خياران إيرانيان… أحلاهما مرّ

الدار البيضاء اليوم  -

خياران إيرانيان… أحلاهما مرّ

بقلم - خيرالله خيرالله

ما كان مفترضا طرحه في موازاة الملف النووي الإيراني صار مطروحا الآن. ما الهدف من الصواريخ الباليستية الإيرانية؟ ماذا تفعل إيران في لبنان غير تدمير مؤسسات الدولة… أو ما بقي منها؟ ماذا تفعل إيران في العراق؟"نِعم" الاتفاق النووي لن تدوم طويلا

يمكن تلخيص نتيجة زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لواشنطن بفكرة بسيطة. تواجه إيران خيارين أحلاهما مرّ. هناك خيار الرئيس دونالد ترامب، القاضي بإلغاء الاتفاق في شأن الملف النووي الإيراني الذي أمكن التوصّل إليه صيف العام 2015 بدفع من الرئيس باراك أوباما وغطاء من إدارته. لم يقرّر ترامب بعد ما الذي سيفعله، لكنّ ميله الشخصي إلى إلغاء الاتفاق.

هناك أيضا خيار ماكرون والأوروبيين عموما والقاضي بإيجاد ملحق للاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني. يعتبر مثل هذا الملحق سدّا للثغرات التي سمحت لإيران باستغلال المفاوضات في شأن ملفّها النووي من أجل تحقيق مكاسب على الصعيد الإقليمي في خدمة مشروع توسّعي لا هدف له سوى تحقيق اختراقات في الداخل العربي وصولا إلى اليمن.

لم يكن الملفّ النووي الإيراني أولوية لدول الإقليم في أيّ يوم من الأيّام. وحدها إسرائيل أرادت استغلال الملفّ للقول إنّها دولة مهدّدة وإنّها ضحية تهديدات يومية تطلقها طهران.

في الواقع، ساعد الملفّ النووي الإيراني إسرائيل في ابتزاز الإدارة الأميركية من جهة وإيجاد غطاء لإرهاب الدولة الذي تمارسه والمتمثل في استمرار احتلالها للأرض الفلسطينية، بما في ذلك القدس الشرقية من جهة أخرى.

على الصعيد الدولي، كانت إدارة باراك أوباما الطرف الوحيد الذي أخذ الملفّ النووي الإيراني على محمل الجدّ. اختزل أوباما، الذي ربط بين أهل السنّة والإرهاب، كلّ مشاكل المنطقة وأزماتها بالملفّ النووي الإيراني. تغاضى عن كلّ التصرّفات الإيرانية، بما في ذلك الدخول كطرف مباشر في الحرب على الشعب السوري. فعل كلّ ذلك، مستبيحا دم السوريين، من أجل تفادي أي حاجز يمكن أن يؤخر الوصول إلى اتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني.

كان أوباما يمتلك أيديولوجيا خاصة به تقوم على أن إيران دولة ديمقراطية متجاهلا كلّ الجرائم التي يرتكبها النظام في حقّ الإيرانيين. كان مطلوبا من الرئيس الأميركي السابق توفير كلّ ما من شأنه استرضاء النظام الإيراني وذلك كي يضمن استمرار المفاوضات الهادفة للوصول إلى اتفاق في شأن الملفّ النووي ونجاحها. وهذا ما تحقق في صيف العام 2015.

كان الاتفاق بين إيران ومجموعة الخمسة زائدا واحدا، أي الدول التي تمتلك عضوية دائمة في مجلس الأمن زائد ألمانيا. لكنّه كان عمليا اتفاقا بين الولايات المتحدة وإيران. جاء الاتفاق نتيجة مفاوضات سرّية بين الجانبين بدأت باكرا في سلطنة عمان وانتقلت إلى عواصم أوروبية.

وضعت هذه المفاوضات الأسس لما يمكن عليه الاتفاق. تلت ذلك سلسلة اجتماعات علنية بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الذي أظهر قدرة عالية على تسويق الأوهام لدى كيري نفسه.

لم يكن جون كيري سياسيا ساذجا انطلت عليه ألاعيب ظريف وخزعبلاته فحسب، بل كان يعرف أيضا أن أوباما محاط في البيت الأبيض بمجموعة من المستشارين الإيرانيي الهوى. من بين هؤلاء كانت فاليري جاريت المولودة في إيران والتي كانت من أقرب الناس إلى أوباما وزوجته.

في السنة 2018، بات على إيران أن تختار بين ما إذا كانت دولة طبيعية أم لا. لم يعد الموضوع موضوع الملفّ النووي الذي استخدمته طويلا من أجل تحقيق مكاسب في واشنطن وخدمة إسرائيل في الوقت ذاته

ما تغيّر في عهد دونالد ترامب أن الإدارة الأميركية بدأت تعي أبعاد الخطر الذي يشكله المشروع التوسّعي الإيراني. هناك موقف واضح للرئيس الأميركي من الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني الذي يصفه ترامب بأنّه “أسوأ الاتفاقات” التي عقدتها الولايات المتّحدة.

لكنّ المهمّ في الأمر أن الإدارة الأميركية بدأت تتحدث عن السلوك الإيراني بشكل عام وعن تاريخ العلاقات بين واشنطن وطهران منذ حصول الثورة الشعبية التي أطاحت بالشاه في العام 1979. استعادت الإدارة الأميركية كلّ الأحداث التي توالت منذ أقام آية الله الخميني “الجمهورية الإسلامية” بدءا باحتجاز الدبلوماسيين في السفارة الأميركية في طهران في تشرين الثاني – نوفمبر 1979  لمدّة 444 يوما.

استعادت أيضا تفجير مقرّ المارينز قرب مطار بيروت في الثالث والعشرين من تشرين الأوّل – أكتوبر 1983. كذلك، استعادت خطف مواطنين أميركيين وغربيين في لبنان واحتجازهم فترات طويلة.

ليست الإدارة الأميركية التي استفاقت. استفاقت فرنسا وبريطانيا وحتّى ألمانيا التي لم تخف يوما انحيازها لإيران ورغبتها في تغليب مصالحها التجارية على أيّ اعتبارات أخرى.

كانت الاستفاقتان الأميركية والأوروبية وراء قيام وضع جديد. لم يعد مطروحا مصير الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني. المطروح ما العمل بالصواريخ الباليستية الإيرانية التي صار الحوثيون يطلقونها من الأراضي اليمنية في اتجاه المملكة العربية السعودية. فوق ذلك كلّه، ما العمل بالميليشيات المذهبية الإيرانية المنتشرة في كلّ المنطقة والتي تعتبر الوجه الشيعي لتنظيم “داعش” السنّي؟

هناك مشكلة حقيقية اسمها السلوك الإيراني. هل مسموح لإيران إقامة وجود دائم في سوريا، بعد الوجود الذي أقامته في لبنان في ظلّ علاقة غير محدّدة المعالم بين طهران وموسكو؟

في السنة 2018، بات على إيران أن تختار بين ما إذا كانت دولة طبيعية أم لا. لم يعد الموضوع موضوع الملفّ النووي الذي استخدمته طويلا من أجل تحقيق مكاسب في واشنطن وخدمة إسرائيل في الوقت ذاته. بفضل الملفّ النووي الإيراني والتصريحات التي يطلقها المسؤولون الإيرانيون بين حين وآخر، استطاعت إسرائيل تمرير أشياء كثيرة وصولا إلى مرحلة بات فيها اعتراف الرئيس ترامب بالقدس عاصمة لها أمرا أكثر من عادي.

ما كان مفترضا طرحه في موازاة الملفّ النووي الإيراني صار مطروحا الآن. ما الهدف من الصواريخ الباليستية الإيرانية؟ ماذا تفعل إيران في لبنان غير تدمير مؤسسات الدولة… أو ما بقي منها؟ ماذا تفعل إيران في العراق الذي تعرّض لعمليات تطهير ذات طابع مذهبي؟ ترافقت عمليات التطهير هذه مع تدمير ممنهج للمدن العراقية آخرها الموصل.

باتت إيران تقف أمام خيارين، خصوصا أنّ المطروح هل العالم مستعدّ للاعتراف بها قوّة إقليمية مهيمنة لديها طموحاتها في الخليج والشرق الأوسط بعد حدثين في غاية الأهمّية هما الاحتلال الأميركي للعراق في 2003 وملء الفراغ الأمني الذي خلفه الانسحاب العسكري السوري من لبنان.

نعم، هناك خياران أحلاهما مرّ أمام إيران. لكن أمام إيران خيار ثالث أيضا هو الخيار المستحيل. أي أن تكون إيران دولة طبيعية. لكنّ من الصعب على نظام إيراني يقتات من تصدير أزماته إلى خارج البلد ورهانه الأوّل والأخير على إثارة الغرائز المذهبية أن يعيش في ظروف طبيعية. سيتوجب عليه عندئذ الانصراف إلى معالجة الوضع الداخلي والاستجابة لمطالب الإيرانيين الذين يعيشون في معظمهم تحت خطّ الفقر. هذا من رابع المستحيلات… هذا ما يمكن أن يؤدي إلى انفجار كبير في المنطقة في ضوء الوضع الذي وجد النظام الإيراني نفسه فيه.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خياران إيرانيان… أحلاهما مرّ خياران إيرانيان… أحلاهما مرّ



GMT 15:52 2021 الثلاثاء ,16 آذار/ مارس

بايدن في البيت الأبيض

GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 05:07 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

خلطات سهلة من بودرة القرفة والألوفيرا لشعر صحيّ ولامع

GMT 18:13 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

"حق الله على العباد" محاضرة بتعاوني جنوب حائل السبت

GMT 18:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 02:33 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

زاهي حواس يكشف حقائق مُثيرة عن مقبرة "توت عنخ آمون"

GMT 08:52 2018 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

توقيف أحد اللصوص داخل مدرسة التقدم في أغادير

GMT 07:35 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

ريتا أورا تُناهض التحرّش وتثير الجدل بإطلالة مثيرة

GMT 01:09 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

مصادر تنفي خبر مقتل الفنان اللبناني فضل شاكر في غارة جوية

GMT 05:12 2016 الأربعاء ,07 كانون الأول / ديسمبر

تيريزا ماي تحضر قمة مجلس التعاون الخليجي

GMT 07:04 2016 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

حرباء متغيرة اللون يمتد لسانها لـ60 ميلًا لصيد فريستها

GMT 22:38 2014 الثلاثاء ,08 تموز / يوليو

قميص نيمار يظهر في الملعب قبل مواجهة ألمانيا

GMT 01:22 2015 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

المدافئ الكهربائية تتغلب على النمط التقليدي بأناقتها المميزة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca