لماذا الانسحاب الأميركي ليس كافيا

الدار البيضاء اليوم  -

لماذا الانسحاب الأميركي ليس كافيا

بقلم - خيرالله خيرالله

ليس الانسحاب الأميركي من الاتفاق كافيا في غياب إستراتيجية أميركية واضحة في الشرق الأوسط والخليج وصولا إلى شمال أفريقيا.لا يكون قطع الطريق على إيران إلا من خلال سوريا

ليس كافيا انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني. كان هذا الملف منذ البداية حجة استخدمها النظام الإيراني من أجل ابتزاز المجتمع الدولي ودول المنطقة في آن. كانت إسرائيل هي المستفيد الأوّل من البرنامج النووي الإيراني. استخدمته بدورها من أجل ابتزاز الولايات المتحدة والحصول منها على ما تريده، خصوصا في شأن كل ما له علاقة بالمساعدات العسكرية والتكنولوجيا المتطوّرة. نجحت إسرائيل في ذلك نجاحا كبيرا. قطفت ثمار التوصّل إلى الاتفاق وثمار الانسحاب الأميركي منه في الوقت ذاته.

ليس الانسحاب الأميركي من الاتفاق كافيا في غياب إستراتيجية أميركية واضحة في الشرق الأوسط والخليج وصولا إلى شمال أفريقيا. هذا ما كشفته بوضوح الكلمة التي ألقاها الرئيس دونالد ترامب، والتي أعلن فيها خروج أميركا من الاتفاق مع إيران.

تضمّنت الكلمة كلّ العناصر التي يمكن أن تؤسّس لإستراتيجية أميركية متكاملة في الإقليم وصولا إلى شمال أفريقيا، خصوصا بعدما تبين أن هناك حتى نشاطا إيرانيا متزايدا في شمال أفريقيا واستغلالا إيرانيا لقضية بين المغرب والجزائر. كان أفضل تعبير عن ذلك اضطرار المملكة المغربية إلى قطع العلاقات مع إيران بعد كشفها تدريب “حزب الله” لعناصر من حركة “بوليساريو” الانفصالية التي ليست سوى أداة جزائرية تستخدم في حرب الاستنزاف التي تشنها الجزائر على المغرب منذ العام 1975 مستخدمة قضية مفتعلة اسمها قضية الصحراء، وهي أرض مغربية.

لم يكن الحزب، الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني، يريد شيئا آخر غير إبلاغ اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، أن بلدهم صار تحت الوصاية الإيرانية

لا يختلف عاقلان يعرفان شيئا، ولو قليلا، عن التاريخ والجغرافيا على ذلك. لم يترك الرئيس الأميركي، على غرار ما فعل في خطاب سابق يوم الثالث عشر من تشرين الأوّل – أكتوبر الماضي نقطة مرتبطة بالنشاط الإيراني في المنطقة إلا وذكرها. كان واضحا أنه يتحدث عن تنفيذ مشروع توسعي في المنطقة. من عناصر هذا المشروع إطلاق صواريخ باليستية من الأراضي اليمنية في اتجاه المملكة العربية السعودية. ليس تفصيلا الموقف الذي اتّخذه الرئيس الأميركي من النشاط الإيراني في اليمن.

كان من بين أهم ما قاله ترامب إنه بات يعرف “أنّ النظام الإيراني يتصدر الدول الراعية للإرهاب في العالم”. أضاف “إنه يصدّر صواريخ خطرة ويشعل الصراعات في الشرق الأوسط ويدعم التنظيمات والميليشيات الإرهابية مثل حزب الله وحماس وطالبان والقاعدة. وعلى مدى السنوات الماضية، قام وكلاء إيران بتفجير السفارات الأميركية والقواعد العسكرية الأميركية، فقتلوا مئات الجنود الأميركيين واختطفوا وسجنوا وعذّبوا مواطنين أميركيين”.

خلاصة الأمر أنّ إدارة ترامب، على خلاف إدارة باراك أوباما، تعرف أن المشكلة مع إيران ليست محصورة بالملف النووي. حصر المشكلة بالملفّ النووي الإيراني كان بمثابة تحايل على المنطق والحقيقة ولا شيء غير ذلك. المشكلة في السلوك الإيراني في المنطقة وفي مشروع يعتمد أوّلا وأخيرا على إثارة الغرائز المذهبية. لو لم يكن الأمر كذلك كيف يمكن تفسير استفزازات “حزب الله” لأهل بيروت السنة خصوصا في اليوم الذي تلا الانتخابات؟

لم يكن الحزب، الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني، يريد شيئا آخر غير إبلاغ اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، أن بلدهم صار تحت الوصاية الإيرانية ولا شيء غير ذلك. لا يريد “حزب الله” حصر انتصاره بالانتخابات، بل يسعى إلى تأكيد أنه انتصر على لبنان واللبنانيين وأنّه سيعاملهم بعد الآن مثلما عامل أهل الجنوب والبقاع في يوم الانتخابات وفي الأيّام التي سبقته.

أظهرت إدارة ترامب أنها جدية في التعاطي مع إيران. هناك متابعة دقيقة لهذا الموضوع. بعد خطاب تشرين الأوّل – أكتوبر الماضي، جرت عملية إعادة هيكلة للإدارة. شملت العملية حلول مايك بومبيو في وزارة الخارجية مكان ركس تيلرسون، وجون بولتون مكان هربرت مكماستر كمستشار لشؤون الأمن القومي. ترافق ذلك مع عملية استيعاب لكوريا الشمالية التي اختارت التخلي في مرحلة معيّنة عن ترسانتها النووية، وأن تقيم كدولة طبيعية وسط محيط فيه دول تتمتع كل منها باقتصاد عملاق هي الصين واليابان وكوريا الجنوبية. لا تكمن أهمية خطوة ترامب تجاه كوريا الشمالية في أنّه استطاع استيعاب خطرها فحسب، بل في أن كوريا الشمالية تصدّر أيضا تكنولوجيا الصواريخ لإيران وغير إيران، ولأنظمة مارقة مثل النظام السوري.

إدارة ترامب، على خلاف إدارة باراك أوباما، تعرف أن المشكلة مع إيران ليست محصورة بالملف النووي

يظل كلّ كلام يصدر عن ترامب كلاما في غياب الخطة الإستراتيجية الشاملة التي تجعل إيران تعيد حساباتها. لا يمكن لمثل هذه الخطة تجاهل أنّ ثمّة حاجة إلى إفهام إيران، بالتي هي أحسن، أن لا مكان لها في سوريا. هذا يعني في طبيعة الحال أن الوجود العسكري الأميركي في سوريا ضرورة. أنه ضرورة للسوريين أوّلا الذين يعانون الأمرّيْن من الاستعمار الإيراني ومن أوهام الكرملين التي تقوم على أن روسيا قوّة عظمى وأن في استطاعتها إقامة منطقة نفوذ تابعة لها انطلاقا من سوريا ومن الانتصار على الشعب السوري.

عندما تكون هناك إستراتيجية أميركية متكاملة، لا تعود لدى أوروبا حجج تتذرّع بها للمحافظة على الاتفاق في شأن الاتفاق مع إيران. هناك منطق أوروبي سليم يقوم على فكرة توسيع الاتفاق المتعلّق بالملفّ النووي الإيراني كي يشمل الصواريخ الباليستية وسلوك إيران في المنطقة، أي ميليشياتها المذهبية. مثل هذا المنطق الأوروبي لا تعود له قيمة متى تتوافر خطة تقضي بوضع حدّ للطموحات الإيرانية، بدءا بمنع التمدد في اتجاه العراق وسوريا ولبنان، أي ربط طهران ببيروت مرورا ببغداد ودمشق.

لا يكون قطع الطريق على إيران إلا من خلال سوريا حيث يلعب النظام الإيراني ورقة مستقبله. سيخرج النظام الإيراني من طهران متى خرج من سوريا. سيخرج مثلما خرج النظام السوري من دمشق يوم خرج من لبنان. صار وجود النظام الأسدي في سوريا يعتمد أوّلا وأخيرا على الوجوديْن الإيراني والروسي، أي على نظامين يتصرّفان بطريقة غير طبيعية خارج حدودهما، غير آخذين في الاعتبار أنّ اقتصادهما لا يتحمّل ذلك.

أخيرا، عندما تكون هناك إستراتيجية أميركية متكاملة، لا يعود الرئيس الإيراني حسن روحاني، وهو شخص يمتلك حدّا أدنى من الذكاء، يرد على ترامب بلغة خشبية لا تريد الاعتراف بأن شيئا ما تغيّر في واشنطن. ما الفائدة من عودة إيران إلى تخصيب اليورانيوم وإلى الرهان على وجود خلافات في وجهات النظر بين أميركا وأوروبا؟ لا فائدة تذكر، إذا أعلنت أميركا صراحة ما الذي تريده وترجمت الكلام الجميل إلى أفعال على أرض الواقع لا أكثر ولا أقلّ…

البداية تكون من سوريا بعد الخطأ الكبير الذي ارتكب في العام 2003 عندما سُلّم العراق على صحن من فضّة إلى إيران!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا الانسحاب الأميركي ليس كافيا لماذا الانسحاب الأميركي ليس كافيا



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 05:07 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

خلطات سهلة من بودرة القرفة والألوفيرا لشعر صحيّ ولامع

GMT 18:13 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

"حق الله على العباد" محاضرة بتعاوني جنوب حائل السبت

GMT 18:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 02:33 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

زاهي حواس يكشف حقائق مُثيرة عن مقبرة "توت عنخ آمون"

GMT 08:52 2018 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

توقيف أحد اللصوص داخل مدرسة التقدم في أغادير

GMT 07:35 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

ريتا أورا تُناهض التحرّش وتثير الجدل بإطلالة مثيرة

GMT 01:09 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

مصادر تنفي خبر مقتل الفنان اللبناني فضل شاكر في غارة جوية

GMT 05:12 2016 الأربعاء ,07 كانون الأول / ديسمبر

تيريزا ماي تحضر قمة مجلس التعاون الخليجي

GMT 07:04 2016 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

حرباء متغيرة اللون يمتد لسانها لـ60 ميلًا لصيد فريستها

GMT 22:38 2014 الثلاثاء ,08 تموز / يوليو

قميص نيمار يظهر في الملعب قبل مواجهة ألمانيا

GMT 01:22 2015 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

المدافئ الكهربائية تتغلب على النمط التقليدي بأناقتها المميزة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca