول / سبتمبر

هل إيران أمام مفترق طرق؟

GMT 18:45 2022 الجمعة ,09 أيلول / سبتمبر

لبنان والعراق وفائض الخرائط الإيرانية

GMT 14:37 2022 الجمعة ,26 آب / أغسطس

فيينا بين الرد والرد على الرد

GMT 18:08 2022 الجمعة ,12 آب / أغسطس

العراق... النظام بين الشرعية والمشروعية

GMT 19:15 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 16:52 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الإصابة تحرم الأهلي من رامي ربيعة في مباراة الإسماعيلي

GMT 23:44 2017 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

شمال الأطلنطي يحسم بطولة كأس الجامعات القطرية للرجال

GMT 15:27 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

التصميم المميز للزجاجة والروح الأنثوي سر الفخامة

GMT 08:49 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

أليساندرو سارتوري يسرق الأنظار إلى "زينيا" بابتكاراته

GMT 12:55 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

جزيرة منمبا في زنجبار تتمتع بمناظر طبيعية نادرة ورومانسية
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca