هل كان أوباما يستأهل 'نوبل السلام'؟

الدار البيضاء اليوم  -

هل كان أوباما يستأهل نوبل السلام

خير الله خير الله

قبل ست سنوات، حصل الرئيس باراك أوباما على “جائزة نوبل السلام”. استندت اللجنة التي تمنح الجائزة في تبرير ما قامت به إلى جهود أوباما “من أجل تعزيز العمل الدبلوماسي والتعاون بين الشعوب”. بعد ست سنوات، يتبيّن أن القرار الذي اتخذته اللجنة لم يكن في محلّه، لا لشيء سوى لأنّ وضع العالم في عهد أوباما، الذي دخل البيت الأبيض في مطلع العام 2009، صار أكثر خطورة.
زاد عدد الأزمات العالمية. أكثر من ذلك، تبيّن أن الولايات المتحدة، التي انتصرت في الحرب الباردة على الاتحاد السوفياتي، لم تعد تخيف أحدا. باتت أقرب إلى متفرّج أكثر من أي شيء آخر. يكفي أن القوة العظمى الوحيدة في العالم لم تعد تلتزم بتنفيذ الكلام الصادر عن رئيسها.

صار هذا الكلام الجميل المنمّق للرئيس الأسود من النوع الذي يصلح لقداديس الأحد. لم يعد لهذا الكلام أيّ مضمون على أرض الواقع. لا في أوكرانيا ولا في ليبيا ولا في اليمن ولا في العراق ولا في سوريا ولا في فلسطين.. ولا في أيّ نقطة ساخنة في هذا العالم. هل انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط ومن أوروبا؟

من الواضح، أن في ذهن أوباما وتصورّه عالما جديدا تلعب فيه الولايات المتحدة دورا مختلفا. لم تعد بلاده تشكّل قوّة ردع لأيّ معتد، وذلك منذ تركت فلاديمير بوتين يدخل الأراضي الأوكرانية ويضمّ شبه جزيرة القرم. تبيّن بعد هذا التطوّر أن كلّ القرارات التي اتخّذها الرئيس الأميركي تندرج في سياسة تقوم على ترك الآخرين يلعبون على الأرض، فيما الولايات المتحدة تكتفي بدور المراقب.

هل يكفي أن يبني أوباما سياسته على السير في خط معاكس كليّا لسلفه جورج بوش الابن حتّى يصبح في الإمكان القول إنّ لديه سياسة؟ لا مكان لسياسة من أيّ نوع تقوم فقط على الاعتراض على سياسة أخرى. هذا كلّ ما في الأمر.

على سبيل المثال وليس الحصر، ليس الانسحاب العسكري الأميركي من العراق سياسة. أراد أوباما الاعتراض، بطريقته، على التورّط العسكري الأميركي في العراق الذي تسبب به بوش الابن. لا شكّ أن بوش الابن تصرّف بطريقة تكشف جهله العميق في المنطقة وفي التوازنات التي تتحكّم بها. لكنّ الرد على سياسته لا يكون بما هو أسوأ منها.

استكمل أوباما انسحاب الجيش من العراق متذرّعا بأن نوري المالكي، الذي كان رئيسا للوزراء، يرفض بقاء جندي واحد أميركي واحد على الأراضي العراقية. رضخ الرئيس الأميركي لرغبات المالكي، وهي في الواقع رغبات إيرانية، وذلك على الرغم من اعتراضات القادة العسكريين الأميركيين. هؤلاء كانوا يرغبون في بقاء نحو خمسة عشر ألف عسكري أميركي في العراق وذلك للحؤول دون زيادة حدة الانقسام المذهبي أوّلا ومنع عمليات التطهير التي مارستها الميليشيات الشيعية الموالية لإيران ثانيا. كانت النتيجة إطلاق إيران يدها في كلّ العراق وتقسيم البلد بعدما تبيّن أنّ الحكومة العراقية ليست لكلّ العراقيين. أكثر من ذلك، ساهمت هذه الحكومة عبر سياستها ذات الطابع المذهبي في توسّع “داعش” وسيطرته على الموصل.

ما فعله الرئيس الأميركي الحالي كان في واقع الحال تتمّة لما قام به سلفه. تبيّن في ضوء التطورات على الأرض أن أوباما تابع، من حيث يدري أو لا يدري، مخطّط بوش الابن الذي تلخّص بتسليم العراق على صحن من فضّة إلى ايران..

لا يفكّر باراك أوباما الآن سوى بما سيكتبه التاريخ عنه. ما سيكتبه التاريخ أنه فشل في كلّ مجال باستثناء اختزاله كلّ مشاكل الشرق الأوسط بالملف النووي الإيراني. حاز على “نوبل السلام” استنادا إلى أنّ جهوده “تعزز العمل الدبلوماسي” بديلا من الحروب وتدعم “التعاون بين الشعوب”. هل كان يستحقّ الجائزة؟

في ظلّ أميركا المتفرّجة على ما يدور في الشرق الأوسط وفي أوروبا، لا مكان للدبلوماسية أو لأيّ تعاون بين الشعوب. الدبلوماسية لا تعني وقوف موقف المتفرّج حيال ما يدور في العالم، خصوصا عندما تكون الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة. والتعاون بين الشعوب لا يعني السكوت على تهجير ملايين السوريين من أرضهم.

ضمّت روسيا شبه جزيرة القرم ومنعت أيّ عمل عسكري يؤدي إلى التخلص من بشّار الأسد، بما يوفّر على الشعب السوري مزيدا من العذابات والتشرّد. في اليوم الذي استجاب فيه باراك أوباما لفلاديمير بوتين واكتفى بتسليم النظام السوري مخزونه من السلاح الكيميائي، لم يعد من معنى يذكر لا لجائزة نوبل للسلام ولا للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط أو في أوروبا. خذل أوباما الأوروبيين في أوكرانيا وخذل حلفاءه العرب في سوريا.. بعدما خذلهم في العراق.

لن يذكر التاريخ أوباما سوى بأنّه الرئيس المتفرّج الذي سمح لبوتين بالانضمام إلى الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري. في نهاية المطاف، سيخسر القيصر الروسي الحرب، لا لشيء سوى لأنّه لا يعرف شيئا عن سوريا وعن شعبها، مثله مثل الإيراني الذي يظنّ أن تقسيم سوريا من منطلق مذهبي يشكل حلاّ له.

المفارقة، أن المكان الوحيد في التاريخ الذي سيُذكر فيه أوباما هو الملفّ النووي الإيراني. لماذا الكلام هنا عن مفارقة؟ الجواب لأن الرئيس الأميركي وضع كلّ بيضه في السلّة الإيرانية من دون أخذ في الاعتبار لما تضمره إيران لجيرانها.

بالنسبة إلى المشروع التوسّعي الإيراني الذي تعرّض لهزيمة أولى في اليمن، يبدو أوباما فرصة لا تعوّض. لن يأتي بعده رئيس أميركي على استعداد للوقوف موقف المتفرّج من حلف جديد تشارك فيه روسيا يعتمد أساسا على سلاح إثارة الغرائز المذهبية.

لو لم يكن الأمر كذلك، لما كان الرئيس الأميركي تخلّى عن الدور الطبيعي لبلاده، أقلّه في مجال الدفاع عن شعب مظلوم مثل الشعب السوري يذبح حاليا بالقنابل الروسية التي حلّت مكان القذائف والبراميل المتفجّرة الأسدية.

ليس صدفة أن إيران تتخذ كل الخطوات المطلوبة من أجل التأكيد أنها ملتزمة بتنفيذ الاتفاق في شأن ملفّها النووي. فالملفّ النووي ليس سوى ذريعة لتمرير مشروع في غاية الخطورة على الشرق الأوسط. والواضح أن إدارة أوباما هي الوحيدة التي يمكن أن تقبل تقدّم هذا المشروع من منطلق أنّ زيادة عدد البؤر المتفجّرة آخر هموم الرئيس الأميركي المصمّم على دخول التاريخ عبر النيّات الحسنة الإيرانية!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل كان أوباما يستأهل نوبل السلام هل كان أوباما يستأهل نوبل السلام



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 19:53 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 08:23 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:03 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 18:00 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تشعر بالانسجام مع نفسك ومع محيطك المهني

GMT 15:27 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

توقيف فتاة كانت بصحبة شاب على متن سيارة في أغادير

GMT 03:00 2017 الإثنين ,02 كانون الثاني / يناير

أنطوان واتو يجسّد قيم السعادة في لوحاته الفنيّة

GMT 18:55 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تمرّ بيوم من الأحداث المهمة التي تضطرك إلى الصبر

GMT 20:15 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

افتتاح المهرجان الدولي لمسرح الطفل في رومانيا

GMT 12:01 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

وجهات منازل رائعة استوحي منها ما يناسبك

GMT 09:29 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

أفكار مختلفة لترتيب حقيبة سفركِ لشهر العسل

GMT 08:44 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منظمة "ميس أميركا" ترفع الحد الأقصى لسنّ المتسابقات

GMT 09:08 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

أفضل الطرق لتنسيق تنورة الميدي مع ملابسك في الشتاء
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca