مؤتمر الرياض اليمني... غطاء!

الدار البيضاء اليوم  -

مؤتمر الرياض اليمني غطاء

خيرالله خيرالله
بقلم : خيرالله خيرالله

لا يمكن الّا الترحيب بالمشاورات بين اليمنين التي تستضيفها الرياض بغطاء من مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة الذي لا يفوت مناسبة من اجل تأكيد مدى الحرص على عودة اليمن الى وضعه الطبيعي. لكنّ ذلك لا يمنع طرح أسئلة من نوع مدى تأثير المجتمعين في العاصمة السعودية على تقرير مجريات الأمور في ارض اليمن، وهو بلد تشظّى. اليمن تشظّى بكلّ معنى الكلمة، هذا اذا كان على المراقب للأحداث استخدام عبارة لطيفة لوصف ما حدث فعلا في افقر البلدان العربيّة، ولكن من بين اكثرها اهمّية استراتيجية.

لا يستطيع الذين يلتقون حاليا في الرياض تقديم مساهمة في احداث أي تغيير من أيّ نوع على الأرض اليمنيّة. يعود ذلك الى انّ الطرف الأساسي في المعادلة اليمنية، أي الطرف الحوثي، قرّر التغيب عن المؤتمر المنعقد في العاصمة السعوديّة. ليس الطرف الغائب، أو المُغيّب، طرفا يمنيّا بمقدار ما انّه طرف إيراني يريد اثبات كلّ يوم ان القرار اليمني في يد "الجمهوريّة الاسلاميّة" وليس في يد احد آخر.

من هذا المنطلق، في استطاعة الموجودين في الرياض وعددهم نحو 500، تمضية فترة تزيد على المدة المحددة للمؤتمر في نقاشات لا طائل منها. حدث ذلك سابقا في الكويت في العام 2016 حيث امضى اليمنيون أسابيع عدّة في حوارات تستهدف إيجاد صيغة لحلّ. تميّز اللقاء، الذي انعقد وقتذاك في الكويت، بحضور الحوثيين. في اثناء انعقاد مؤتمر الكويت، ذهب وفد حوثي الى السعوديّة وفاوض وتوصّل الى اتفاق مع المعنيين بالموضوع اليمني في المملكة. تبيّن في النتيجة انّه، في ما يخصّ الحوثيين، من يقرّر هو "الجمهوريّة الاسلاميّة" في ايران ولا احد غيرها. يؤكّد ذلك انّ مجرّد رفض ايران الاتفاق الذي توصّل اليه الوفد الحوثي، في حينه مع مفاوضين سعوديين، كان كافيا لانتهاء المؤتمر الذي انعقد في الكويت من دون نتيجة.

من الكويت الى الرياض، من العام 2016، الى العام 2022 لا يزال السؤال المطروح نفسه: هل تسعى ايران الى تسهيل التوصّل الى تسوية في اليمن تؤدي في احسن الأحوال الى حلّ مؤقت تهدأ فيه الحرب الدائرة منذ العام 2015، وهي حرب ذات طابع دفاعي لجأ اليها التحالف العربي؟

الجواب انّ أمورا غريبة تدور حاليا في المنطقة كلّها من جهة وأنّ المؤتمر المنعقد في الرياض يمكن ان يشكّل غطاء لشيء ما سيحدث على الصعيد اليمني من جهة اخرى.

ثمّة كلام، ستظهر في الايّام القليلة المقبلة مدى صحته، عن مفاوضات سعوديّة – ايرانيّة تجري في مكان ما، قد يكون مسقط. هذه المفاوضات تتمة لتلك التي بدأت بين الجانبين في بغداد وما لبثت ان توقفت من دون ان تتوقف الوساطة العراقيّة. رشح انّ هذه المفاوضات يمكن ان تكون بداية حلحلة في اليمن، اقلّه في مجال التوصّل الى توقف العمليات العسكريّة لمدة شهرين... على ان يترافق ذلك مع إعادة فتح مطار صنعاء جزئيا لعدد من الرحلات الاسبوعيّة.

كشف مؤتمر الرياض امرين في غاية الاهمّية. أولهما مدى ارتباط القرار الحوثي بايران. رسالة ايران واضحة كلّ الوضوح وهي تتلخّص بعبارة واحدة: الامر لي في اليمن. وهذا ما لا يريد المبعوثان الأميركي والاممي تيموثي ليندركينغ وهانس غروندبرغ الى اليمن استيعابه، عن قصد او عن غير قصد. امّا الامر الثاني المهمّ، فهو يتمثّل في انّ لا فائدة تذكر من "الشرعيّة" القائمة التي على رأسها الرئيس المؤقت عبد ربّه منصور هادي ونائبه علي محسن صالح الأحمر. في حال لم يعد مؤتمر الرياض إعادة تشكيل مثل هذه "الشرعيّة" التي فشلت في كل مجال وعلى كلّ صعيد، منذ العام 2012، سيظل مطروحا لماذا كان انعقاد مثل هذا المؤتمر وما الفكرة وراء دعوة مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة 500 شخصيّة يمنيّة الى العاصمة السعوديّة؟

هل تغيّر شيء، منذ انعقاد مؤتمر الكويت، كي يصبح ممكنا الحديث عن انفراجات في اليمن في ايّامنا هذه؟ في النهاية، على "الشرعيّة" اليمنيّة اثبات انّها تصلح لشيء، ذلك ان لا فائدة من رئيس مؤقت عاجز عن الذهاب الى اليمن، بل الى مسقط رأسه في ابين. ليس كافيا حديث كبار المسؤولين في "الشرعيّة" عن "الخطر الإيراني" كي يكون بقاء هؤلاء في مواقعهم مبرّرا.

بمؤتمر الرياض ومن دون مؤتمر الرياض، ثمّة حاجة الى إعادة تشكيل "الشرعيّة"، لا لشيء سوى لانّ الحوثيين، الذين تسيّرهم ايران، لن يتراجعوا عن الرغبة في إقامة كيان خاص بهم. يريدون من هذا الكيان ان يكون قاعدة صواريخ وطائرات مسيّرة ايرانيّة في اليمن لا اكثر.

من "شرعيّة" لا تفيد في شيء، صرفت عليها مليارات الدولارات... الى "شرعيّة" قادرة على إيجاد فارق على الأرض، يوجد فارق كبير وذلك بغض النظر عمّا يمكن ان يحصل من تفاهمات بين السعوديّة وايران.

ستظلّ مثل هذه التفاهمات، في حال التوصّل اليها، مجرّد مسكنات تستخدم في معالجة موضوع كبير وخطير في آن. موضوع اليمن كبير وخطير لأسباب عدّة من بينها ان شمال اليمن تحوّل موطئ قدم لإيران في شبه الجزيرة العربيّة وبات يشكلّ تهديدا لكلّ دولة خليجيّة في اطار لعبة تمارسها ايران لإثبات انّها القوّة المهيمنة في المنطقة كلّها. ليس اطلاق صواريخ وطائرات مسيّرة من الأراضي اليمنيّة في اتجاه السعوديّة والامارات سوى تعبير عن سياسة عدوانية تنتهجها ايران في المنطقة كلّها. تحتاج هذه السياسة الايرانيّة الى علاج جذري يتجاوز أيّ اتفاقات صغيرة، خصوصا ان السؤال الذي سيطرح نفسه عاجلا ام آجلا، في ظلّ أي مؤتمر سينعقد، اكان ذلك في الرياض او غير الرياض: ما الذي تريده ايران في اليمن غير تعميق المأساة التي يعيش في ظلّها الشعب اليمني في غياب أي صيغة حل قابل للحياة في الأفق. هل مطلوب استمرار الانسداد السياسي في اليمن فيما تطمح "الجمهوريّة الاسلاميّة" إلى صفقة مع "الشيطان الأكبر" الأميركي وفي غياب "شرعيّة" عاجزة عن ايّ تغيير في موازين القوى العسكريّة على الأرض؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مؤتمر الرياض اليمني غطاء مؤتمر الرياض اليمني غطاء



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 19:14 2019 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 04:11 2016 الخميس ,20 تشرين الأول / أكتوبر

تقنية جديدة تظهر النصِّ المخفي في المخطوطات القديمة

GMT 13:52 2016 الأحد ,20 آذار/ مارس

كريم طبيعي مزيل لرائحة العرق

GMT 08:47 2016 الإثنين ,11 كانون الثاني / يناير

البامية للوقاية من الأمراض المستعصية والاكتئاب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca