لبنان واحتمال خروج ايران منه

الدار البيضاء اليوم  -

لبنان واحتمال خروج ايران منه

خيرالله خيرالله
خيرالله خيرالله

ليس في المدى المنظور ما يوحي بإمكان اخراج لبنان من الوصاية الإيرانية، علما ان الامر ليس مستحيلا. تزداد صعوبة الخروج الايراني نظرا الى ان ايران تسعى الى عقد صفقة مع "الشيطان الاكبر" الأميركي تشمل إعادة الحياة الى الاتفاق في شأن ملفّها النووي، وهو اتفاق وقعته في تموز – يوليو 2015 مع مجموعة الخمسة زائدا واحدا، أي الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن والمانيا.

تقوم الصفقة، من وجهة النظر الإيرانية، على احتفاظ "الجمهورية الإسلامية" بمواقعها في كلّ من العراق وسوريا ولبنان واليمن. ليس معروفا هل هذا ممكن في ضوء المعطيات الجديدة في المنطقة والعالم؟ ما ليس معروفا ايضا هل ستتمكّن ايران مجددا من دخول مساومة ناجحة مع اميركا من منطلق القدرة على امتلاك السلاح النووي.

في مقدّم المعطيات الجديدة في المنطقة والعالم وجود إدارة أميركية ذات توجهات مختلفة برئاسة جو بايدن. ستباشر الادارة مهماتها في العشرين من كانون الثاني – يناير المقبل، أي في غضون خمسة أسابيع تقريبا. يأتي بعد ذلك الاهتمام الأوروبي بالسلوك الإيراني خارج حدود "الجمهورية الإسلامية". وهذا يشمل لبنان في طبيعة الحال، كما يشمل اليمن وامن البحر الأحمر والعراق وسوريا وتهديدات ايران لدول الخليج العربي. يعبّر عن هذا التوجه الأوروبي الجديد الموقف الأخير لكلّ من المانيا وفرنسا وبريطانيا. وهو موقف يعتبر ان التفاوض مع ايران في شأن ملفّها النووي والعودة الى اتفاق 2015، الذي مزقه دونالد ترامب في العام 2018، لا يمكن الّا ان يشمل مواضيع أخرى. من بين هذه المواضيع الصواريخ والسلوك الخارجي لإيران.

هناك معطى آخر يصعب تجاهله هو المعطى الإسرائيلي. دخلت إسرائيل، كما ظهر من خلال اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة أخيرا قرب طهران، في حرب مكشوفة مع "الجمهورية الإسلامية" بعدما تبيّن ان الصواريخ الباليستية التي تمتلكها الأخيرة ليست مزحة. زادت هذه الصواريخ دقّة، كما زاد عددها، خصوصا في لبنان. ليس معروفا ما الذي ستفعله إسرائيل التي باتت مقتنعة بانّ هناك خطرا كبيرا يتهدّدها بشكل مباشر هو خطر الصواريخ الإيرانية، فضلا عن الطائرات من دون طيّار، التي اثبتت فعالية في الاعتداء على منشآت شركة "أرامكو" في منطقة ابقيق السعودية في الرابع عشر من أيلول – سبتمبر 2019.

بكلام أوضح، لا وجود لتفاهم على إعادة الحياة الى الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني من دون اخذ لكلّ هذه المعطيات الجديدة في الاعتبار، خصوصا في ظلّ وجود إدارة أميركية تعتبر ان التفاهم مع أوروبا نقطة قوّة بالنسبة اليها. اكثر من ذلك، لدى هذه الإدارة رغبة في مدّ الجسور مجددا مع دول القارة القديمة. تعتبر إدارة بايدن أوروبا جزءا لا يتجزّأ من تحالف دولي مهمّته مواجهة التحديين الصيني والروسي. هذان التحديان، خصوصا التحدي الصيني، أولوية لدى الادارة الأميركية الجديدة التي تأخذ على دونالد ترامب الإصرار على مواجهة الصين وحيدا من دون الاعتماد على الحلفاء في أوروبا او في المنطقة القريبة من الصين، مثل الحليف الياباني والكوري الجنوبي.

كيف يستطيع بلد صغير، في وضع ميؤوس منه مثل لبنان، الاستفادة من المعطيات الجديدة إقليميا ودوليا؟ الجواب ان الحاجة الى وقت لعودة الاهتمام الدولي بلبنان. صحيح ان فرنسا تراقب الوضع فيه عن كثب وهي قلقة من هجرة جديدة للمسيحيين من البلد بسبب الفقر والجوع والدمار الذي تعرّض له قسم من بيروت وبسبب وجود رئيس للجمهورية همّه الاوّل مستقبل صهره جبران باسيل وليس مستقبل لبنان، لكن الصحيح أيضا انّ طبيعة النزاعات في البحر المتوسط تفرض وجود قواعد جديدة للعبة.

يوحي وجود قواعد جديدة للعبة بإمكان تجدد الاهتمام الأوروبي، وبالتالي الأميركي، بلبنان وذلك ليس بسبب الاطماع الإيرانية فحسب، بل بسبب العامل التركي أيضا. هذا ما يفسّر الى حد كبير بداية بحث في قيام لجنة رباعية تولي لبنان اهمّية خاصة على ان تكون هذه اللجنة المانية – فرنسية – بريطانية – أميركية. الأكيد أنّ الفاتيكان الذي لم يكن بعيدا عن فكرة "حياد لبنان"، التي تولّى طرحها البطريرك الماروني بشارة الراعي، في تواصل مع واشنطن. ليس خافيا وجود علاقة قويّة بين البابا فرنسيس رأس الكنسية الكاثوليكية من جهة وجو بايدن، ثاني كاثوليكي، بعد جون كينيدي، يصل الى موقع الرئاسة الأميركية من جهة اخرى. كذلك، ليس خافيا القلق لدى الفاتيكان على الوجود المسيحي في لبنان، خصوصا بوجود ميشال عون في قصر بعبدا والعلاقة بينه وبين "حزب الله" الذي ليس سوى لواء في "الحرس الثوري" الايراني.

شيئا فشيئا يمكن ان يكون هناك امل ما بعودة التركيز الدولي على لبنان، اقلّه بسبب الوعي الفرنسي لأهمّية مرفأ بيروت الذي بنته بنفسها في القرن التاسع عشر عندما كانت بيروت لا تزال ولاية عثمانية. المانيا نفسها، التي كانت في الفترة الماضية في موقف المراقب للتطورات، بدأت تولي اهتماما اكبر بما يدور في المنطقة وفي لبنان وفي البحر المتوسط تحديدا. الأكيد ان ثقل المانيا، بما تملكه من قطع بحرية يراقب بعضها الشاطئ اللبناني منذ العام 2006، يفوق الثقل الفرنسي. هذا الثقل الفرنسي الذي تحوّل في الأشهر القليلة الماضية الى هدف تركي بعدما اعتبر الرئيس رجب طيّب اردوغان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عدوّا شخصيا له وراح يهاجمه بالاسم.

تبقى مشكلة كبيرة تتمثل في ان الوقت لا يعمل لمصلحة لبنان الذي يتساقط فيه كلّ شيء. اخطر ما في هذه المشكلة انّ ايران ليست مهتمّة بلبنان ومصيره وبما اذا بقي شيء من بيروت او من المصارف اللبنانية التي لم تستطع استخدامها كما كانت ترغب. لكنّ ذلك كلّه لا يمنع الاعتراف بوجود بعض الامل للبنان انّما في المستقبل البعيد، أي بعد خروج ميشال عون من قصر بعبدا وخروج ايران من لبنان الذي عملت على تغيير طبيعة تركيبته السكّانية بعدما نجحت في تغيير طبيعة جزء كبير من طبيعة المجتمع الشيعي... منذ العام 1982 على وجه التحديد.

يظلّ لبنان جزءا من المنطقة وجزءا من التحولات التي شهدتها ولا تزال تشهدها. يظل مطروحا سؤال في غاية الخطورة هل من قيادات لبنانية قادرة على لعب دور في المرحلة المقبلة، دور في حجم الاحداث الكبيرة التي تبدو المنطقة كلّها مقبلة عليها، بما في ذلك لبنان الذي يمكن ان تخرج ايران منه؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان واحتمال خروج ايران منه لبنان واحتمال خروج ايران منه



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 19:53 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 08:23 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:03 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 18:00 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تشعر بالانسجام مع نفسك ومع محيطك المهني

GMT 15:27 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

توقيف فتاة كانت بصحبة شاب على متن سيارة في أغادير

GMT 03:00 2017 الإثنين ,02 كانون الثاني / يناير

أنطوان واتو يجسّد قيم السعادة في لوحاته الفنيّة

GMT 18:55 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تمرّ بيوم من الأحداث المهمة التي تضطرك إلى الصبر

GMT 20:15 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

افتتاح المهرجان الدولي لمسرح الطفل في رومانيا

GMT 12:01 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

وجهات منازل رائعة استوحي منها ما يناسبك

GMT 09:29 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

أفكار مختلفة لترتيب حقيبة سفركِ لشهر العسل

GMT 08:44 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منظمة "ميس أميركا" ترفع الحد الأقصى لسنّ المتسابقات

GMT 09:08 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

أفضل الطرق لتنسيق تنورة الميدي مع ملابسك في الشتاء

GMT 14:11 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

جمعية خيرية تنظيم حملة للتبرع بالدم في تاوريرت

GMT 09:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيقاف وسيط في تجارة الممنوعات بالقصر الكبير
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca