القيصر وأعباء الهيبة النووية

الدار البيضاء اليوم  -

القيصر وأعباء الهيبة النووية

بقلم - مصطفى فحص

عندما حاول الزعيم السوفياتي الأسبق نيكيتا خروتشوف تهديد دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) بمئات الصواريخ الباليستية المزودة برؤوس نووية أثناء أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 بعد عملية «خليج الخنازير» الأميركية الفاشلة ضد نظام كاسترو، كانت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي أي إيه) متأكدة من أن ترسانة الصواريخ الاستراتيجية السوفياتية لا يتجاوز عددها العشرين صاروخاً، حيث استغرق وصول موسكو إلى مرحلة التوازن النووي مع واشنطن على الصعيدين العددي والنوعي، الذي يشمل «الطيران الاستراتيجي، والغواصات النووية، والوحدات البرية الثابتة والمتحركة) حتى منتصف السبعينات، مع العلم بأن الجيش الأحمر السوفياتي امتلك أول قنبلة نووية سنة 1949 على يد العالم كورجاتوف، ومن ثم القنبلة الهيدروجينية سنة 1952 على يد العالم آندريه سخاروف. وفي النصف الثاني من ستينات القرن الماضي أطلق الزعيم السوفياتي الجديد ليونيد بريجينيف العنان للمجمع العسكري السوفياتي من أجل تحقيق التوازن الاستراتيجي المطلوب مع واشنطن، الذي وضع أمام بريجنيف مشروعين؛ الأول قدمه العالم السوفياتي تشلافي الذي اعتمدت رؤيته في تحقيق التوازن الاستراتيجي على القيام بتصنيع أكثر من 200 ألف صاروخ بدائي من النوعية الرديئة والرخيصة، تحقق للسوفيات التفوق العددي على واشنطن التي لن تستطيع منظومة صواريخها الاعتراضية إسقاط عدد كبير من الصواريخ، إلا أن بريجنيف اختار المشروع الذي عرضه العالم يانغل الذي اعتمد على الاستثمار العلمي في صناعة الصواريخ الدقيقة والفعّالة العابرة للقارات، والتي تملك القدرة التقنية لتجاوز منظومة الصواريخ الأميركية الاعتراضية، وقد نجح هذا الخيار الذي استطاع أن يحقق التوازن أولاً للسوفيات، ومن ثم التفوق سنة 1985 عندما وضع بالخدمة أول صاروخ باليستي يعمل بالوقود السائل في العالم S18 والذي يتمتع بقدرة تدميرية هائلة؛ حيث أطلق عليه لقب «SATANA» أي «الشيطان» بالروسية.
ومنذ وصوله إلى السلطة سنة 2000، عمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على رفع مستوى التحدي تدريجياً مع واشنطن بهدف إعادة الاعتبار لبلاده، وإجبارها على التعامل معها بوصفها دولة عظمى لها الحق في الدفاع عن مصالحها حول العالم. وأمام التوقف العلمي والاقتصادي للدول الغربية، لجأ بوتين إلى الاستفادة من ارتفاع أسعار الطاقة في العقد الماضي؛ حيث وفرت له السيولة المادية الاستثمار في المشروعات العسكرية الاستراتيجية لكي يحقق توازن الردع مع واشنطن، فأعلن عام 2004 عن العودة إلى تطوير الجيل الثاني من الصواريخ العابرة للقارات S18 القادرة على تجاوز منظومة الاعتراض الأميركية التي بدأت تقترب من حدود روسيا الغربية.
وفي 5 مارس (آذار) الحالي، أمام الجمعية الاتحادية الروسية، ألقى بوتين ما يمكن وصفه بـ«خطاب الحرب الباردة الجديدة»، الذي استغله من أجل إعلان دخول منظومة الصواريخ سارامات إلى الخدمة العسكرية، معلناً تفوق بلاده على منافسيها الاستراتيجيين، فقد انتظر بوتين 14 عاماً لكي يعلن دخول هذا النوع من الصواريخ إلى الخدمة العسكرية على مسافة أسبوعين من دخوله الفترة الرئاسية الرابعة التي ستستمر حتى 2024، والمطلوب حمايتها بمشروعات عسكرية استراتيجية، يعتقد صناع القرار في الكرملين أنها تحمي النظام من أي تدخل خارجي، خصوصاً بعدما تمكنت موسكو في السنوات العشر الأخيرة من حماية مصالحها الجيوسياسية، واستعادة نفوذها التاريخي وهيمنتها على أجزاء واسعة كانت تشكل سابقاً المجال الحيوي السوفياتي.
على مدى 40 دقيقة؛ من أصل أكثر من ساعتين هي مدة الخطاب الذي ألقاه بوتين أمام النخب الروسية، تحدث عن الأسلحة الروسية الجديدة التي ستمكن بلاده من العودة إلى توازن القطبين. ورغم هزيمة السوفيات في الحرب الباردة، فإن فلاديمير بوتين لم يزل يتحسر على سقوط جدار برلين، ويرغب في رد الاعتبار لروسيا العظمى، مراهناً على قدرته على تجاوز أخطاء أسلافه السوفيات القاتلة، الذين بالغوا في الإنفاق العسكري من أجل الوصول إلى توازن استراتيجي مع الولايات المتحدة، وعدم الوقوع في فخ سباق تسلح جديد، من خلال الوصول إلى تفوق نوعي يعوض الهوة التقنية بينه وبين الغرب، الذي لم يستخدم أسلحته الاستراتيجية من أجل الانتصار في الحرب الباردة؛ بل اكتفى بجرّ السوفيات إلى سباق تسلح وهمي، أدى إلى إفلاس الخزينة، ودفعهم إلى خوض حروب إقليمية أدت إلى استنزافهم مادياً وبشرياً، وهو الدرس الذي لم يتجنبه بوتين حتى اللحظة في سوريا وأوكرانيا، إضافة إلى إهمال التنمية البشرية وإصلاح الاقتصاد وتطوير الخدمات، الذي تعاني منه الدولة الروسية، لصالح المجهود الحربي والإنفاق على التسلح الذي بات هاجس بوتين وعنواناً لسلامة نظامه، كأنه يطبق قول الشاعر الداغستاني رسول حمزاتوف الذي قال: «السلاح الذي تحتاجه لمرة؛ عليك أن تحمله مدى العمر».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القيصر وأعباء الهيبة النووية القيصر وأعباء الهيبة النووية



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 18:00 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تبحث أمراً مالياً وتركز على بعض الاستثمارات

GMT 08:31 2018 الخميس ,20 أيلول / سبتمبر

سعر الدرهم المغربى مقابل اليورو الخميس

GMT 13:15 2015 الأحد ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روماو يحدد قائمة لاعبي "الجيش" لمواجهة "المغرب الفاسي"

GMT 03:32 2017 الجمعة ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة توضح دور الخوف في عملية انقراض الحيوانات
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca