روسيا وسوريا... وتجربة الاتحاد السوفياتي

الدار البيضاء اليوم  -

روسيا وسوريا وتجربة الاتحاد السوفياتي

بقلم : خيرالله خيرالله

قد تستطيع روسيا الاعتراض على التوجه الأميركي وعلى الرغبة الأميركية في البقاء في منطقة شرق الفرات ولكن ماذا عن التنسيق بين الكرملين وإسرائيل؟

منطقي أن ترفض إيران التعلم من تجربة الاتحاد السوفييتي التي تتلخّص بأنّ ليس في الإمكان ممارسة سياسة إمبريالية من دون اقتصاد قوي. من غير المنطقي أن ترفض روسيا الاستفادة من تجربة الاتحاد السوفييتي والأسباب التي أدت إلى تفكّكه وانهياره في تاريخ لم يمض عليه الزمن، أي في العام 1991.

خاضت روسيا كلّ المعارك في الحرب التي تعرّض لها الشعب السوري منذ بدأ ثورته في العام 2011. لعبت الدور الأساسي في إبقاء بشّار الأسد في دمشق ابتداء من خريف العام 2015 عندما أرسلت طائرات إلى قاعدة حميميم قرب اللاذقية من أجل منع المعارضة من تحرير الساحل السوري ومن دخول العاصمة.

لم تفعل روسيا ذلك إلا بعد رضوخ الأسد الابن لشروط معيّنة فرضتها عليه في اجتماع، أقلّ ما يمكن وصف الطريقة التي جرى فيها، بأنّها من النوع المذلّ. وقتذاك قابل رئيس النظام السوري فلاديمير بوتين في موسكو وأبلغه موافقته على ما تقوم به روسيا في سوريا. جاء الاجتماع بعد هبوط الطائرات الروسية، وهي قاذفات “سوخوي” في حميميم بما يدلّ على أن الشروط الروسية غير قابلة للجدل وأنّه لم يكن أمام بشّار سوى الخضوع للأمر الواقع في حال كان راغبا في إنقاذ رأسه.

أكثر من ذلك، لم تستمر روسيا في حملتها الجويّة في سوريا إلا بعد ضمان القبول الإيراني للشروط التي وضعتها. قبل زيارة بشّار الأسد، ذهب الجنرال قاسم سليماني، قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” إلى موسكو واجتمع بالمسؤولين العسكريين الروس بغية تأكيد أن إيران موافقة على ما تقوم به روسيا في سوريا.

لم يكن لدى إيران التي ربطت مصيرها في سوريا بشخص بشّار الأسد من خيارات أخرى. كانت في حاجة إلى سلاح الجوّ الروسي كي تستمرّ في حربها على الشعب السوري. لم تعد لدى بشّار في تلك المرحلة قوات كافية لمتابعة حربه على شعبه. أمّا الميليشيات المذهبية اللبنانية والعراقية والأفغانية والباكستانية التي أرسلتها إيران إلى سوريا، فكانت في وضع سيّء بعدما كبدتها المعارضة خسائر كبيرة على مختلف الجبهات.

استطاعت روسيا تقديم الكثير من أجل إنقاذ رأس بشّار الأسد الذي وضع نصب عينيه تهجير اكبر عدد من السوريين من أرضهم وقتل كل من يستطيع الوصول إليه بوسائل مختلفة تراوح بين القصف المدفعي والبراميل المتفجّرة… والسلاح الكيميائي.

بعد ثلاث سنوات على القرار الروسي الخطير القاضي بإنقاذ بشّار الأسد، من دون أن يعني ذلك وجود أي مستقبل لنظامه، ماذا نجد في سوريا؟ هناك “داعش” الذي لا يزال ناشطا والذي يتبيّن يوميا أنّه ليس بعيدا عن النظام السوري ولا عن الميليشيات التابعة لإيران. ظهر ذلك بوضوح من خلال المجزرة التي ارتكبها “داعش” بالسويداء في تموز/ يوليو الماضي في حق الطائفة الدرزية التي فضلت، بأكثريتها الساحقة، عدم المشاركة في الحرب القذرة على الشعب السوري. يمتلك الدروز مقدارا كبيرا من الوعي والحكمة والوطنية والأخلاق والعروبة، بمعناها الحضاري طبعا، كي يرفضوا الدخول في لعبة الاقتتال الداخلي التي لا يمكن إلا أن ترتدّ عليهم في يوم من الأيام في حال انخراطهم فيها.

ما موقف روسيا من كل التطورات وهي تعرف أن ما صدر عن إيران خلال زيارة وزير دفاعها لدمشق ثم ظهوره في حلب مع قادة ميليشيات مذهبية، يتناقض كلّيا مع ما تسعى إليه

هناك أيضا عودة إيرانية إلى قلب دمشق من نافذة بشّار الأسد وذلك خلافا للاتفاق الذي توصلت إليه روسيا مع إسرائيل والقاضي بابتعاد الإيرانيين وتوابعهم ما لا يقل عن مسافة 85 كيلومترا عن الجنوب السوري، بما في ذلك عن العاصمة. زار وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي دمشق قبل أيام. أعلنت وسائل الإعلام الإيرانية بعد لقاء بينه وبين بشار الأسد ومحادثات أجراها مع كبار المسؤولين العسكريين، من بينهم وزير الدفاع السوري، عن توقيع معاهدة دفاعية إيرانية- سورية. وهذا يعني، من وجهة نظر طهران، أن القوات الإيرانية باقية في سوريا. تحدثت وسائل الإعلام الإيرانية أيضا عن مشاركة إيرانية في إعادة بناء سوريا وعن مساعدة إيرانية في إعادة بناء الجيش السوري.

ما موقف روسيا من كلّ هذه التطورات وهي تعرف تماما أن كلّ ما صدر عن إيران خلال زيارة وزير دفاعها لدمشق ثم ظهوره في حلب مع قادة ميليشيات مذهبية، يتناقض كلّيا مع ما تسعى إليه موسكو.

قبل كلّ شيء لم تكن لروسيا القدرة على المساعدة في تقدّم القوات التابعة لبشّار الأسد في الجنوب السوري وصولا إلى درعا، لولا الموافقة الإسرائيلية. ما الذي ستفعله روسيا بعدما أخذت إيران على عاتقها إعادة بناء الجيش السوري في الوقت الذي عليها التفكير مليّا في كيفية بيع رأس بشّار الأسد بعدما حافظت عليه طويلا، بل أكثر من اللزوم؟

الأهمّ من ذلك كلّه، أن روسيا بدأت تدعو دولا أخرى، بمن فيها الولايات المتحدة إلى المشاركة في إعادة بناء سوريا. هل الأميركيون أغبياء إلى حدّ الاستثمار في إعادة بناء سوريا من أجل أن تتولى شركات إيرانية الإشراف على بعض المشاريع في البلد المدمّر… أو من أجل أن يكون الجيش السوري الجديد في العهدة الإيرانية؟

يمكن أن تكون السياسة الأميركية غبّية. ولكن يبقى أن هناك حدودا للغباء الأميركي. كشفت الأيام الأخيرة تصعيدا أميركيا لا سابق له تجاه إيران. يشمل هذا التصعيد الوجود الإيراني المباشر وغير المباشر في سوريا. سيتوجب على روسيا عاجلا أم آجلا اتخاذ موقف مما تقوم به إيران في سوريا. هل هي مع التوجه الأميركي أم ضدّه؟ حسنا، قد تستطيع الاعتراض على التوجه الأميركي وعلى الرغبة الأميركية في البقاء في منطقة شرق الفرات ولكن ماذا عن التنسيق بين الكرملين وإسرائيل؟

لا شكّ أن روسيا في سوريا تجد نفسها هذه الأيام في حيرة من أمرها. لا يمكن الاستخفاف بما قاله مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون عن “الغرق” الروسي في سوريا.

 المفارقة أن روسيا ارتكبت في سوريا كلّ الارتكابات الممكن ارتكابها وها هي الآن تريد من الولايات المتحدة والدول الأوروبية والقوى العالمية الأخرى دفع ثمن إعادة الإعمار. لم تدرك أن لممارسة سياسة إمبريالية ثمنا لا مفرّ من دفعه. ليس هناك من هو على استعداد لدفع ثمن ما ارتكبته موسكو في سوريا. لا وجود لمثل هذا الاستعداد لدى الولايات المتحدة ولا لدى دولة قادرة مثل ألمانيا رفضت أخيرا رفضا قاطعا أي مشاركة في إعادة إعمار سوريا قبل بلورة حلّ سياسي يضمن بين ما يضمنه عودة آمنة للاجئين السوريين إلى الأرض التي طردهم منها النظام وإيران وروسيا…

مرّ ما يزيد على خمسة وعشرين عاما على انهيار الاتحاد السوفييتي. ليس هناك في موسكو من يريد الاستفادة من مبدأ بسيط يقول إن في الإمكان إنشاء أقوى جيش في العالم وتصنيع كلّ الأسلحة الممكن تصنيعها. لكن كل ذلك لا يعني شيئا في غياب اقتصاد يستطيع تحمّل مثل هذا التوجّه ذي الطابع الإمبريالي القائم على أحلام يقظة من نوع استعادة الحلم السوفييتي… انطلاقا من سوريا!
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
المصدر: العرب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

روسيا وسوريا وتجربة الاتحاد السوفياتي روسيا وسوريا وتجربة الاتحاد السوفياتي



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 05:07 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

خلطات سهلة من بودرة القرفة والألوفيرا لشعر صحيّ ولامع

GMT 18:13 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

"حق الله على العباد" محاضرة بتعاوني جنوب حائل السبت

GMT 18:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 02:33 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

زاهي حواس يكشف حقائق مُثيرة عن مقبرة "توت عنخ آمون"

GMT 08:52 2018 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

توقيف أحد اللصوص داخل مدرسة التقدم في أغادير

GMT 07:35 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

ريتا أورا تُناهض التحرّش وتثير الجدل بإطلالة مثيرة

GMT 01:09 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

مصادر تنفي خبر مقتل الفنان اللبناني فضل شاكر في غارة جوية

GMT 05:12 2016 الأربعاء ,07 كانون الأول / ديسمبر

تيريزا ماي تحضر قمة مجلس التعاون الخليجي

GMT 07:04 2016 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

حرباء متغيرة اللون يمتد لسانها لـ60 ميلًا لصيد فريستها

GMT 22:38 2014 الثلاثاء ,08 تموز / يوليو

قميص نيمار يظهر في الملعب قبل مواجهة ألمانيا

GMT 01:22 2015 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

المدافئ الكهربائية تتغلب على النمط التقليدي بأناقتها المميزة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca