الفراغ بعد الانهيار في لبنان

الدار البيضاء اليوم  -

الفراغ بعد الانهيار في لبنان

خيرالله خيرالله
خيرالله خيرالله

انتهت السنة 2020 بتخلي اللبنانيين عن فكرة وجود حكومة. بات عليهم العيش في بلد من دون حكومة لفترة طويلة يصعب التكهن بمدّتها. الأخطر من ذلك كلّه، انّ هذا الفراغ الحكومي سينسحب على البلد كلّه. اصبحنا نعيش في ما يمكن تسميته بالفراغ اللبناني.

ليس ما يضمن انتخاب رئيس جديد للجمهورية لدى انتهاء ولاية ميشال عون في السنة 2022 وليس ما يضمن اجراء انتخابات نيابية جديدة يوما. لنفترض ان في الإمكان اجراء مثل هذه الانتخابات، هناك سؤال سيطرح نفسه بحدّة: بموجب أي قانون ستكون هناك انتخابات؟ هل بموجب القانون الذي فرضه "حزب الله" وأجريت على أساسه انتخابات ايّار – مايو 2018، وهي انتخابات خرج بعدها قاسم سليماني، قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري" الذي اغتاله الاميركيون قبل سنة، ليقول ان ايران باتت تمتلك "الأكثرية" في مجلس النوّاب اللبناني.

يمثّل الفراغ الامر الواقع الذي فرضه رئيس الجمهورية ميشال عون الذي صار همّه محصورا في انقاذ المستقبل السياسي لشخص لا وجود لمستقبل له. هذا الشخص هو صهره جبران باسيل الذي فرضت عليه عقوبات أميركية بموجب قانون ماغنتسكي الذي يختص بالفساد.

واهم من يعتقد ان في استطاعة حكومة لبنانية تكون لجبران باسيل حصّة فيها إعادة تعويم الرجل. واهم اكثر من يظنّ ان ايران ستنتصر في المنطقة وانّها ستتمكن من إيصال جبران باسيل الى موقع رئيس الجمهورية، على غرار ما حصل مع ميشال عون في العام 2016.

كان جديد السنة 2020 بالنسبة الى لبنان انّه لم يعد يهمّ العالم. حاولت فرنسا انقاذ ما يمكن إنقاذه عبر زيارتين للرئيس ايمانويل ماكرون مباشرة بعد تفجير مرفأ بيروت، لكنّ فرنسا اكتشفت انّ لبنان ليس همّا لبنانيا. سياسيو لبنان في عالم آخر لا علاقة له بلبنان وهم عاجزون عن استيعاب ما على المحكّ وماذا يعني حلول الفراغ بعد الانهيار.

فوق ذلك كلّه، لم يعد لبنان همّا عربيا. وضع العرب، بما في ذلك اهل الخليج لبنان طيّ النسيان والتجاهل في آن. اخذوا علما بانّ لبنان ساقط عسكريا وسياسيا وانّ ليس ما يدعو الى القيام باي خطوة في اتجاهه. يتعاطون مع لبنان بصفة كونه مستعمرة إيرانية. لم يوجد سياسي لبناني يردّ على الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله عندما شنّ اخيرا حملة على المملكة العربيّة السعودية في اللقاء الأخير مع الصحافي غسّان بن جدّو عبر فضائية "الميادين". ما سرّ هذه الحملة في هذا التوقيت بالذات؟ ليس التوقيت مهمّا بمقدار ما انّ المطلوب تكريس لبنان في نهاية السنة 2020 مجرّد "ساحة" إيرانية لا اكثر تفعل فيها "الجمهورية الاسلاميّة" ما تشاء في ظلّ "العهد القوي" الذي ليس في واقع الحال سوى "عهد حزب الله". تسمح ايران للبنان بالتفاوض في شأن ترسيم الحدود مع إسرائيل، ثمّ تغلق الملفّ وفق اجندة خاصة بها وحدها.

انتقل لبنان من الانهيار الى... الفراغ. مهمّة انقاذ جبران باسيل مهمّة مستحيلة لا تستأهل العناد ولا يفيد فيها العناد. العناد لا يفيد لانّ لا وجود لسياسة اسمها سياسة العناد في بلد مغلوب على امره أوصل نفسه الى المأزق الذي يعاني منه.

تفرّج اللبنانيون على الانهيار. اكتشفوا ان ليس لديهم ما يفعلونه بعدما احتجزت المصارف أموالهم في ما يمكن اعتباره سرقة العصر. اكتشفوا أيضا عجز دولة، كانت قائمة بأجهزتها المختلفة، لم تستطع الإجابة عن سؤال في غاية البساطة: ما الأسباب الحقيقية لتفجير مرفأ بيروت ومن وراء تخزين مادة نيترات الامونيوم في احد عنابر المرفأ طوال سنوات؟

لبنانيا، ستكون السنة 2021 أسوأ من السنة 2020، لا لشيء سوى لانّ الدولة بشكلها الذي عرفناه منذ الاستقلال، لم تعد قائمة. ما كان طبيعيا صار استثناء. الطبيعي تشكيل حكومة. امّا الاستثناء، فهو في الإصرار على رفض تشكيل حكومة لا تضمّ سوى اختصاصيين في ظلّ عهد يبحث عن الفراغ بعدما ضمن حصول الانهيار الكامل لكلّ المقومات التي قام عليها البلد.

كان تفادي الفراغ، على رأس الدولة، وراء انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية. ما تحقّق الى الآن هو تكريس الفراغ من رأس الدولة الى اخمص قدميها. صار لبنان في حاجة الى اكثر من حكومة. صار في حاجة الى صيغة جديدة، أي الى إعادة تأسيس. حقّق "حزب الله" ما كان يصبو اليه عبر إصراره على ان يكون ميشال عون رئيسا للجمهورية. ليس معروفا هل ستسمح له الظروف بطرح المؤتمر التأسيسي في ظلّ معادلة إقليمية مواتيه له في المدى القريب.

ثمّة معطيات كثيرة تعمل في غير مصلحة لبنان. من بين هذه المعطيات ما سبق وذكره عن غياب الاهتمام الدولي والعربي بمصير الوطن الصغير. يحصل ذلك في ظلّ استمرار هجرة الشباب اللبناني، خصوصا الشباب المسيحي، في غياب ما يشير الى ايّ استيعاب لمعنى لعب رئيس الجمهورية والحزب التابع له دور الغطاء لـ"حزب الله" وسياسات ايران.

ما يحصل في لبنان مخيف، بل مخيف جدّا. كان انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية من اجل تفادي الفراغ. كان استمرار الفراغ افضل في ظلّ حكومة برئاسة تمّام سلام. ما حصل بعد وصول ميشال عون الى قصر بعبدا ان الفراغ تكرس، خصوصا مع فقدان أي امل في تشكيل حكومة برئاسة سعد الحريري لا حزبيين فيها ولا محاصصة، بل مجموعة اختصاصيين قادرة على التعاطي مع المؤسسات الدولية بطريقة علمية. على رأس هذه المؤسسات صندوق النقد الدولي الذي لا توجد جهة أخرى غيره مستعدة للبحث في كيفية مساعدة لبنان.

قبل 31 تشرين الاوّل - اكتوبر 2016، كان الخوف من الفراغ ومن بقاء لبنان من دون رئيس جمهورية. بعد ذلك التاريخ، تضاعف الخوف مرّات عدّة في ظلّ انهيار وفراغ في الوقت ذاته. حصل الانهيار على كلّ المستويات وفي كلّ القطاعات، في حين يبدو جليّا انّ الفراغ سيطول في انتظار صيغة جديدة لبلد فقد في السنوات القليلة الماضية كلّ مقومات وجوده بعد تحوّله الى مجرّد ورقة إيرانية في لعبة كبيرة تدور في المنطقة كلّها... لعبة لم يعد لبنان سوى تفصيل صغير فيها!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفراغ بعد الانهيار في لبنان الفراغ بعد الانهيار في لبنان



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 19:53 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 08:23 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:03 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 18:00 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تشعر بالانسجام مع نفسك ومع محيطك المهني

GMT 15:27 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

توقيف فتاة كانت بصحبة شاب على متن سيارة في أغادير

GMT 03:00 2017 الإثنين ,02 كانون الثاني / يناير

أنطوان واتو يجسّد قيم السعادة في لوحاته الفنيّة

GMT 18:55 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تمرّ بيوم من الأحداث المهمة التي تضطرك إلى الصبر

GMT 20:15 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

افتتاح المهرجان الدولي لمسرح الطفل في رومانيا

GMT 12:01 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

وجهات منازل رائعة استوحي منها ما يناسبك

GMT 09:29 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

أفكار مختلفة لترتيب حقيبة سفركِ لشهر العسل

GMT 08:44 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منظمة "ميس أميركا" ترفع الحد الأقصى لسنّ المتسابقات

GMT 09:08 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

أفضل الطرق لتنسيق تنورة الميدي مع ملابسك في الشتاء

GMT 14:11 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

جمعية خيرية تنظيم حملة للتبرع بالدم في تاوريرت

GMT 09:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيقاف وسيط في تجارة الممنوعات بالقصر الكبير
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca