مطلوب رئيس للبنان… لأن اللعبة في سوريا

الدار البيضاء اليوم  -

مطلوب رئيس للبنان… لأن اللعبة في سوريا

خيرالله خيرالله

بحوار أو من دون حوار بين القوى السياسية اللبنانية، يبدو بعض من هدوء وضبط للأعصاب، فضلا عن التحلي ببعد النظر، ضرورة لبنانية هذه الأيّام.
يكفي اللبنانيين التمعن بما يدور في سوريا كي يلجموا شهواتهم، خصوصا إلى رئاسة الجمهورية. هذه الشهوات التي يعتبر النائب المسيحي ميشال عون أفضل تعبير عنها، تمنع انتخاب رئيس جديد للجمهورية. الأخطر من ذلك أنّها تصبّ في رغبة “حزب الله” السائر في مشروعه الهادف إلى تغيير طبيعة النظام اللبناني عن طريق طرح “المؤتمر التأسيسي”.

لبنان في حاجة، قبل كلّ شيء، إلى رئيس للجمهورية وذلـك كي لا يكـون ضحية المـأساة السورية. رئيس الجمهورية الغائب منذ مايو - أيار المـاضي، حـين انتهت ولاية الـرئيس ميشال سليمان، يعيد الحياة إلى مؤسسات الدولة ويحصّنها ويساعد في إيجاد حلول للمشاكل الكبيرة التي أَنزلت اللبنانيين إلى الشارع. بعضهم عن حسن نيّة، وبعض آخر عن سوء نيّة اكيدة، بل أكيدة جدّا.

ما تمرّ به سوريا أمر في غاية الخطورة ستكون له انعكاساته على دول المنطقة كلّها، وذلك في وقت يتمدّد “داعش” في كلّ الاتجاهات بدعم من نظام بشّار الأسد وبالتواطؤ معه. يأتي ذلك في وقت يظهر جلّيا أن لدى إيران مشروعا خاصا بها يقوم على إنشاء دويلة علويّة على طول الشاطئ السوري. تريد لمثل هذه الدولة أن يكون لها امتدادها اللبناني، كي يتمكن “حزب الله” من حماية ظهرها من منطلق مذهبي ليس إلا.

لا تبدو روسيا بعيدة عن هذا المشروع الإيراني. الدليل على ذلك تورّطها المباشر أكثر فأكثر في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري. لم تعد هذه الحرب ترحم الأقلّيات، مثلما لا ترحم الأكثرية السنّية المستهدفة بعملية تطهير مدروسة ذات طابع عرقي.

يشمل المشروع الإيراني في سوريا تبادلا للسكان على أساس مذهبي. مطلوب تهجير أهل الزبداني من أجل تسهيل قيام الممرّ الذي يربط الدويلة العلوية بالأراضي اللبنانية الواقع تحت سيطرة “حزب الله”. مطلوب، أيضا، السيطرة على دمشق عبر تجنيس للبنانيين وعراقيين وإيرانيين وأفغان من مذهب معيّن.

مطلوب، كذلك، الإتيان بسكان من قرى شيعية في محافظة إدلب عاشوا مئات السنين بوئام مع مكونات المجتمع السوري ووضعهم في الزبداني، وغير الزبداني، ما دام الهدف إخضاع دمشق وتطويقها.

المشروع الإيراني في سوريا مستحيل التحقيق. لكنّه في غاية الخطورة، لا لشيء سوى لأنّه يستهدف، في نهاية المطاف، تقسيم البلد نتيجة فقدان القدرة على إبقائه كلّه تحت سيطرة النظام العلوي الذي أقامه حافظ الأسد، والذي تحوّل في عهد بشّار الأسد إلى نظام العائلة وقسم من الطائفة بالتحالف مع بعض رجال الأعمال السنّة في المدن، وبعض الأقلّيات المستفيدة من السمسرات والصفقات… أو على الأصحّ من فتات ما تتركه العائلة للسوريين الآخرين.

مجدّدا، يُفترض باللبنانيين التحلي بالرويّة، على الرغم من أن الكيل طفح لدى المواطن، خصوصا في ظل العجز الحكومي عن التعاطي مع أي مشكلة معيشية، بدءا بالنفايات وانتهاء بالفساد الذي ينخر عظام كلّ مؤسسات الدولة.

ولكن، على اللبناني، من كلّ الطوائف والمذاهب والمناطق، أن يتذكّر أنّ “حزب الله” يحمي المتّهمين بكل أنواع الجرائم ويعطّل معظم الإدارات وأقام سلطة فوق السلطة لا تحترم الحدود الدولية للبنان. الحزب المسلّح، الذي هو كناية عن ميليشيا مذهبية، في أساس الفساد. هل تظاهر لبناني لسبب مرتبط بقتال “حزب الله” في سوريا، غير آبه بأن لبنان دولة ذات سيادة وحدود معترف بها دوليا. هل من جريمة أكبر من هذه الجريمة في حق لبنان واللبنانيين؟

ما نشهده حاليا في سوريا فصل أخير من فصول النهاية البطيئة للنظام. يعطي اغتيال الشيخ الدرزي وحيد البلعوس، زعيم “تجمّع مشايخ الكرامة” في جبل العرب، فكرة عن الدرك الذي وصل إليه النظام، الذي لم يعد قادرا على التعاطي مع الأقلّية الدرزية المنتفضة عليه والرافضة للمشاركة في حربه على أهل درعا.

إفلاس النظام السوري ليس بعده إفلاس. لذلك على اللبنانيين أن يكونوا أشدّ حذرا من أي وقت. عليهم التساؤل في شأن المكمن الحقيقي للفساد. عليهم السعي إلى معرفة من يحمي الفساد والفاسدين. من يمرّر إلى السوق اللبنانية بضائع يستوردها من دون جمارك. من يمنع العرب من المجيء إلى لبنان والاستثمار فيه. من يضرب مؤسسات الدولة اللبنانية. من يعطّل انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

على اللبنانيين من ذوي النيات الحسنة التساؤل من عطل جلب الماء للمواطن ولمّ النفايات وإقامة شبكة الطرقات وإقامة خطوط للسكة الحديد بما يربط المدن والمناطق اللبنانية ببعضها البعض؟ من وضع العراقيل منذ العام 1992 في وجه الكهرباء؟ من عطل كل مشروع يصب في تنمية لبنان وإعماره؟ من هجّر اللبنانيين وفوّت عليهم كل الفرص؟ من يدعو حاليا إلى الانتقام من بيروت؟ من يدعو إلى ضرب القطاعات المنتجة…؟ هذه أمور تستحق التظاهر من أجلها، ولكن من دون تجاهل ما يدور في سوريا والمنطقة.

ما تمرّ به سوريا سيغيّر المنطقة كلّها، بما في ذلك لبنان الذي عليه حماية نفسه بدل الغرق في أزمة النفايات. عليه الخروج من هذه الأزمة بأقل مقدار ممكن من الخسائر، مع الاعتراف، طبعا، بفشل الحكومة في معالجة هذا الموضوع المهمّ، وهو فشل يتطلب تغيير الحكومة في أسرع وقـت. ولكن هل من مكان للفراغ الذي لا يسدّه سوى انتخاب رئيس جديد للجمهورية؟

عند تغيير الدول، احفظ رأسك. هذا ما يقوله العقلاء في هذا البلد وفي محيطه. من يريد إسقاط النظام، ومن يريد تغييره؟

الجواب، بكلّ بساطة، أن الخوف، كلّ الخوف، من أن يستخدم “حزب الله” اللبنانيين، وخصوصا بعض المسيحيين، خدمة للمشروع التوسّعي الإيراني.

هذا المشروع يعني، أوّل ما يعني، ضياع لبنان وتحويله تفصيلا سوريا. من هذا المنطلق، إن انتخاب رئيس للجمهورية هو خطّ الدفاع الأوّل عن لبنان، خصوصا أن اللعبة الكبرى في سوريا.

تبدو اللعبة الدائرة في سوريا أكبرُ بكثير مما يعتقد، خصوصا بعد انضمام الـروسي إلى الإيراني في القتـال على الأرض، وبعد التهديد المباشر للدروز، الطائفة المؤسسة للكيان السوري في شكله الحالي.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مطلوب رئيس للبنان… لأن اللعبة في سوريا مطلوب رئيس للبنان… لأن اللعبة في سوريا



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 19:53 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 08:23 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:03 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 18:00 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تشعر بالانسجام مع نفسك ومع محيطك المهني

GMT 15:27 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

توقيف فتاة كانت بصحبة شاب على متن سيارة في أغادير

GMT 03:00 2017 الإثنين ,02 كانون الثاني / يناير

أنطوان واتو يجسّد قيم السعادة في لوحاته الفنيّة

GMT 18:55 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تمرّ بيوم من الأحداث المهمة التي تضطرك إلى الصبر

GMT 20:15 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

افتتاح المهرجان الدولي لمسرح الطفل في رومانيا

GMT 12:01 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

وجهات منازل رائعة استوحي منها ما يناسبك

GMT 09:29 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

أفكار مختلفة لترتيب حقيبة سفركِ لشهر العسل

GMT 08:44 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منظمة "ميس أميركا" ترفع الحد الأقصى لسنّ المتسابقات

GMT 09:08 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

أفضل الطرق لتنسيق تنورة الميدي مع ملابسك في الشتاء
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca