لبنان... إعادة إنتاج الأزمة

الدار البيضاء اليوم  -

لبنان إعادة إنتاج الأزمة

مصطفى فحص
بقلم : مصطفى فحص

في السباق إلى الانتخابات التشريعية اللبنانية المُزمع إجراؤها في 15 مايو (أيار) المقبل، تتراجع نسبياً حماسة المواطنين، حيث من المتوقع أن يتراجع الإقبال على التصويت، وتختلف نسبته بين منطقة وأخرى، وبين بيئة وأخرى، خصوصاً أن هذه الانتخابات تأتي في ظروف اقتصادية صعبة، يتقدم فيها الهمّ المعيشي على الهمّ الانتخابي، الذي قد يؤثر أولاً في حجم المشاركة في عملية الاقتراع، وثانياً في خيارات الناخبين، مع تصاعد احتمالات المقاطعة أو التصويت بورقة بيضاء أو اللجوء إلى خيار التصويت العقابي، الذي قد يذهب لأي لائحة تعارض أحزاب المنظومة بغض النظر عن قدرتها على تحقيق نتائج تؤهل أحد أفرادها للفوز بمقعد نيابي.
الواضح أن أولويات اللبنانيين الانتخابية في هذه الدورة ستكون مختلفة ومتناقضة في كيفية اختيارهم، فقد نشهد معارك كسر عظم في المناطق المسيحية، وذلك مع صعود قوى التغيير وقدرتها على تشكيل لوائح معارضة صلبة (لائحة «شمالنا» مثالاً)، ويترافق ذلك مع عودة الشخصيات العائلية والبرجوازية الوطنية إلى لعب دور أساسي بعد انتفاضة «17 تشرين»، مع احتمال تراجع هيمنة القوى الحزبية الأساسية. أما على المستوى السني فهناك احتمال كبير في مقاطعة كبيرة، الأمر الذي سيؤدي إلى تشتيت اللوائح وضياع التمثيل السني، وهو ما سيستفيد منه «حزب الله» مباشرة، فمن المتوقع أن ترتفع نسبة حلفائه السُّنة في البرلمان المقبل.
شيعياً... الواقع يختلف كلياً في مناطق نفوذ الثنائي الحاكم في الطائفة الشيعية، الذي يتصرف بفائض وصاية على الناخبين وترهيب ضد المنافسين، حيث يُسجل غياب المنافسة العادلة وانعدام ضمانات السلامة للوائح المعارضة في الجنوب والبقاع الشمالي (بعلبك الهرمل)، ففي هذه المناطق يمكن الجزم بأن النتائج محسومة لصالح الثنائي، ولكن ما هو ليس محسوماً بعد، حجم المشاركة، مع تزايد قلق الطرفين (حركة أمل و«حزب الله») من تراجع الإقبال على التصويت، حتى من قبل بيئتهم التنظيمية وليس الجمهور الشيعي العام، ما دفع آلتهم الدعائية إلى شن حملات ترهيب وتخوين لكل معارض، وإلى قطع الطرقات وإطلاق النار لمنع إقامة لقاءات انتخابية، فيما تتعرض لائحة المعارضة في دائرة الجنوب الثالثة (معاً نحو التغيير) إلى شتى أنواع المضايقات والتهجمات، خصوصاً بعدما استطاع شباب الانتفاضة مع بعض القوى اليسارية والشخصيات المحلية تشكيل لائحة متماسكة لأول مرة في الجنوب تختلف عن جميع التجارب السابقة، وتقديم خطاب جديد تأسيسي، خصوصاً في مقاربة التساؤلات الحساسة التي يطرحها الناخب الجنوبي دائماً، لكن الأبرز أن هذه اللائحة رغم قلة إمكاناتها وحتى انعدامها ورغم فرص فوزها الضئيلة، أصبحت رمزاً للمعركة الانتخابية ليس في الجنوب فقط بل في كل لبنان.
عملياً، ستؤدي انتخابات مايو المقبل إلى إعادة إنتاج الجزء الأكبر من المنظومة السياسية الحالية، وإعادة منحها شرعية دستورية يساعدها على ذلك أمران؛ الأول قانون الانتخابات الذي فُصّل بطريقة تناسب القوى السياسية الحاكمة، وثانياً عدم تبلور جبهة معارضة شبه موحدة قادرة على خوض الانتخابات بشكل متماسك لأسباب عديدة؛ أبرزها محاولة بعض أحزاب السلطة التي رفعت شعارات التغيير مصادرة «انتفاضة تشرين»، في المقابل عدم قدرة مجموعات الانتفاضة والقوى التي تشكلت بعد «17 تشرين» تحقيق لوائح جامعة، وفشلها في إقناع جزء من الناخبين بأنها بديل فعلي يمكن الرهان عليه.
وعليه، فإن طبيعة البرلمان المقبل واضحة؛ هناك أغلبية لطرف معين ستحتفل بانتصارها، لكنها في 16 مايو، أي اليوم الأول لإعلان النتائج، ستصبح مطالبة بتقديم حلولها، وستتحمل المسؤولية وحدها من دون أي شريك، كما أن الناخب الذي أعاد انتخابها سيتحمل أيضاً مسؤولية خياراته، فمن أعاد تكليف من صنعوا أزمته، أشبه بمَن يحفر قبره وقبور اللبنانيين بيديه.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان إعادة إنتاج الأزمة لبنان إعادة إنتاج الأزمة



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 19:53 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 08:23 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:03 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 18:00 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تشعر بالانسجام مع نفسك ومع محيطك المهني

GMT 15:27 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

توقيف فتاة كانت بصحبة شاب على متن سيارة في أغادير

GMT 03:00 2017 الإثنين ,02 كانون الثاني / يناير

أنطوان واتو يجسّد قيم السعادة في لوحاته الفنيّة

GMT 18:55 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تمرّ بيوم من الأحداث المهمة التي تضطرك إلى الصبر

GMT 20:15 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

افتتاح المهرجان الدولي لمسرح الطفل في رومانيا

GMT 12:01 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

وجهات منازل رائعة استوحي منها ما يناسبك

GMT 09:29 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

أفكار مختلفة لترتيب حقيبة سفركِ لشهر العسل

GMT 08:44 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منظمة "ميس أميركا" ترفع الحد الأقصى لسنّ المتسابقات

GMT 09:08 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

أفضل الطرق لتنسيق تنورة الميدي مع ملابسك في الشتاء

GMT 14:11 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

جمعية خيرية تنظيم حملة للتبرع بالدم في تاوريرت

GMT 09:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيقاف وسيط في تجارة الممنوعات بالقصر الكبير

GMT 04:03 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

صدور كتاب تربوي جديد للدكتور جميل حمداوي

GMT 13:41 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

ليلى أحمد زاهر تهنئ هبة مجدي بخطوبتها
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca