هل تغير مصر موقفها من غزة

الدار البيضاء اليوم  -

هل تغير مصر موقفها من غزة

خيرالله خيرالله

بداية التحرك في اتجاه 'حماس' ليس تصرفا اعتباطيا، خصوصا بعدما تبين أن الإجراءات التي اتخذت في الماضي للفصل بين قطاع غزة وسيناء ليست كافية، ولم تؤد إلى تحقيق النتائج المرجوة.

بين ما يجري في سيناء وسلسلة التفجيرات التي استهدفت، بين ما استهدفت، تعطيل الحركة في مطار القاهرة، سيترتب على مصر عاجلا أم آجلا اعتماد استراتيجية مختلفة في مواجهة الإرهاب. يؤكد ذلك كلام الرئيس عبدالفتّاح السيسي بعد الأحداث الأخيرة في سيناء. فحوى الكلام أن الكيل طفح وأنّه إمّا تكون هناك دولة مصرية تسيطر على كلّ مصر، وإمّا استسلام للإرهاب وتحوّل قسم من الأراضي المصرية مرتعا للتنظيمات المتطرفة. إنّها تلك التنظيمات التي ولدت من رحم الإخوان المسلمين، والمتفرّعة عن “القاعدة” وما شابهها، كما الحال في ليبيا وسوريا والعراق واليمن وباكستان وأفغانستان ونيجيريا وغيرها.

المؤسف وسط كلّ ما نشهده، أنّ هذه التنظيمات الإرهابية تتمتّع برعاية بعض الأنظمة في المنطقة. على سبيل المثال وليس الحصر، لم يكن النظام السوري بعيدا عن “داعش” وتمدّده خدمة لسياسته الهادفة إلى إظهار نفسه حاجة لدى الذين يحاربون الإرهاب. فمثل هذا النوع من الأنظمة اعتاد ممارسة سياسة الابتزاز وبرع في ذلك. هذه السياسة قائمة، أصلا، على إشعال الحريق، ثمّ لعب دور الإطفائي حين تكون لدى نظام مثل النظام السوري مصلحة في ذلك.

المسألة، إذن، مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى مصر، خصوصا بعد الهجمات الأخيرة التي تعرّضت لها القوى الأمنية وقوات الجيش في سيناء، بما في ذلك مدينة العريش. عدد القتلى في صفوف القوى الأمنية كان كبيرا.

استدعى ذلك قطع السيسي زيارته لإثيوبيا حيـث كـان يشارك في القمّـة الأفريقية والعودة إلى القاهرة ليقول “إن الدولة تعرف من يموّل الإرهاب ويساعده” و“إنّ مصـر في مواجهة مع أقوى تنظيم سرّي في العالم”. الكلام ليس مبالغة، متى أخذنا في الاعتبار استثمار دول معيّنة في تغذية الإرهاب الإخواني في مصر وغير مصر.

من الواضح أنّ هناك بداية لاستراتيجية مصرية جديدة في مواجهة الإرهاب. الدليل على ذلك، صدور قرار عن إحدى المحاكم في القاهرة يعتبر الجناح العسكري في حركة “حماس”، أي “كتائب عزّ الدين القسّام” بمثابة “تنظيم إرهابي”. كذلك، أمر الرئيس المصري بتشكيل “قيادة أمنية موحّدة لشرق السويس”.

تبيّن، بكلّ بساطة، أنّ الاستراتيجية المتبعة في الماضي لم تؤدّ إلى النتائج المرجوة، خصوصا في ظلّ تدفّق السلاح على مصر من مصادر عدة، خصوصا من قطاع غزّة وليبيا والسودان.

باتت مصر مهدّدة جدّيا. من يحتاج إلى دليل على ذلك، يستطيع العودة إلى ما حصل يوم الخامس والعشرين من يناير، الذكرى الرابعة للثورة الشعبية التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك ونظامه. يومذاك، حصلت اضطرابات في غير مدينة ومنطقة مصرية. سقط نحو عشرين قتيلا، في حين كان مطلوبا أن يكون العدد أكبر من ذلك بكثير. وقد وجد بالفعل من يروّج للاضطرابات، إذ هناك محطات فضائية عدة اعتمدت رقما أكبر وصوّرت الوضع في مصر وكأنّه على شفير انفجار كبير. كان واضحا أن الهدف من كل ما حصل إظهار أن الإخوان المسلمين ما زالوا قادرين على تحريك الشارع.

    مصر مهدّدة جديا. من يحتاج إلى دليل على ذلك، يستطيع العودة إلى ما حصل يوم الخامس والعشرين من يناير، يومذاك حصلت اضطرابات في غير مدينة ومنطقة مصرية

أكثر من ذلك، كان مطلوبا تأكيد أن ثورة الثلاثين من يونيو 2013، التي خلّصت مصر من حكم الإخوان، كانت مجرّد انقلاب عسكري وليست ثورة حقيقية شارك فيها ملايين المصريين.

كان الفشل حليف الذين تحرّكوا في الذكرى الرابعة لـ”ثورة الخامس والعشرين من يناير”، خصوصا أن عدد القتلى لم يبلغ العدد الذين كان يطمح إليه محركو الأحداث والاضطرابات. لذلك، كان لا بدّ من إعادة تحريك سيناء عن طريق مجموعات مسلّحة، تبيّن أنّها مدربة تدريبا جيّدا ألحقت خسائر كبيرة في قوى الأمن والجيش، وضربت هيبة الدولة المصرية.

هذا يفسّر، إلى حدّ كبير، ردّ فعل الرئيس السيسي الذي أخذ الأمور على محمل الجدّ مدركا أن لا مجال بعد الآن لأيّ تردّد. فالكلام الذي صدر عنه كلام كبير. وبداية التحرّك في اتجاه “حماس” ليس تصرّفا اعتباطيا، خصوصا بعدما تبيّن أن الإجراءات التي اتخذت في الماضي للفصل بين قطاع غزّة وسيناء ليست كافية في أي شكل، كما لم تؤدّ إلى تحقيق النتائج المرجوّة.

شملت تلك الإجراءات إقامة منطقة عازلة على طول الحدود المصرية مع القطاع. كان هذا الإجراء مؤلما، لكنّه كان ضروريا، خصوصا في ظلّ الحاجة إلى تدمير منازل يقيم فيها مواطنون. وقد تطلّب الأمر نقل هؤلاء إلى مناطق أخرى، وتوفير مأوى لهم، وتعويض ما خسروه، كلّ ذلك من أجل تفادي إثارة نقمة شعبية في سيناء.

كذلك، عملت السلطات المصرية على تدمير الأنفاق التي كان يهرّب منها السلاح من غزّة إلى سيناء. فهناك أمور معروفة جيدا عن أن الإخوان المسلمين في مصر و”حماس” في غزّة يشكّلان جسدا واحدا وأن العلاقة بينهما عضوية.

كان هناك إصرار مصري على عدم التورط في غزّة نفسها. بدا أن الإجراءات ستقتصر على عزل القطاع. لكنّ الأحداث الأخيرة كشفت أن ثمّة أسبابا تدعو إلى الذهاب إلى أبعد من ذلك، أي إلى توجيه إنذار أخير إلى “حماس” عبر اعتبار الجناح العسكري فيها “تنظيما إرهابيا”. هذا الإنذار خطوة أولى تستهدف حمل “حماس” على تغيير سلوكها، والسيطرة على تهريب السلاح إلى مصر، والتوقف عن تدريب إرهابيين تمهيدا لإرسالهم إلى سيناء ومناطق مصرية أخرى. لم يكن كلام السيسي مجرّد كلام من أجل تهدئة المصريين وتأكيد أن لا عودة إلى الخلف وأنّ مصر لن تستسلم مجددا أمام الإخوان.

الكلام يذهب إلى أبعد من ذلك بكثير. يذهب إلى الاعتراف بالحاجة إلى بلورة استراتيجية جديدة في مجال مكافحة الإرهاب ومواجهة الذين يقفون خلفه. الأكيد أن مصر تعرف الكثير عن هؤلاء. الأكيد أيضا أن الموقف من غزّة ليس سوى بداية. السؤال الآن إلى أيّ حد سيتبدل الموقف من “حماس” التي تصرّ على أن السلطات المصرية لا تمتلك أيّ أدلّة تسمح لها باعتبار “كتائب عز الدين القسّام” تنظيما إرهابيا.

في كلّ الأحوال، يبدو واضحا أن هناك تغييرا مصريا في شأن كيفية التعاطي مع ظاهرة الإرهاب. الحرب عليه ستكون طويلة كما ستكون “صعبة” باعتراف السيسي نفسه. سيكون على مصر خوض معارك على غير جبهة، خصوصا على الجبهة الليبية، وسيتوجّب عليها بذل جهود كبيرة، وتخصيص إمكانات ضخمة للحرب هذه التي يخشى من أن تتحوّل حروبا عدّة.

كانت مصر في حاجة إلى هذه الجهود وهذه الإمكانات من أجل خوض حروب من نوع آخر تستهدف تنمية البلد، والقضاء على الفقر الذي يوفّر بيئة تشجّع على تمدّد الإرهاب ونموّه وولادة إرهابيين. ولكن ما العمل عندما تكون هناك قوى إقليمية، على رأسها تركيا، ذات ارتباطات معروفة بالإخوان المسلمين، تعمل من أجل استنزاف مصر ومنعها من التقدّم والتطور بصفة كونها عاملا مهمّا في استعادة التوازن بين القوى العربية وغير العربية في المنطقة؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل تغير مصر موقفها من غزة هل تغير مصر موقفها من غزة



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 05:07 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

خلطات سهلة من بودرة القرفة والألوفيرا لشعر صحيّ ولامع

GMT 18:13 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

"حق الله على العباد" محاضرة بتعاوني جنوب حائل السبت

GMT 18:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 02:33 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

زاهي حواس يكشف حقائق مُثيرة عن مقبرة "توت عنخ آمون"

GMT 08:52 2018 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

توقيف أحد اللصوص داخل مدرسة التقدم في أغادير

GMT 07:35 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

ريتا أورا تُناهض التحرّش وتثير الجدل بإطلالة مثيرة

GMT 01:09 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

مصادر تنفي خبر مقتل الفنان اللبناني فضل شاكر في غارة جوية
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca