عندما يلجأ "حزب الله" الى القضاء

الدار البيضاء اليوم  -

عندما يلجأ حزب الله الى القضاء

خيرالله خيرالله
خيرالله خيرالله

جيّد ان يستفيق "حزب الله" أخيرا على وجود قضاء لبناني ومؤسسات لدولة لبنانية في محاولته لإسكات صوت واضح وصريح ومتوازن مثل صوت النائب السابق الدكتور فارس سعيد.

لجأ الحزب، الذي لم يطلب يوما ترخيصا من السلطات اللبنانية، نظرا الى ان لديه دولته الاهمّ من الدويلة اللبنانية، الى القضاء لسبب في غاية البساطة. يعود هذا السبب الى ان فارس سعيد ينادي بالسيادة اللبنانية وانّه عمل طويلا من اجل استعادة هذه السيادة. قد يكون التفسير الأقرب الى المنطق، لمحاولة النيل من فارس سعيد عبر القضاء، انّ الرجل يركّز على سلاح "حزب الله" في الوقت الذي ليس من يشكّ بانّ لديه أي نوع من التعصّب الطائفي او المذهبي في بلد صار مطلوبا فيه ان يكون المواطن لاجئا سياسيا لدى طائفته والّا يتطلع الى يوم يستعيد لبنان وضعه الطبيعي. مطلوب بكلّ وضوح ان يكون لبنان رهينة لدى ايران عن طريق سلاح "حزب الله" غير الشرعي الذي صار في استطاعته تقرير من هو رئيس الجمهورية المسيحي.

لا يحتاج فارس سعيد الى من يدافع عنه. يستطيع الدفاع عن نفسه بفضل المواقف التي اتخذها والتي تصبّ في استعادة لبنان دوره العربي وتكريس العيش المشترك. ليس في لبنان من يستطيع النيل من الرجل، وهو طبيب ابن طبيب، ولا من عائلته التي كانت دائما في خدمة المواطنين العاديين بغض النظر عن دينهم او ملّتهم.

من هذا المنطلق، يبدو مستغربا ادعاء "حزب الله" على فارس سعيد وعلى موقع حزب "القوات اللبنانية" بحجة ان الجانبين اتهما الحزب بالوقوف وراء تفجير مرفأ بيروت في الرابع من آب – أغسطس الماضي. في النهاية، يستطيع أي لبناني او أي جهة لبنانية توجيه اتهامات الى "حزب الله" في ضوء ممارساته التي تكشف انّه الآمر الناهي في الجمهورية اللبنانية وان لا شيء يمكن ان يحصل من دون رضاه ومباركته. يشمل ذلك الحركات الصبيانية التي يقوم بها بعض الذين يدّعون الانتماء الى ثورة 17 تشرين والتي تستهدف شخصيات لبنانية موجودة في أماكن عامة، بغض النظر عن مسؤولية هذه الشخصيات في الوصول الى ما وصل اليه البلد. هل يتجرّأ هؤلاء "الثوار" الذين يخدمون "حزب الله" من حيث يدرون او لا يدرون الاقتراب من أي شخص لديه غطاء ما من "حزب الله".

آن أوان حلول النضج السياسي مكان التصرفات التي يمارسها مراهقون او متعاملون بطريقة او بأخرى مع "حزب الله". دخل لبنان مرحلة التفتت النهائي في ظلّ سلاح "حزب الله". بكلام أوضح، باتت هناك حاجة الى طرح الأسئلة الحقيقية. في طليعة هذه الأسئلة لماذا كلّ هذا التضايق من شخص مثل فارس سعيد لم يؤذ نملة في يوم من الايّام؟ كيف يستطيع حزب يعترف بان ولاءه لإيران وليس للبنان، الذي لا يعترف به أصلا، ملاحقة مواطن لبناني ذنبه الوحيد مناداته بالسيادة وبخروج لبنان من وضع الرهينة الإيرانية؟

اللافت ان ادعاء "حزب الله" على فارس سعيد وعلى موقع "القوات اللبنانية" جاء في ذكرى مرور أربعة اشهر على تفجير مرفأ بيروت. لم يظهر التحقيق اللبناني شيئا حتّى الان وذلك بعدما بادر رئيس الجمهورية ميشال عون منذ البداية الى استبعاد أي تحقيق دولي. يبدو واضحا ان المطلوب تمييع التحقيق ومتابعة الدوران في حلقة مقفلة... والبحث عن كبش محرقة يجري تحميله جريمة في حجم جريمة تفجير مرفأ بيروت.

هذا ما كان مطلوبا منذ البداية لدى اغتيال رفيق الحريري ورفاقه، في مقدّمهم باسل فليحان، في الرابع عشر من شباط – فبراير 2005. لو ترك الامر في 2005 للسلطات اللبنانية، ولرئيس الجمهورية وقتذاك اميل لحّود، لكان جرى تمييع التحقيق ولكان البحث جاريا، الى الآن، عن ذلك المجهول المعروف اكثر من اللزوم الذي نفّذ الجريمة. بفضل التحقيق الدولي وبفضل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، امكن أخيرا تحديد الجهة التي تقف وراء الاغتيال وإدانة سليم عيّاش الذي ينتمي الى "حزب الله" وليس الى أي جهة أخرى.

دعا اميل لحّود بعيد تفجير موكب رفيق الحريري الى تنظيف مسرح الجريمة سريعا "كي تعود الناس الى اشغالها" ووصف ما حصل بانّه "رذالة". من الواضح في السنة 2020، ان هناك من يسعى في عهد ميشال عون الى الوصول ما لم يكن ممكنا الوصول اليه في عهد اميل لحود. هذا يعني تجاهل الكارثة التي حصلت وتجاهل مقتل 200 شخص، بين مواطن ومقيم، وجرح الآلاف وتهجير 300 الف شخص من بيوتهم والقضاء على آلاف فرص العمل في منطقة ذات طابع مسيحي مليئة بالمطاعم والمقاهي والمحلات التجارية.

من حسن الحظّ انّه لا يزال هناك عصب مقاوم في لبنان وهناك من يسمّي الأشياء بأسمائها بدل السقوط في الافخاخ التي ينصبها "حزب الله" للبنانيين وللبنان. يحصل ذلك في وقت تمرّ المنطقة كلّها في حال مخاض، فيما لا يوجد من يريد حماية لبنان وإنقاذ ما لا يزال في الإمكان انقاذه. لا يزال هدف رئيس الجمهورية انقاذ المستقبل السياسي لشخص لا مستقبل له. الاولويّة لدى ميشال عون هي لصهره جبران باسيل، الذي فرضت عليه عقوبات أميركية، وليس لتسهيل تشكيل حكومة لا تضمّ سوى اختصاصيين برئاسة سعد الحريري بصفة كونه لا يزال قادرا، وان بحدود معيّنة، على التعاطي مع المجتمعين العربي والدولي. 

ليس معروفا الى اين يريد "حزب الله" اخذ لبنان، باستثناء ان الطريق "الى جهنّم"، كما صرّح بذلك رئيس الجمهورية، بات واضح المعالم. الثابت انّ الحملة على فارس سعيد لا تبشّر بالخير، ليس لانّ فارس سعيد يمثل تيّارا معيّنا يدعو في مقدّم ما يدعو اليه الى استقالة رئيس الجمهورية فحسب، بل لانّ هذا التيّار، العابر للطوائف، الذي يتبلور اكثر يوما بعد يوم يدرك ماذا على المحكّ في لبنان هذه الايّام. ما على المحكّ السقوط النهائي لبلد كان يستطيع ان يكون قصّة نجاح، بدل ان يكون قصّة فشل مريع، لولا استباحته بالطريقة التي استبيح بها خدمة لمشروع ميليشوي ومذهبي في الوقت ذاته لا افق له باستثناء نشر الفقر والبؤس والخراب والتخلّف. ليس الادعاء قضائيّا على فارس سعيد سوى تعبير من تعابير هذا المشروع!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عندما يلجأ حزب الله الى القضاء عندما يلجأ حزب الله الى القضاء



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 19:53 2019 الجمعة ,03 أيار / مايو

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 08:23 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجدي الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:03 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 18:00 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تشعر بالانسجام مع نفسك ومع محيطك المهني

GMT 15:27 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

توقيف فتاة كانت بصحبة شاب على متن سيارة في أغادير

GMT 03:00 2017 الإثنين ,02 كانون الثاني / يناير

أنطوان واتو يجسّد قيم السعادة في لوحاته الفنيّة

GMT 18:55 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تمرّ بيوم من الأحداث المهمة التي تضطرك إلى الصبر

GMT 20:15 2018 الجمعة ,12 تشرين الأول / أكتوبر

افتتاح المهرجان الدولي لمسرح الطفل في رومانيا

GMT 12:01 2018 الثلاثاء ,13 آذار/ مارس

وجهات منازل رائعة استوحي منها ما يناسبك

GMT 09:29 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

أفكار مختلفة لترتيب حقيبة سفركِ لشهر العسل

GMT 08:44 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منظمة "ميس أميركا" ترفع الحد الأقصى لسنّ المتسابقات

GMT 09:08 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

أفضل الطرق لتنسيق تنورة الميدي مع ملابسك في الشتاء

GMT 14:11 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

جمعية خيرية تنظيم حملة للتبرع بالدم في تاوريرت

GMT 09:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيقاف وسيط في تجارة الممنوعات بالقصر الكبير
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca