روسيا والمنتج السوري... والكابوس الإيراني

الدار البيضاء اليوم  -

روسيا والمنتج السوري والكابوس الإيراني

خيرالله خيرالله
خيرالله خيرالله

هناك منتج تعتقد روسيا انّ في استطاعتها تسويقه وجني أرباح منه وتعزيز وضعها على خريطة العالم في الوقت ذاته. لم تنجح، اقلّه الى الان، في ذلك. اسم هذا المنتج هو المنتج السوري. لم تتمكّن روسيا الى اليوم من تسويق منتجها السوري تمهيدا لبيعه لزبون مهتمّ به. ليس هناك من يريد هذا النوع من البضاعة لأسباب عدّة. في مقدّم هذه الأسباب ان المنتج نفسه غير قابل للتسويق، ثمّ لان روسيا لم تستفد من تجارب الماضي ومن الواقع الذي تعيش في ظلّه وبقيت تدعم نظاما منتهي الصلاحيّة منذ فترة طويلة.

يبدو انّ روسيا لم تستطع في أي وقت اخذ العلم بانّ الحرب الباردة انتهت مع انهيار جدار برلين في تشيرين الثاني – نوفمبر 1989. لم تدرك ان النظام السوري الذي اسّسه حافظ الأسد في العام 1970 يمكن ان يبقى نصف قرن واكثر، لكنّه لا يصلح في النهاية لايّ مقايضة مع هذه القوة او تلك، خصوصا مع الولايات المتّحدة التي لا يهمّها ما الذي يحلّ بسوريا. كلّ ما يهمّ اميركا، بغض النظر عن الإدارة فيها، هو الّا يكون هناك خطر على إسرائيل مصدره سوريا. تعرف واشنطن جيّدا انّ النظام السوري ينتمي الى ايّام الحرب الباردة، أي انّه جزء من ماض عفا عنه الزمن.

متى راجعنا التاريخ الحديث، نكتشف اوّل ما نكتشف ان اميركا تحصل من سوريا على ما تشاء ساعة تشاء. من كان وراء اتفاق فك الاشتباك السوري- الإسرائيلي في الجولان في العام 1974؟

الجواب ان هنري كسينجر ولا احد غيره، كان وراء الاتفاق الذي شكل نقطة تحوّل على الصعيد الإقليمي بإغلاقه جبهة الجولان نهائيا وفتحه المجال للدخول العسكري السوري الى لبنان لاحقا. اكثر من ذلك، لم يكن الدخول العسكري السوري الى لبنان، في العام 1976 و1977، سوى بضوء اخضر أميركي – إسرائيلي وبفضل وساطة اردنية.  
في سوق السياسة الدولية، كان الاستثمار الروسي في سوريا استثمارا فاشلا في كلّ وقت. قد يعود ذلك أساسا الى ان روسيا ليست تاجرا ناجحا، تماما كما كانت حال الاتحاد السوفياتي الذي استثمر في مناطق كثيرة من العالم كي يكتشف انّ كلّ استثماراته هذه لا تفيده في شيء. كان المثل الأبرز على ذلك الاستثمار السوفياتي في اليمن الجنوبي. اقام الاتحاد السوفياتي في ما كان يسمّى، قبل الوحدة اليمنية في العام 1990، "جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية" نظاما غير قابل للحياة. انفجر هذا النظام من داخل في 13 كانون الثاني – يناير 1986 بعدما تبيّن ان النظام الماركسي، نظام الحزب الواحد الحاكم، في بلد لا تزال تسيطر عليه العشائرية والمناطقيّة ولا يمتلك أي مقومات تسمح له بالاستمرار من دون المساعدات السوفياتية المباشرة. لم يجد الاتحاد السوفياتي من يخلي له مواطنيه من عدن اثر "احداث 13 يناير" ذات الطابع الدموي غير يخت ملكة بريطانيا وقتذاك، أي يخت القوة التي استعمرت اليمن الجنوبي في الماضي.

نعم، لم تكن روسيا، وقبلها الاتحاد السوفياتي، يوما تاجرا ناجحا. لم تستطع، بالتالي، بيع اي بضاعة تنتجها... باستثناء النفط والسلاح. كلفة استخراج برميل النفط الروسي، لسوء الحظ مرتفعة. هذا يعني تأثر روسيا باي خفض لأسعار النفط في ظلّ غياب ما يعوّض أي خسائر تنجم عن هبوط سعر الذهب الاسود.

امّا السلاح الروسي (السوفياتي سابقا)، فلم يثبت بشكل عام اي نجاح في اي معركة شارك فيها باستثناء الحروب على شعوب لا تمتلك سلاحا. شكا من ذلك زبائن السلاح الروسي الذين دخلوا في مواجهات مع سلاح اخر غربي. في السنوات الخمس الاخيرة حاول الروسي استغلال المأساة السورية كي يحقق نجاحا ما لسلاحه. من هذا المنطلق، عمل على تسويق سلاحه الجوّي عبر اظهار تطوّر طائراته وتفوّقها من خلال قصف المدن والبلدات السورية، فكان النتيجة صفرا لانه لم يدخل معارك جوية فعلية. في الواقع، قصف بلدات ومدن وقرى مليئة بالمدنيين شبه عزل.

اما الدفاعات الجوية الروسيّة التي باعها للجيش السوري فهي مازالت ومنذ ثلاث سنوات تتلقى النكسة تلو الاخرى من خلال المحاولات اليائسة لاعتراض الطيران والصواريخ الاسرائيلية التي تستهدف الاهداف الايرانية الموجودة في سوريا.

الى اليوم، لم يتجرأ الجانب الروسي على استخدام صواريخه، كذلك لم يسمح للنظام في سوريا باستخدام منظومة صواريخ اس اس 300 او اس اس 400. قد يكون ذلك عائدا الى خوف من انكشاف فشل المنظومة الصاروخية التي يحاول الروسي تسويقها عالميا كمنتج حربي فعال.

فشلت روسيا في تسويق سلاحها مثلما فشلت في تسويق منتجها السوري. ليس استقبال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وزير الخارجية الإسرائيلي غابي اشكنازي وعقده مؤتمرا صحافيا مشتركا معه بعد يوم واحد من استقباله وفدا من "حزب الله"، من دون دلالات. بين هذه الدلالات انّ موسكو باتت تعرف انّ هناك اطارا محددا لمهمّتها السورية. يفرض هذا الاطار الاعتراف بانّ وضع نفسها في خدمة ايران في سوريا لا يفيد في شيء. هناك مدخل وحيد لإعادة الحياة الى دور روسي ما في سوريا. هذا المدخل يتمثل في خروج الإيراني. هل هذا ممكن او وارد؟

في ظلّ وجود الإيراني في سوريا، لا امل بتسويق المنتج السوري الذي ظن الرئيس فلاديمير بوتين انّه الطريق الاقصر لجعله في موقع القيصر في الساحة الديبلوماسية الدولية.

في غياب القدرة على اخراج الإيراني من سوريا، ستكون روسيا كمن يضع يده على منتج لا يشبه سوى قالب ثلج كبير في الصحراء يذوب ذوبانا سريعا. سوريا كلّها تتحلل مع الوقت، سوريا تموت اقتصاديا واجتماعيا... فيما حلم مشاركة روسيا في إعادة اعمار سوريا بأموال أميركية وأوروبية وعربيّة صار اقرب الى وهم من شيء آخر. هل يمكن لروسيا ان تقدم في يوم من الايّام على خطوة مفيدة في سوريا تخدم من خلالها سوريا نفسها وشعبها والمنطقة؟ هذا ممكن عبر إزاحة الكابوس الإيراني بدل عمل كلّ شيء كما حصل في العام 2015 كي يبقى ركيزة لنظام لا مستقبل من أي نوع له.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

روسيا والمنتج السوري والكابوس الإيراني روسيا والمنتج السوري والكابوس الإيراني



GMT 09:12 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

الخضرة والماء والوجه الحسن

GMT 09:08 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

اللبنانيّون وقد طُردوا إلى... الطبيعة!

GMT 09:04 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

الضوء الأخضر للإرهاب

GMT 08:57 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

تايوان... «أوكرانيا الصين»!

GMT 08:52 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

أصوات العرب: جوّال الأرض

GMT 19:53 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 08:23 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:03 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 18:00 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تشعر بالانسجام مع نفسك ومع محيطك المهني

GMT 15:27 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

توقيف فتاة كانت بصحبة شاب على متن سيارة في أغادير

GMT 03:00 2017 الإثنين ,02 كانون الثاني / يناير

أنطوان واتو يجسّد قيم السعادة في لوحاته الفنيّة

GMT 18:55 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تمرّ بيوم من الأحداث المهمة التي تضطرك إلى الصبر

GMT 20:15 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

افتتاح المهرجان الدولي لمسرح الطفل في رومانيا

GMT 12:01 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

وجهات منازل رائعة استوحي منها ما يناسبك

GMT 09:29 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

أفكار مختلفة لترتيب حقيبة سفركِ لشهر العسل

GMT 08:44 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منظمة "ميس أميركا" ترفع الحد الأقصى لسنّ المتسابقات

GMT 09:08 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

أفضل الطرق لتنسيق تنورة الميدي مع ملابسك في الشتاء

GMT 14:11 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

جمعية خيرية تنظيم حملة للتبرع بالدم في تاوريرت

GMT 09:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيقاف وسيط في تجارة الممنوعات بالقصر الكبير
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca